توم فورد.. توقعات كبيرة وخيبة أمل

بعد انتظار طويل يقدم أول عرض كبير له في «أسبوع لندن»

TT

هناك عروض تنتظرها على أحر من الجمر، وتعقد على مصممها آمال كبيرة بأنه سيأخذ الموضة إلى طريق جديد لم يطرقه أحد من قبل. ويزيد من حجم التوقعات أن المصمم نفسه يحيط نفسه بهالة من الغموض والخصوصية أقرب إلى العظمة. للأسف هذه الهالة قد تكون سيفا ذا حدين، لأن المصمم مهما أبدع وقدم لا تكون النتيجة بحجم التوقعات الكبيرة التي منينا بها الأنفس. هذا ما حصل تماما مع إيدي سليمان، مصمم «سان لوران» الحالي، في العام الماضي، وما حصل مع توم فورد أول من أمس في لندن. فهذا الأخير قدم في الموسم الماضي عرضا خاصا جدا، دعا إليه نخبة منتقاة بعناية جدا، ومنع دخول المصورين، حتى لا يمكن من لم يحضر العرض رؤية ما قدمه. لعبة التشويق، ومن ثم عشق المصمم وترقب كل ما يخرج من أنامله، أججها ظهور نجمات بتصاميمه في مناسبات كبيرة. كانت تصاميم تعد بالكثير، مثل الفستان الأبيض الطويل على شكل «كايب» الذي ظهرت به الممثلة غوينيث بالترو.

هذه المرة قرر توم فورد أن ينزل من برجه العاجي وأن يدخل عددا أكبر إلى عالمه الخاص، بمن فيهم المصورون. ربما يكون السبب أنه أدرك أن التصميم للنخبة وحدهم لا يكفي، وأنه إذا أراد أن يتوسع ويكبر، عليه أن يخاطب أسواقا بعيدة وشرائح جديدة تعشق الموضة ولا تبخل عليها مهما كان الثمن.

قرأ المصمم أن أغلب هذه الشرائح من الشابات، لهذا كان ديكور مسرح العرض يوم أول من أمس، الاثنين، يوحي بأجواء ناد ليلي بمراياه وسجاده الأسود، مما جعله خلفية مناسبة لتشكيلته البراقة. تشكيلة يشي كل ما فيها بأن المصمم يتوجه إلى مليونيرات شابات، أنيقات، والأهم رشيقات. فالفساتين جاءت قصيرة جدا ومحددة على الجسم، وكل شيء تقريبا، بما في ذلك التايورات المكونة من تنورات قصيرة، كانت مرصعة بالكريستال. فالكريستال كان نجم هذه التشكيلة بلا منازع.

ما جعل هذه التشكيلة تثير الانتباه، فضلا عن اسم مصممها، أن طوال أسبوع لندن، كان هناك شبه إجماع بين المصممين على أن تكون الأنوثة والنعومة محور اهتمامهم، باستثناء جوليان ماكدونالد، الذي قدم تشكيلة كلها بريق وتشد الجسم شدا، ذكرتنا ببذخ الثمانينات ومبالغاته. وها هو توم فورد، ملك الإثارة سابقا، إذ لا ننسى أنه الذي أتقن هذه المدرسة في التسعينات من القرن الماضي خلال سنواته في دار «غوتشي»، يعود إليها بشكل آخر. عوض الفساتين الطويلة ذات الفتحات الجانبية التي سوقها لنا في «غوتشي»، لم تكن التنورات القصيرة جدا تتحمل أي فتحات.

والسؤال الذي يطرح نفسه، هل توم فورد، مثل إيدي سليمان، يعيش على مجد سابق؟ فإيدي سليمان حقق اسمه عندما كان في دار «ديور» مصمما فنيا لخطها الرجالي. كان هو من أبدع البدلات المفصلة على الجسم والرشيقة التي تستوحي خطوطها من أزياء نجوم الروك آند رول، جعلت شباب العالم يعيشون حلم النجومية. وعندما ترك «ديور» قيل إن من بين الأسباب التي جعلته يخطو هذه الخطوة أن مجموعة «إل في آم آش» المالكة لم تقبل أن يصمم خطا نسائيا، بسبب تضارب المصالح. بعد غياب عن الأضواء لمدة سنوات، اشتاق له عالم الموضة، وعندما أعلن أنه سيتسلم مقاليد دار «إيف سان لوران» آنذاك التي غير اسمها إلى «سان لوران»، هلل له الكل، وتوقع منه الكثير. بيد أنه هو الآخر لم يقدم إلا القليل، إذ لا يزال المتابعون، بمن فيهم المؤيدون والمعجبون، لا يعرفون توجه الدار وأي طريق سيأخذها إليه، خصوصا أن تشكيلته الأخيرة كانت تميل إلى أسلوب «الغرانج» الذي لم ينجح في السابق ولا يتوقع له النجاح الكبير في المستقبل. فالتجديد لا يعني بالضرورة التوجه إلى الشباب، بقدر ما يعني إبداع أسلوب مختلف أو فكرة جديدة.

الراحل إيف سان لوران، مثلا، أعطى المرأة التوكسيدو حين أنثه وأضفى عليه نعومة وقوة، وهو أيضا من أعطانا خلطة عجيبة من الألوان حين مزج البرتقالي مع الفوشيا في قطعة واحدة أثارت الدهشة والإعجاب وغيرها من التصاميم. وربما هذا من بين الأسباب التي تشفع لإيدي سليمان، أنه خلف عبقريا وأحد أهم المصممين في العصر العشرين يصعب أن ينساه المتابعون بسهولة، وبالتالي ستظل المقارنة ليست في صالح من يخلفه.

توم فورد، في المقابل، حين ترك «غوتشي» كان يعرف أنه يريد أن يعمل باسمه الخاص، وبالتالي فإن المقارنة الوحيدة هي بينه وبين نفسه وعهده في «غوتشي»؛ فقد كان هو المصمم الذي قدمنا إلى الأنوثة المثيرة من دون أن تكون فجة في التسعينات، وهذا ما سيبقى إرثه للموضة، ومن الصعب عليه تحسينه أو تطويره، سواء تعلق الأمر بالفساتين الضيقة أو جاكيتات التوكسيدو بالأبيض والأسود أو جاكيتات السافاري أو المعاطف التي قدمها في «أسبوع لندن»، وجاءت بلمسات تذكر بتوم فورد التسعينات، مع فرق واحد أنها أكثر إتقانا وأغلى سعرا.

ومع ذلك، لن نستغرب أن تنجح هذه التشكيلة تجاريا، لأن اسم توم فورد وحده يكفي لكي يسوقها لفتيات يحلمن بدخول عالم الموضة من أسهل الأبواب.