معرض «الحج.. الفن في رحاب الرحلة» يواكب عيد الأضحى

الإبداع قرين المناسك ورفيق المسافرين إلى الديار المقدسة

عرض لكيفية تجهيز كسوة الكعبة
TT

فيما كان الحجيج قد بدأوا يتوافدون على الديار المقدسة لأداء فريضة الحج، افتتحت قطر معرضها «الحج.. الفن في رحاب الرحلة» في «متحف الفن الإسلامي»، محتفية على طريقتها بهذه المناسبة، مقدمة لجمهور المتحف نخبة من المقتنيات الفنية النادرة التي تعرض حتى الخامس من يناير (كانون الثاني) العام المقبل.

المعرض ليس بعيدا في فكرته عن ذاك الذي أقيم في «المتحف البريطاني» العام الماضي من حيث تركيزه على الجانب الإبداعي، ووجد صدى كبيرا، لكنه مختلف عنه من نواح كثيرة.

«فرواية الحج ليست حكرا على المتحف البريطاني، ولنا طريقتنا ورؤيتنا الخاصة، وفي قطر إمكانيات كبيرة»، تقول أمينة المعرض د. منية شخاب أبو دية، شارحة أن 90 في المائة من المعروضات هي قطرية المصدر، وأغلبها يراه الجمهور للمرة الأولى، وآت من مجموعات خاصة.

قطعتان فقط استعيرتا من المعرض البريطاني، فيما تعتز أبو دية بأن المعرض هو «الأول من نوعه الذي يقام في العالم الإسلامي، ويتناول الفنون التي تتمحور حول الحج. كما أنه لا يهدف إلى التعريف بالحج، وإنما هو يساهم في رواية قصص الحجيج. فلكل حاج روايته لهذه التجربة الروحانية، ونحن نحاول نقل بعض هذه الروايات من خلال القطع الفنية».

رحلة الزائر تبدأ من باحة المتحف الخارجية، حيث تعرض صور فوتوغرافية بحجم كبير لخمسة من المصورين العرب والغربيين والآسيويين، التقطت لحجاج في أوضاع مختلفة، ثمة من يبتهل ويتضرع وهناك من يقرأ القرآن، أو ينتقل من مكان إلى آخر. وفي البهو الداخلي للمتحف عمل تركيبي تجريدي للفنان البريطاني الجنسية إدريس خان، عبارة عن مجسمات فولاذية للكعبة، كانت قد عرضت في المعرض البريطاني حول الحج الذي شهدته لندن العام الماضي.

الأعمال التشكيلية المستوحاة من مناسك الحج، قديمها وجديدها، هي جزء مهم من المعروضات، بعضها لافت للغاية مثل لوحة الفنان التشكيلي السعودي أحمد ماطر «المغنطيسية»، التي تجعل الكعبة في وسط اللوحة، أشبه بمغناطيس يجذب من حوله قطعا من الحديد المتناثر بشكل دائري متناسق ومتناغم، كناية عن قوة جذب الكعبة لملايين من المسلمين. هذا العمل المستوحى من الطواف وجد صدى كبيرا قبل أن يصل إلى هنا، ويشكل جزءا من المعرض.

144 قطعة تحكي قصص رحلات الحجيج من خلال الأغراض الشخصية للحجاج التي حملوها معهم، وصور ورسومات وأفلام فيديو ومخطوطات. وأقدم ما يمكن أن تشاهده، قرآن حجازي يعود إلى القرن السابع، ومسكوكات مكية من العصر الأموي.

يتألف المعرض من أربعة أقسام، الأول مخصص لمكة المكرمة، والثاني لرحلة الحج، والثالث للمناسك ورابع لروايات شفهية جمعت لحجاج قطريين.

يطالع الزائر مخطوطات قديمة وكتب سطرها حجاج ورحالة أوروبيون دونوا انطباعاتهم مثل «دلائل الخيرات» من الفترة العثمانية، وكتاب «خريدة العجائب وفريدة الغرائب» للمراكشي. وهناك مسكوكات استخدمها الحجاج في مشترياتهم، وفناجين صينية للقهوة، حيث كان الحجاج الخليجيون يذهبون باللؤلؤ ليقايضونه بهذه البضاعة الآتية من الصين وأصقاع الأرض.

بمقدور الزائر أن يتعرف على عدد من الكاميرات التي استخدمها أصحابها لتصوير مشاهداتهم في الديار المقدسة، ومؤشر قبلة نحاسي من الفترة الصفوية في إيران. وكذلك خرائط وشروحات تبين الطرق التي كان سلكها زوار البيت الحرام. ويتوقف الزائر عند حكاية قطار الحجاز، الذي سعت الدولة العثمانية لإنشائه عام 1900 من دمشق إلى مكة، كي يوصل الحجيج من إسطنبول وروسيا ومختلف الأرجاء المجاورة إلى مكة، لتختصر الرحلة، بفضل هذا المشروع، من أربعين يوما إلى خمسة أيام، إلا أن جزءا من هذا الخط نسف من قبل لورانس وحلفائه العرب أيام الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين.

من جميل ما في المعرض محمل أصفر مزخرف ومطرز بعناية، كان يتقدم القافلة التي تخرج إلى الحج من دمشق، فيما كان الحجاج المصريون تتقدم قوافلهم المحامل الحمراء. لكل بلد لونه وعملته أيضا، والأوراق النقدية التي يأتي بها الحجاج معروضة هي الأخرى.

يتعلم الزائر مثلا أن الحاج، بعد أدائه الفريضة أو حتى بعد أدائه العمرة، كان يحصل على شهادة لها شكل فني. هي طويلة كفرمانات السلاطين، ومزخرفة، عليها تواقيع عدة من بينها إمضاءات الشهود. وفي المعرض أكثر من شهادة، إحداها يبلغ طولها ستة أمتار من القرن الخامس عشر، وأخرى عثمانية.

في المعرض قطع جميلة من تلك المنسوجات التي حيكت بعناية، وغطت ذات يوم محراب المسجد النبوي، وأخرى كانت تغطي باب التوبة، وغيرها كانت ستارة لقبر الرسول. ستارة للكعبة أيضا معروضة هنا ومفاتيح عدة، وصالة كبيرة مستديرة من وحي الطواف، خصصت لصور وتسجيلات وحاجيات تظهر حجيجا يقومون بأداء المناسك واحدتها وراء الأخرى، فيما صوت يتردد في أرجاء الصالة «لبيك اللهم لبيك».

لوحات فنية كثيرة قديمة رسمها فنانون أوروبيون من وحي الحج، وصور فوتوغرافية التقطوها في زمن عزت فيه الصور وندرت، إلى جانب لوحات وصور حديثة جدا.

تقول عائشة الخاطر، مديرة المتحف الإسلامي: «لطالما كان هذا النوع من المعارض من اختصاص متاحف أوروبا وأميركا الشمالية، لكن متحف الفن الإسلامي في قطر يسعى جاهدا إلى تسليط الضوء على الماضي لدفع وإلهام أجيال المستقبل. إننا نؤمن بقدرة الفن على إحياء الثقافة وبث الحياة في أوصالها، ونحن على ثقة أن معرضنا قادر على تحقيق هذه المعادلة».