تفاؤل في الصين بعد مساع حكومية للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون

الغضب الواسع أجبر الحكومة الجديدة على التعهد باتخاذ تدابير أكثر حزما

الضباب الملوث الذي يغطي بكين والمدن الصينية الأخرى من السيارات والمصانع ومحطات توليد الطاقة والأفران (نيويورك تايمز)
TT

ربما يكون جيانغ أحد سكان بكين القلائل الذين يرون شعاع الأمل في الضباب الذي يلف المدينة. ونظرا لعمله باحثا في معهد الطاقة الحكومي، يدافع جيانغ بشدة عن الخفض السريع لإنتاج الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الصين، ويشير إلى أن الغضب الشعبي بشأن تلوث الهواء أثار قلق الحكومة، التي رفضت التلوث طويلا كثمن ضروري للرفاهية.

يأتي الضباب الملوث، الذي يغطي بكين والمدن الصينية الأخرى، من السيارات والمصانع ومحطات توليد الطاقة والأفران التي ينبعث منها أيضا ثاني أكسيد الكربون، وغاز الاحتباس الحراري الرئيس من الأنشطة البشرية. ويقول خبراء إن الغضب الواسع بشأن تلوث الهواء أجبر القيادة الصينية الجديدة على التعهد باتخاذ تدابير أكثر حزما للحد من التلوث، والتي يتوقع أن تخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، خاصة من الفحم. وقال جيانغ، باحث في معهد بحوث الطاقة، الذي يقدم المشورة للحكومة الصينية «ساعد القلق العام حول تلوث الهواء في زيادة الوعي تجاه المشاكل البيئية الأوسع نطاقا، وهو ما سيعطي دفعة كبيرة للصين.

كان جيانغ أحد المشاركين في النقاشات الواسعة التي تدور بين مسؤولين ومستشارين وأكاديميين صينيين حول كيفية المسارعة للحد من تلوث غازات الاحتباس الحراري، التي فاقت في معدلاتها أي بلد آخر. دارت المناقشات، التي اتسمت بالقوة - لكن على الطريقة الصينية التقليدية وراء الكواليس - على أهمية التصنيع والنمو الحضري في مقابل ظاهرة الاحتباس الحراري.

وعلى عكس الحذر المعتاد لمستشاري الحكومة، قدم جيانغ اقتراحا للحد بشكل سريع من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن استخدام الوقود الأحفوري، والذي يشكل ربع إجمالي الانبعاثات في العالم. ووفق البحث الذي قدمه يتوقع أن تصل الانبعاثات في الصين إلى ذروتها قبل عام 2025، أي قبل خمس سنوات من أدنى توقعات الخبراء الصينيين. وقال جيانغ «أنا لا أقول إنه سيكون سهلا، لكنه ممكن. لكن الوقت الكافي لاتخاذ إجراءات فعالة محدود للغاية».

وتقول باربرا فينامورا، مديرة الشؤون الآسيوية في مجلس الموارد الطبيعية ومقره نيويورك «تبدو خطته غير مؤهلة للفوز بموافقة الحكومة، لكنها واحدة من بين بالونات الاختبار التي لن تطفو ما لم تجر مناقشة جادة منفتحة حول ما ينبغي أن تفعله الصين». وقد طور مستشارو السياسة الصينية مقترحات للسيطرة على الغازات الدفيئة على المدى القريب، تشمل ضريبة الكربون على استعمال الوقود الأحفوري، وتبدأ من عام 2016، وضع قيود إرشادية سنوية لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من استهلاك الطاقة. وسوف تبحث الصين في توسيع أسواق ائتمان الكربون المحلية الناشئة إلى خطة شاملة بدءا من عام 2015، بحسب شي زينهوا، مسؤول سياسة تغير المناخ.

على الصعيد ذاته، تسعى الصين إلى الاستجابة، بشكل جزئي، إلى الضغوط الدولية حيث تجري الحكومة مفاوضات حول اتفاقية عالمية جديدة مقترحة خاصة بتغير المناخ والتي يتوقع أن يتم التفاوض بشأنها عام 2015 وتدخل حيز التنفيذ في عام 2020.

وكان الرئيسان أوباما وشي جينبينغ قد اتفقا في يونيو (حزيران) على مناقشة سبل التخلص التدريجي من مركبات الكربون، المسببة للاحتباس الحراري. ويرى محللون أن المخاوف الاقتصادية والطاقة والبيئة المحلية ستجبر القادة الصينيين على إعادة النظر في السياسات التي يمكن أن تحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. في الوقت ذاته تسعى القيادة الجديدة لإعادة تنشيط الاقتصاد، من خلال تقليل الاعتماد على الصناعات الثقيلة التي تنتج كميات عالية من التلوث. وتعهد شي ورئيس الوزراء لي كشيانغ بتنظيف التربة الملوثة والهواء والماء، وأن تحقيق هذه الأهداف يمكن أن يسهم أيضا في خفض الكربون نتيجة لذلك.

وقال واي شين شان، مدير استراتيجية تغير المناخ في آسيا، في مركز أبحاث «إتش إس بي سي غلوبال ريسيرش» في هونغ كونغ «كان تلوث الهواء العامل المساعد الأمثل. فتلوث الهواء يرتبط بشكل واضح بالصحة، والأهم من ذلك هو أن الجميع - سواء أكانوا مسؤولين بالحكومة أو مديري شركات - يتنفسون الهواء ذاته.

على الرغم من ذلك، هناك عقبات كبيرة تواجه أنصار الخفض السريع للانبعاثات في الصين. فلا يزال النمو الاقتصادي القوي يشكل ضرورة ملحة لدى القادة، الذين يخشون من أن يهدد تباطؤ النمو وارتفاع البطالة حكم الحزب الشيوعي. أضف إلى ذلك أن الصين لا تزال تعتمد على الفحم، الذي يشكل نحو 70 في المائة من الطاقة في البلاد. ومن المرجح أن تقاوم الشركات والمسؤولين الخطوات التي تهدد استثماراتهم الصناعية.

ويقول وانغ تاو، بمركز كارنيغي تي سنغهوا للسياسات العالمية في بكين «لن يحسوا بالسعادة عندما يرون أن الاستثمار في القدرة الجديدة التي أقاموها قبل عدة سنوات ربما يجب إزالتها. إن ذلك كله يعتمد على مدى سرعة الصين في تحويل الهيكل الاقتصادي الحالي».

وكان شي، المسؤول عن تغير المناخ، قد أعلن في أبريل (نيسان) عن إعادة تقييم توقيت وكيفية بلوغ غازات الاحتباس الحراري ذروتها في الصين. وقال «هناك مساحة محدودة جدا لإضافة مزيد من انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي»، وقال يانغ فو تشيانغ، خبير في سياسة تغير المناخ الصينية بمجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية «تحديد توقيت وصول الصين إلى ذروة الانبعاثات الحرارية، والمستوى الذي ستصل إليه، أمر مهم للغاية وللوصول إلى نهج عالمي موحد».

أهمية هذه القضية تبدو واضحة في كل مدينة صينية. فالمصانع والمنازل تدار بالكهرباء القادمة من مصانع توليد الطاقة التي تستخدم الفحم على الأغلب، وفي الشتاء تستخدم المنازل الكثير من مراجل الفحم، ناهيك عن السيارات والشاحنات التي تملأ الطريق. كما تستهلك توسعات المدن الإسمنت والصلب والكيماويات ـ تلك الصناعات التي تطلق كميات ضخمة من ثاني أكسيد الكربون.

جدير بالذكر أن الصين احتلت قمة أكثر الدول إنتاجا لغاز ثاني أكسيد الكربون في العالم منذ عام 2006، عندما تفوقت على الولايات المتحدة. لكن الحكومة الصينية أقرت في عام 2009 سياسة للحد من ثاني أكسيد الكربون المنبعث من إنتاج كل وحدة من وحدات النشاط الاقتصادي بنسبة 40 إلى 45 في المائة بحلول عام 2020، مقارنة بمستويات عام 2005. وهذا يعني انبعاثات تنمو جنبا إلى جنب مع الاقتصاد الصيني، ولكن المعدلات البطيئة ستكون أفضل من انعدامها كلية.

* خدمة «نيويورك تايمز»