رحيل الكاتب محمد دكروب وهو يهزأ مما حوله

بيروت تخسر ظاهرة لن تتكرر في وسطها الثقافي

TT

عن عمر يناهز 85 عاما، رحل الناقد والكاتب اللبناني المعروف محمد دكروب، فجر أول من أمس، وهو الذي شكل مساره ظاهرة في الوسط الثقافي اللبناني، في عصاميته ومثابرته على القراءة والمتابعة. فهذا الكاتب والمناضل الشيوعي الذي ارتبط اسمه حتى أيامه الأخيرة بـمجلة «الطريق» الثقافية، كرئيس لتحريرها، لم ينه تعليمه الابتدائي، بل التحق بدكان والده صغيرا، في صور، ليبيع الياسمين والترمس والحمص وأقراص الفلافل التي كان يحملها على رأسه، ثم عمل سمكريا، قبل أن يجد طريقه إلى الكتابة، عصاميا شغوفا بالكلمة والفكرة.

محمد دكروب الكاتب والناشط، صديق المسارح وعاشق الكلمة، ستفتقده بيروت، وسيفتقده أصدقاؤه، هو الذي بقي مجتهدا عاملا «شغيلا»، كما كان يحلو له أن يقول. سيفتقده بيته الذي كان يقبع فيه خلف مكتبه الصغير تلفه الكتب من كل جهة، وتصطف خلفه وعلى جوانبه وكأنها حوائط تصل إلى السقف، بترتيب بديع، وتنظيم لافت.

في سنه المتقدمة، بقي دكروب حيويا، متفاعلا مع محيطه، مترددا على أصدقائه، مستقبلا لهم. وفي برنامج تلفزيوني سئل فيه عن الموت، قال إن الأمر لا يشغله، لذلك يستطيع أن يكون رقيقا في الكتابة. وقال أيضا: «ما عندي هاجس الموت ومن هنا تأتي الرقة. كتابتي فيها نوع من الفرح بالدنيا، أنا أحب الدنيا إلى درجة أنه إذا مت أكون قد مت فعلا، لكن الذي يؤرقني ويرعبني جديا، هو أن أمرض وأعجز وأحتاج لمساعدات الآخرين. هذا أمر يرعبني».

وكان محمد دكروب يعد توقفه عن الكتابة هو الموت بعينه، وقد كان له ما أراد.

محمد دكروب الذي التحق بالحزب الشيوعي في الخمسينات ألف كتابه الشهير حول تأسيسه حمل اسم «جذور السنديانة الحمراء»، كتب في عدة صحف ومجلات، وتوفي وهو مشغول بكتابه عن طه حسين الذي أراده مختلفا، واعدا قراءه بأربعة كتب أخرى قيد التحضير. لم يكن محمد دكروب مستعجلا، فضل أن يكون مقلا ومتقنا. بفقده تخسر الحياة الثقافية اللبنانية أحد ألمع وجوهها وأكثرها طرافة وظرفا وشبابا.