احتفاليات في القاهرة دفاعا عن طه حسين

بعد تدمير تمثاله على يد متطرفين وإلغاء كتابه «الأيام» من مناهج التعليم

طه حسين
TT

تستعد الأوساط الثقافية في القاهرة للاحتفال بالذكرى الأربعين لرحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، أحد رواد العقلانية والاستنارة في التاريخ العربي الحديث. وتكتسب الاحتفالية هذا العام بعدا دفاعيا عن تراث طه حسين، خاصة بعدما تعرض للتشويه من قبل مسؤولين، لا يدركون أهمية دوره الريادي في الاعتداد بحرية الفكر والبحث العلمي والرأي والتعبير.

فتحت عنوان «دفاعا عن طه حسين» تعقد ورشة الزيتون بالقاهرة ندوة موسعة الاثنين المقبل. وقال الشاعر الناقد الأدبي شعبان يوسف، مقرر الورشة، إن الندوة تأتي ردا على ما يتعرض له تراث الدكتور طه حسين من تهميش واعتداء سافرين من قوى الرجعية، ففي نصف هذا العام الأول تم الاعتداء على تمثاله وفصل رأسه في حديقة بمسقط رأسه بمدينة المنيا بصعيد مصر، ثم قرر بعد ذلك المسؤولون في وزارة التربية والتعليم إلغاء كتاب «الأيام» الذي كان مقررا على طلاب الثانوية العامة، لافتا إلى أن هذا الكتاب تم الاعتداء عليه بضراوة بالحذف والإضافة والتعديل، مما يعد جريمة نكراء ارتكبتها الوزارة والقائمون على إدارتها.

وأشار يوسف إلى أن الندوة تكتسب أهميتها كذلك من كونها تقام قبل أيام من الذكرى الأربعين لرحيل طه حسين، موضحا أن المشاركين فيها سيستعرضون كل أشكال الحرب التي شنت ضد طه حسين على مدى تاريخه حتى الآن.

وفي السياق نفسه، تقيم مكتبة الإسكندرية، في بيت السناري الثقافي التابع لها بالقاهرة، احتفالية بالذكر الأربعين لرحيل طه حسين، يوم 28 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وقال بيان للمكتبة إن الاحتفالية سيشارك فيها كوكبة من المفكرين والباحثين، يلقون الضوء على تراث طه حسين، ودوره في دعم خطاب العقلانية والتنوير في مصر والعالم العربي.

وحول الاحتفالية قال رئيس قطاع المشروعات والخدمات بمكتبة الإسكندرية الدكتور خالد عزب، في بيان له بهذه المناسبة، إن الاحتفالية ستشهد مفاجآت عديدة أبرزها عرض نسخة من كتاب لطه حسين لم يسبق نشره عن البيان في القرآن الكريم، وكذلك عرض لمجموعة نادرة من الأوراق الشخصية الخاصة به، بالإضافة للمراسلات التي جرت بينه وبين عدد من المفكرين، وسيصاحب ذلك معرض لصوره ومعرض لمؤلفاته.

وذكر عزب أن السيدة مها عون، حفيدة طه حسين، فتحت لأول مرة خزانة خاصة به تتضمن مجموعة من وثائقه، مشيرا إلى حصول مكتبة الإسكندرية على نسخة منها ستتاح للجمهور عبر موقع ذاكرة مصر المعاصرة.

يشار إلى أن طه حسين ولد في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1889، بإحدى القرى التابعة لمدينة مغاغة بمحافظة المنيا بصعيد مصر، وأصيب بالعمى وهو في الرابعة من عمره، وتعلم العربية وحفظ القرآن وأجاد تلاوته في مدة قصيرة أذهلت معلميه والمحيطين به، كما تعلم بالكتّاب مبادئ الحساب، ثم أكمل تعليمه بالأزهر الشريف. وكان أول المنتسبين للجامعة المصرية حين فتحت أبوابها في عام 1908، ودرس بها العلوم العصرية، والحضارة الإسلامية، والتاريخ والجغرافيا، وعددا من اللغات الشرقية مثل الأمهرية والعبرية والسريانية. ولفتت أطروحته التي نال بها درجة الدكتوراه بعنوان «ذكرى أبي العلاء» أنظار الباحثين لنبوغه العلمي، كما أثارت ضجة ضده في الأوساط الدينية، إذ اتهمه أحد أعضاء البرلمان بالمروق والزندقة والخروج على مبادئ الدين الحنيف، وهي التهم نفسها التي اتسعت ووصلت لمنصة القضاء لمحاكمة كتابه المثير للجدل «في الشعر الجاهلي» بتهمة الإلحاد والإساءة للدين الإسلامي. لكن القضاء أنصفه في حكم تاريخي غير مسبوق. وفي عام 1914 أوفدته الجامعة المصرية إلى مونبيلييه بفرنسا، لمتابعة التخصص والاستزادة من فروع المعرفة والعلوم العصرية، فدرس في جامعتها مختلف الاتجاهات العلمية في علم الاجتماع والتاريخ اليوناني والروماني والتاريخ الحديث، وحصل منها على دكتوراه ثانية حول «الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون». وخلال الدراسة في مونبيلييه تزوج من سوزان بريسو الفرنسية السويسرية التي ساعدته على الاطلاع أكثر فأكثر بالفرنسية واللاتينية، وتمكن من الثقافة الغربية بشكل واسع.

وتوفي عميد الأدب العربي يوم الأحد 28 أكتوبر 1973، عقب نصر أكتوبر. وقال عنه صديقه اللدود عباس محمود العقاد «رجل جريء العقل مفطور على المناجزة والتحدي، فاستطاع بذلك نقل الحراك الثقافي بين القديم والحديث من دائرته الضيقة التي كان عليها إلى مستوى أوسع وأرحب بكثير».

كما نعاه الدكتور إبراهيم مدكور، رئيس مجمع اللغة العربية آنذاك، قائلا «إنه اعتد بتجربة الرأي وتحكيم العقل، واستنكر التسليم المطلق، ودعا إلى البحث، والتحري، بل إلى الشك والمعارضة، وأدخل المنهج النقدي في ميادين لم يكن مسلما بها من قبل، وأدخل في الكتابة والتعبير لونا عذبا من الأداء الفني حاكاه فيه كثير من الكتاب، وأضحى عميد الأدب بغير منازع في العالم العربي».