«ديانا».. الأميرة الباحثة عن حب جديد

مخرج سقوط هتلر يقدم جديدا أقل نجاحا

الممثلة ناوومي ووتس
TT

لم تعش الأميرة ديانا طويلا، بل توفيت في الحادي والثلاثين من أغسطس (آب) سنة 1997، عن 36 سنة، لكنها في حياتها القصيرة، نسبيا، شهدت الكثير من الأزمات وعاصرت فضائح ومشاكل عاطفية وواجهت أفعالا وردود أفعال، بدءا مما أشيع عن الخلاف بينها وبين الملكة إليزابيث وفتور العلاقة بينهما، إلى حياتها العاطفية غير المستقرة قبل زواجها من الأمير تشارلز، ووصولا إلى علاقتها مع دودي الفايد، وانتهاء بموتها المفجع في ذلك النفق الباريسي الشهير.

واحدة من تلك الأزمات كانت علاقتها بالجراح الباكستاني حسنات خان، التي تشكل لب الفيلم الجديد للمخرج الألماني أوليفر هيرشبيغل «ديانا». حينها، قبل عامين من وفاتها، كانت تطلقت من زوجها أمير ويلز واستردت، حسب ما كتبه المعلقون عنها آنذاك، حريتها الاجتماعية من دون أن تخسر البريق الخاص الذي تمتعت به حين تزوجت من الأمير تشارلز.

ويدور «ديانا» عن عاميها الأخيرين، مثلما كان فيلم هيرشبيغل الأسبق «سقوط» (Downfall) - قبل ستّة أعوام - عن الأيام الأخيرة من حياة هتلر. لكن ما مر في أيام هتلر الأخيرة، مما تم تصويره في ذلك الفيلم، أهم تاريخيا وعلى نطاق إنساني واسع مما مرت به الأميرة الجميلة في عاميها الأخيرين. من وجهة نظر درامية بحتة، الموضوع الهتلري أجاب عن أسئلة مطروحة حول هتلر في آخر تلك الأيام العصيبة التي تلت انتحاره. في حين أن فيلم «ديانا» يعالج الموضوع بأسره كما لو كانت الحياة الفردية هي لعبة بلاستيك تستطيع أن تلويها كما تريد.

* الدور الصعب ناوومي ووتس هي من رسا عليها الدور، وإذ عرفناها على الشاشة كثيرا (برعت في «21 غراما»، و«بابل»، و«وعود شرقية»، و«لعبة عادلة»، و«المستحيل» من بين أخرى) كان لنا أن نتوقع تشخيصا حيا لامرأة تداولتها الأوساط الإعلامية كثيرا. طبعا المهمة الصعبة أمام الممثل في هذه الحالة هي أن يؤدي شخصية معروفة بأماراتها ومكوناتها الشخصية. لكن ذلك لا يعني عدم وجود مدخل كان يمكن لووتس التسلل منه لتقديم فهمها الخاص للأميرة وتصورها المعين لها. المشكلة هي أن الرؤية كانت غائبة، ليس عنها فقط، بل عن المخرج الذي قرر أنه يكفي أن يكون الفيلم عن «ديانا» ويحمل اسمها عنوانا له. الباقي، كما تصوّر ونفّذ، يمكن أن يدلف في خانة تقديم الحكاية.

ديانا هنا امرأة وحيدة تحلم بالهرب من البيئة الملكية التي وجدت نفسها فيها إلى حيث تستطيع أن تعيش حياتها الخاصة بعيدا عن ملاحقة الصحافيين والمصورين. وهي إذ تلتقي بالجراح حسنات خان (يؤديه نافين أندروز) تتوسم عبر علاقتها تحقيق هذا الحلم. لكن حبهما يرتطم سريعا بصخور من صنع الحب ذاته، وتجد نفسها خسرته، مما يجعلها تؤم حبا جديدا – وسريعا - مع دودي الفايد (الجيد كاس أنور). لا تعرف هنا إذا ما كان حبها للشاب الفايد حقيقيا أم لا، لأن الفيلم يرتاب في أن التحاقها بركب الفايد كان لأجل الانتقام من خان. إذا صدقنا ذلك فإن الفيلم يرسم صورة داكنة عن شخصية محبوبة، لكن ما يساعده على النجاة من آثار ذلك هو أن ما رسمه ليس ملهما ولا جديدا ولا يمنح الأميرة ديانا أكثر مما هو معروف ووارد في ما نشر من الكتب عنها.

* كلمات الشاعر إلى جانب أن ناوومي ووتس تمثل فقط ولا تشخص، تؤدي ولا تجسد، يفتقد الفيلم إلى ما يمنح العلاقة التي تربطها بالجراح الباكستاني الأصل، السبب. طبعا العلاقة حدثت ولا يمكن تكذيبها، لكن هل كانت شخصية الجراح على هذا النحو من الفتور؟ وهل كان وجهه يحمل، غالبا، ذلك اللاتعبير الذي يرتسم على وجه الممثل أندروز؟ بمتابعة الاثنين معا (الحوار بينهما مشكلة أخرى) ينتبه المرء إلى أنه لا «كيمياء» ولا جذب «فيزيائي» ممكن بينهما. أن تقع ديانا في حب أي فرد هو أمر وارد، أن يكون الفرد مملا إلى حد الضجر أمر غريب كان يستحق - لو كان فعليا - الخوض فيه.

لكن «ديانا» الفيلم يكتفي طوال الوقت بأن يحكي حكاية. يريد أن يوجه نفسه إلى جمهور ألف ديانا وأحبها ولم يقرأ أيا من الكتب التي نشرت عنها، بحيث حافظ على ذلك القدر من الفضول الذي قد ينجز إقبالا. وهو، لهذه الغاية، يمنح مشاهديه معالجة تلفزيونية الروح (سوب أوبرا)، ولو أنه في ثلث الساعة الأخير يرفع إيقاعه ليناسب تلك الأيام الأخيرة من حياة ديانا قبل موتها وحبيبها الجديد.

في هذا السياق، كل الأمور الأخرى (أولادها، مشاغلها الإنسانية) تبقى في الخلفية أساسا. نعم هناك مشاهد لولديها يلعبان وابتسامة على وجهها، لكن هذه هي الزينة التي يستخدمها ليحشر جانبا وليس ليقدمه. أيضا يغيب زوجها السابق بأسره. نعم الفيلم عن عاميها الأخيرين، لكن لا بد أن تكون هناك مناسبة للحديث عنه أو لتأجيج السرد ببعض لهيب الطلاق الداوي الذي وقع.

أسوأ ما يحدث لهذا الفيلم أن حماسه الخاص يتوقف عند الرغبة في صنع الفيلم وليس في كيفية صنعه. هذا يبدو موازيا مع معالجة الشخصيات خصوصا شخصية حسنات خان ذاك، فهو مقدم على أساس أنه عاطفي وشاعري ويحفظ بعض الأبيات الفارسية.. لكن طريقة إلقائه لها تجعل كلماتها تنزلق عارية من غاياتها.

ليس كل الإخفاق من مسؤولية المخرج، هناك كاتب السيناريو ستيفن جفريز الذي ليس لديه الكثير ليقوله عن علاقة حب بين شخصين لا يمكن أن يكونا متجانسين. النتيجة أن العلاقة (التي تبدأ حين تلتقي بالجراح وهي تزور أحد المستشفيات وتقول له «أحب التجوال في المستشفى»!) غير مستثمرة على نحو صحيح، إما لقلة المعلومات المتوافرة عنها أو لقلة الخيال.