لبنان: جهود تربوية لتكريس عادات غذائية صحية للتلاميذ

قرار بمنع وجود الدكاكين ومراقبة المشتريات في المدارس الرسمية

تبقى «المشتريات الصناعية» المفضلة بالنسبة إلى الأطفال
TT

تكاد تكون الخضار والفاكهة عدو الأطفال الأبدي. مهما تعددت المغريات وتنوعّت تبقى «المشتريات» على اختلاف أنواعها «الحب» الأول والأخير بالنسبة إليهم. وملاعب المدارس في الفرصة الصباحية صورة مختصرة لهذا المشهد. فليس غريبا مثلا أن ترى تلميذا لا يعطي قيمة أو أي أهمية لما تتضمنه حقيبة المأكولات الخاصة به من أنواع الفاكهة التي اختارت أمّه أن «تدعمه» بها، مصوبا على كل ما يمتلئ به دكان المدرسة من «المحرمات الغذائية» التي تسمن ولا تغني من جوع. هذا الواقع الذي تبذل بعض الأمهات جهودا كبيرة لتغييره، لا يبدو، وفق ما تظهره سلوكيات الأطفال ويعبّر عنه الأهالي بحسرة، سهل التطبيق. لكن وعلى الرغم من هذه الصعوبة، خطت وزارة التربية اللبنانية خطوة متقدمة، من خلال اتخاذها قرارا بتوقيف عمل الدكاكين في المدارس الرسمية أو وضع معايير محددة للمبيعات، وذلك بهدف الحد قدر الإمكان من «التفلّت الغذائي»، وحث التلاميذ على إحضار الأطعمة الصحية من بيوتهم أو حتى تأمينها لهم في المدرسة. هذه الخطوة التي بدأ تنفيذها بداية العام الدراسي الحالي، كانت ثمرة تعاون مشترك بين وزارة التربية اللبنانية و«الجامعة الأميركية» في بيروت وشركة «نستلة»، وذلك بعد إطلاق برنامج خاص تم تطبيقه على أكثر من 4000 طالب في المدارس الرسمية والخاصة بهدف التوعية على نظام غذائي سليم.

لكن رغم النتائج الإيجابية التي أظهرتها الدراسة، بعد سنة على إطلاقها، يبدو من خلال الوقائع على الأرض أنّ الأمر يحتاج إلى المزيد من المتابعة، من دون إغفال التغيّر في سلوك التلاميذ، الذي يرتبط بشكل مباشر بتطبيق أصحاب الدكاكين لهذه المعايير وتجاوب الأهل الذين يلعبون بدورهم دورا مفصليا في هذه القضية. وهذا ما تلفت إليه، رانيا، وهي معلمة في إحدى المدارس الرسمية أوكلت إليها مهمة «الإرشاد الصحي»، قائلة في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يتم منع الدكان بشكل نهائي لكن تم إصدار تعميم جديد وزّع على من أوكل إليهم مهمة «الإرشاد الصحي»، يطلب العمل بشكل دائم ومتواصل مع أصحاب الدكاكين، وإعطاءهم تعليمات بعدم بيع «رقائق البطاطس» و«المشروبات الغازية» بشكل نهائي، كما يفترض أن تعمل صاحبة الدكان على تحضير «سندوتشات» لبيعها وتأمين بعض أنواع الخضار والفاكهة كـ«الجزر» و«الترمس» والتفاح» و«الفول» وغيرها.. ونحاول قدر الإمكان «إغراء» الأطفال بها للتخلي من كل المشتريات الصناعية الأخرى.

كذلك، فإن لـ«منى»، وهي أم لفتاتين وصبي، تجربتها الناجحة مع «الخطة الغذائية الصحية»، التي تعتمدها المدرسة الخاصة حيث يدرس أولادها، منذ سنوات عدّة. وتؤكد أنّ هذا الأمر أدّى إلى تحوّل الأولاد إلى حياة غذائية سليمة من دون الحاجة حتى إلى إعطائهم الملاحظات بشأن خياراتهم في الأطعمة، مضيفة «لا شك أنه يبقى لرقائق البطاطس أهمية بالنسبة إليهم، لكن هذه الرقابة أدّت إلى حصر تناولهم إياها بأيام العطلة فيما باتوا هم يرفضون كل أنواع المشروبات الغازية ويفضلون عليها العصائر الطازجة».

هذا التبدّل الإيجابي الذي تلمسه منى في يومياتها مع أطفالها، تشير إليه أيضا، غادة، معلمة في إحدى المدارس الخاصة في لبنان، مؤكدة على الدور المهم الذي تلعبه النشاطات التي تقام للتلاميذ ضمن البرنامج، على عاداتهم الغذائية اليومية من خلال تعليمهم كيفية تحضير أنواع سلطات الخضار، إضافة إلى توعيتهم على أهميتها الصحية وضرورة تناولها بشكل منتظم.

هذا التبدل الإيجابي عكسته كذلك نتائج برنامج «أجيال نستلة» الذي طبّق في لبنان ويعمل على تطبيقه في مرحلة لاحقة في دول عربية أخرى، وأهمها أن الصغار بين سن 9 و11 سنة، باتوا يتناولون الخضار أكثر بمرتين من السّابق وظهر تحسّن في الوعي الغذائي لديهم ثلاثة أضعاف.

وقد أظهرت هذه الدراسة التي طبقت في 30 مدرسة من بين المدارس الـ110 المشاركة في لبنان فرقا واضحا في السّلوك لناحية العادات الغذائيّة لدى 957 تلميذا خضعوا لدورات البرنامج مقارنة مع 621 تلميذا لم يخضعوا لهذه الدّورات، إذ تبيّن أنّ المعرفة لدى المجموعة الأولى ازدادت بنحو ثلاثة أضعاف وتضاعفت كفاءتها الذاتية.

وتشمل النّتائج التي توصّلت إليها الدراسة نقاطا إيجابيّة أخرى مثل انخفاض معدّل تناول رقائق التشيبس بنسبة 60 في المائة، وانخفاض معدّل شراء المشروبات الغازية بنسبة 35 في المائة، وتدنّي معدّل استهلاك المشروبات المحلاّة بنسبة 56 في المائة. كما أظهرت أنّ التّلامذة المشاركين في البرنامج يستهلكون الفاكهة والخضار مرّتين يوميا، وذلك أكثر بمرّتين من التّلامذة غير المشاركين.

وفي هذا الإطار- تقول الدكتورة نهلا حولا، عميدة كليّة الزّراعة والعلوم الغذائيّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت: «على كافة الأطراف المعنيّة بالصّحة العامّة في لبنان والمنطقة أن تضع معالجة معدّلات السّمنة المتزايدة لدى الأطفال في أعلى سلّم أولويّاتها»، مشيرة إلى أنّ الدراسات العالميّة أظهرت أنّ 30 في المائة من الأطفال مصابون بالسّمنة قبل سنّ المدرسة، و40 في المائة من التلاميذ هم من المصابين بالسّمنة، و80 في المائة من المراهقين الذين يُعانون السّمنة يُصابون بها حين يصبحون راشدين. وجدير بالذّكر أنّه خلال الأعوام الاثني عشر الماضية زاد معدّل السّمنة في لبنان لدى الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و19 سنة من 10.2 في المائة إلى 15.5 في المائة لدى الفتيان، ومن 5.4 في المائة إلى 6.9 في المائة لدى الفتيات.

وعلى الرغم من التغيرات الإيجابية الناتجة عن البرنامج، كان هناك بعض العوائق السلوكية التي تحول دون وصوله إلى أهدافه الكاملة، بحسب المتخصصة في التغذية الدّكتورة كارلا حبيب مراد مشيرة إلى أنّ هذه العقبات تشمل بشكل رئيس قلّة حركة الأطفال وعدم ممارستهم النّشاطات الرياضيّة بشكل كافٍ بسبب مشاهدة التّلفزيون والتّسلية بالألعاب الإلكترونيّة، مضيفة «لم نلاحظ تغيّرات جذريّة في أساليب الحياة فعليًا ويعود ذلك على الأرجح إلى سهولة الحصول على الوجبات الخفيفة والمأكولات غير المغذّية في المدرسة وعدم التزام الأهل دائمًا بحضور الاجتماعات التي تدعو إليها إدارة المدرسة، وبشكل عام عدم توفّر المنشآت الرياضيّة بشكل كافٍ. ومن المتوقّع أن تتحسّن هذه الأمور مع انتشار البرنامج وتوسّع الدراسات لتشمل فترات تدخّل أطول».