هوليوود.. بين التاريخ والخيال

أفلام تثير علامات استفهام حول مصداقية السينما الأميركية

توم هانكس خلال اختطافه من قبل مجموعة من القراصنة (أ.ب)
TT

مع بداية عرض فيلم «كابتن فيليبس» عن قراصنة الصومال في الولايات المتحدة، عاد النقاش عن عدم التزام كثير من، وربما كل، الأفلام التاريخية، سواء أفلام التاريخ القديم، أو التاريخ الحديث، بالحقيقة. يتلخص فيلم «كابتن فيليبس» في خطف سفينة شحن أميركية بواسطة قراصنة صوماليين، في عام 2009. وخلال هذا الموسم السينمائي الجديد، ستصدر أفلام «تاريخية» أخرى، لا يتوقع أن تلتزم فيها هوليوود بالحقيقة. من بين هذه الأفلام:

أولا: «فيفث ستيت» (المؤسسة الخامسة)، عن جوليان أسانغ مؤسس موقع «ويكيليكس» الذي نشر مئات الآلاف من الوثائق الأميركية الحكومية، وهو الآن يعيش لاجئا في سفارة الإكوادور في لندن ومطلوب للعدالة في الولايات المتحدة الأميركية.

ثانيا: «وولف أوف وول ستريت» (ذئب وول ستريت، شارع المال في نيويورك)، عن غوردن بلفور، المستثمر الذي قضى 20 شهرا في السجن بسبب فضيحة تزوير أوراق مالية في أوائل التسعينات. ويمثله الممثل ليوناردو دي كابريو.

ثالثا: «مونيومنت مان» (الرجل التذكاري)، يخرجه ويقوم بدور البطولة فيه جورج كلوني. وهو عن جهود خبراء في الفنون والمتاحف لاستعادة تحف مشهورة سرقها النازيون الألمان من منازل أثرياء يهود خلال حملة الإبادة ضدهم، خلال الحرب العالمية الثانية.

رابعا: «لون سيرفايفار» (الباقي الوحيد)، عن فرقة الكوماندوز العسكرية الأميركية «سيل» التي قتلت زعيم طالبان أحمد شهيد، في عام 2005. وبطل الفيلم مارك والبيرغ.

من بين الذين لا يتوقعون أن تلتزم هذه الأفلام الجديدة بالحقيقة، توم أونيل، صاحب موقع «غولدرباي» المتخصص في التدقيق في حقائق الأفلام السينمائية. قال: «تحب هوليوود الأفلام التاريخية، لأن لها رسالة اجتماعية. لكن، تحب هوليوود النجاح والمال وجوائز الأوسكار».

في العام الماضي، أثارت أفلام مهمة نالت جوائز «أوسكار» نقاشات حول التزامها بالحقيقة. ومنها أفلام: «أرغو» و«لينكون» و«زيرو دارك 30» (عن قتل أسامة بن لادن). تركز كلها على قصص حقيقية. وواجهت كلها اتهامات موثقة بعدم التزامها بما حدث. رغم أن فيلم «أرغو» (إنقاذ رهائن أميركيين في إيران) فاز بجائزة أحسن فيلم في مهرجان «أوسكار».

الآن، في فيلم «كابتن فيليبس»، الذي يلعب دور البطولة فيه الممثل توم هانكس، مناظر كثيرة لم تحدث. واشترك هانكس في النقاش عن مصداقية الفيلم. وقال: «هذه القصص تجيب عما يمكن للناس أن يفعلوا في حالات معينة. لكنها يجب أن تقدم في نطاق قصة متكاملة. لهذا، لا بد من قرارات مهمة حول الالتزام بما حدث». وهكذا، يبدو واضحا أن هانكس لا يقسم بمصداقية الفيلم، وأنه يؤمن بخليط من الحقيقة والخيال. لكنه يميل نحو الحقيقة. غير أن الفيلم لا يتحدث عن حقيقة مهمة، وهي أن موظفين وعمالا في شركة «مايرسك» البحرية العالمية التي تملك سفينة الشحن «ألاباما»، السفينة المختطفة، رفعوا دعاوى قضائية ضد الشركة بأن الكابتن فيليبس، كابتن السفينة، تجاهل التحذيرات التي وصلت إليه بوجود قراصنة صوماليين في المنطقة، بينما كانت السفينة تبحر قبالة ساحل شرق أفريقيا. ورد فيليبس في شهادة أمام محكمة، عن طريق محاميه، بأن السفينة كانت ستتعرض للهجوم بغض النظر عن أي تحذيرات.

يستمر النظر في القضية، ويتوقع أن تطول ربما بسبب الفيلم. في الجانب الآخر ربما بسبب القضية، يتوقع أن يطول النقاش حول مصداقية الفيلم. لكن، هناك اتهامات أخرى حول مصداقية الفيلم، غير النزاع بين الكابتن وطاقم السفينة، وهي وقائع القتال بين الأميركيين والقراصنة الصوماليين، وأن القراصنة كانوا قدموا تنازلات كثيرة، ولكن ركز الفيلم على أنهم أشرار لا بد من قتلهم.

وخلال رد الممثل توم هانكس على هذه الانتقادات، تحاشى الحديث عن هذه التفاصيل، وبدا فيلسوفا أكثر منه ممثلا. وأشار إلى أنه لعب دور رائد الفضاء، جيم لوفيل، في عام 1995، في فيلم «أبولو 13». وقال إن هوليوود، عادة، تتحاشى الدقة التاريخية بهدف تقديم أفلام ناجحة. وقال، وهو يتفلسف: «لنحترم التاريخ من دون أن نفسره».

وربما أشهر نقاش حول مصداقية أفلام هوليوود كان عن فيلم «300» الذي صدر عام 2009. وهو عن المعركة التاريخية بين الحضارة اليونانية القديمة والحضارة الفارسية القديمة، عندما انهزم الفرس، قبل ميلاد المسيح. قائد أسبرتا اليوناني بدأ بثلاثمائة جندي فقط. في ذلك الوقت، كان بول كارتليدغ، أستاذ التاريخ اليوناني في جامعة كمبردج البريطانية، نصح المخرج حول طريقة نطق الأسماء اليونانية، وذلك لأنه كان كتب كثيرا عن أسبرتا والتاريخ اليوناني القديم. وبعد أن ظهر الفيلم، أثنى عليه، وقال إنه صور «ملحمة أسبرتا البطولية»، وخاصة «الدور الرئيس الذي قامت به النساء في تلك المعركة». لكنه أعرب عن تحفظات على «الميول الغربية (الخير) والميول الشرقية (الشر)»، إشارة إلى أن الفيلم قدم اليونانيين كأبطال متحضرين، وقدم الفرس كرعاع.

وفي ذلك الوقت أيضا، كتب إفرايم ليتل، أستاذ في التاريخ اليوناني القديم في جامعة تورونتو، في كندا، أن الفيلم صور الفرس كوحوش، وأن عدم التزام الفيلم بالحقيقة مشكلة أخلاقية كانت ستحير اليونانيين القدماء أنفسهم، مثلما تحير المؤرخين التاريخيين المعاصرين، مثله. وأشار إلى الأخطاء مثل أن الأسلحة الغريبة التي استعملها الفرس غير دقيقة، وأن المسحوق الكيماوي الأسود الذي استعمل في الفيلم لم يكن اخترع في ذلك الوقت، ولم يخترع إلا بعد 1000 عام. وبينما كان الفرس استخدموا الأفيال في حروبهم، ليس هناك دليل على أنهم استخدموها في غزوهم لليونان. لكن، كما قال توم هانكس، بطل الفيلم الجديد «كابتن فيلبس»: «لا بد من أساس حقيقي، وهذا تحدده دوافع المخرجين».