«غجر الروما» في عين العاصفة.. بعد قضية الطفلة الشقراء في اليونان

اليمين المتطرف ينتهز الفرصة ويشن حملة ضد المهاجرين في أوروبا

عائلة من «غجر الروما» في بلغاريا يتخوفون من خطف أطفالهم وهجمات اليمين المتطرف ضدهم («نيويورك تايمز»)
TT

نشأ الأطفال في أوروبا، على مدار قرون، على أساطير شعبية تبعث برسالة مثيرة للقلق.. هي أنك إذا تجولت في الغابات فسوف تتعرض للاختطاف على يد الغجر.

يبدو هذا التحذير مثل مفارقة تاريخية من فترة العصور الوسطى، بيد أن هذا المعتقد الشائع عن الغجر - أو «النور» أو «الروما» - كخاطفي أطفال تجدد في الأيام الأخيرة عندما اعتقل زوجان من غجر الروما في اليونان لإدانتهم باختطاف طفلة شقراء ذات عيون خضراء تدعى ماريا، أو «الملاك الأشقر» كما لقبتها وسائل الإعلام اليونانية.

وفي آيرلندا جرى احتجاز طفلين أشقري الشعر وأزرقي العيون هذا الأسبوع من والديهما المنتمين إلى الروما من والديهما بعد الاشتباه في خطفهما أيضا. ولكن سرعان ما أعيد الطفلان إلى عائلاتهما بعدما أثبتت فحوص الحمض النووي أن والديهما من الروما.

وفي اليونان، أكدت الشرطة يوم الجمعة أن ماريا كانت طفلة لزوجين من غجر بلغاريا. وفي هذه الأثناء تتواصل التحقيقات لمعرفة ما إذا كانت ماريا قد بيعت أو جرى تبنيها أو منحها للزوجين، حسب ادعاء الزوجين.

غجر الروما يشكون من أنه أيا كانت نتيجة التحقيقات، فإنهم يعيشون الآن حالة من الخوف من تعرض أولادهم للخطف دونما سبب سوى هويتهم الثقافية أو لون بشرتهم. ويضيف هؤلاء أن تلك الحالات قد ساعدت في تأجيج وزيادة ردود الفعل العنيفة في بعض الأحيان ضد ما يقرب 11 مليون شخص من الغجر الذين ينتشرون في أوروبا.

ويتهم السياسيون، من معسكري اليسار واليمين، غجر الروما، في عصر شهد تقليص الميزانيات وارتفاع معدلات البطالة، بأنهم رمز لمشاكل الهجرة غير الشرعية، ويثيرون نقاشات مشككة بإمكانية إدماجهم في المجتمع.

وحسب «نيويورك تايمز»، يرى ديزيديرو غيرغيلي، المدير التنفيذي للمركز الأوروبي لحقوق الغجر، ومقره العاصمة المجرية بودابست، معلقا خلال لقاء معه: «تخيل لو كان الوضع معكوسا، وكان الأطفال ذوي بشرة ملونة، بينما كانت بشرة الوالدين بيضاء. هل كان سيصار إلى أخذهم؟». وأردف غيرغيلي قائلا: «تتمثل أخطر عواقب ظاهرة الهستيريا التي نشهد اليوم في أنه يجب علينا في الوقت الحالي أن نعيش في حالة من الخوف من إمكانية انتزاع أطفالنا منا اعتمادا على وجود تصور خاطئ. لا يجوز التمييز ضد شخص ما بالاعتماد على انتمائه العرقي».

ويوضح غيرغيلي، وهو محام في مجال حقوق الإنسان ووالده من غجر الروما بينما أمه رومانية ذات بشرة بيضاء، أن الكثير من الروما، الذين وصلوا إلى أوروبا، آتون من الهند منذ قرون، والمعروفون أيضا باسم الغجر، جاءوا من عائلات مختلطة.

بالمناسبة، غيرغيلي نفسه بشرته فاتحة اللون وعيناه زرقاوان، وهو ما يدحض الرأي الشائع بأن غجر الروما أصحاب شعر أسود وبشرة داكنة اللون. وهو يشير شاكيا: «من الغريب حقا أن ينظر إلى مرتكبي الجرائم على أنهم يمثلون مجتمع غجر الروما. إن السبب في تورط أشخاص بعينهم في عمليات الاتجار بالبشر، يعود إلى الفقر المدقع وليس إلى خلفيتهم الثقافية. ومن غير المقبول تحميل المسؤولية لمجتمع الروما بأكمله».

ولكن رغم مثل هذه التحذيرات، بدأت حملة معادية لغجر الروما في الانتشار والتوسع. فأوردت وسائل الإعلام الإخبارية الصربية هذا الأسبوع خبرا عن إقدام مجموعة من حليقي الرؤوس في مدينة نوفي ساد بصربيا، على اختطاف طفل من غجر الروما من أمام منزله خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي لمجرد أن لون بشرته أفتح من بشرة والده ستيفان نيكوليك.

وفي إيطاليا، جاء رد اليمين المتطرف على الأخبار المتداولة بشأن الاشتباه في اختطاف الطفلة الشقراء ماريا هذا الأسبوع متمثلا في المطالبة بإجراء تفتيش على جميع تجمعات غجر الروما للبحث عن الأطفال المفقودين. وصرح جيانلوكا بونانو، عضو حزب «رابطة الشمال» اليميني الانفصالي في مجلس النواب الإيطالي، بأنه قدم التماسا إلى وزارة الداخلية للمطالبة بالكشف عن هوية المقيمين في المعسكر.

وذكر بونانو في مقابلة مع تلفزيون «ريبوبليكا»، عرضت على الموقع الإلكتروني لجريدة «لا ريبوبليكا» أنه «إذا حدث هذا الأمر في اليونان، فمن الممكن جدا أن يحدث هنا في إيطاليا، ربما يحدث هنا بالفعل».

كما تقول الجماعات الحقوقية إنه حتى قبل وقوع هذه الحالات، كان العنف والتخويف في تزايد ضد غجر الروما.

من جهة ثانية، أفاد «مركز روما لحقوق الإنسان» في إيطاليا بأن سيدة ألقت في وقت مبكر من الشهر الجاري الحمض على طفل يبلغ من العمر سنتين ووالدته من الروما في مدينة نابولي بجنوب البلاد. وفي المجر قتل على الأقل سبعة من الروما في الفترة بين عامي 2008 و2010. وأحصى قادة الغجر مقتل ما لا يقل عن اثني عشر شخصا منهم في هجمات مسلحة في السابق.

وفي اليونان، حيث تتبنى حركة «الفجر الذهبي» السياسية اليمينية المتشددة حملة معادية للمهاجرين، قال يانيس هاليلوبولوس، رئيس الاتحاد اليوناني لغجر الروما، إن «التغطية المتحيزة في وسائل الإعلام اليونانية والتوجه العنصري الذي تبع نقل الطفلة ماريا أعادنا مائة سنة إلى الوراء». وتابع أنه للمرة الأولى منذ سنوات يسمع الناس يصرخون «الغجر لصوص» عندما يمشي في الشارع.

ثم أشار إلى أنه لاحظ المزيد من ردود الفعل العدوانية ضد غجر الروما الذين يتسولون في الشارع، قائلا: «في بعض الأحيان يبعدونهم عن الطريق، وهو أمر لم أشاهده منذ زمن طويل».

وأوضح هاليلوبولوس أن كثيرين من الأطفال في مستوطنات الروما بشراتهم بيضاء وشعورهم شقراء وعيونهم زرقاء، وأضاف: «ما العمل؟ هل ستأخذونهم جميعا لأنهم لا يماثلون لون بشرات آبائهم؟ هذا الأمر ليس عنصريا، إنه منطق غبي!».

القصة نفسها تروى في الجمهورية التشيكية، حيث نظمت الأحزاب اليمينية المتطرفة ومؤيدوها من «النازيين الجدد» هذا العام نحو 30 مسيرة معارضة لغجر الروما، ووصل التطرف ببعض المتظاهرين إلى الهتاف «اعدموا الغجر في غرف الغاز».

وفي فرنسا أيضا أثيرت قضية الغجر وسط جدل حول الهجرة، حيث جعل حزب «الجبهة الوطنية»، اليميني المتطرف، من الغجر قضيته الرئيسة قبل الانتخابات البلدية في مارس (آذار). وحذر قادة «الجبهة» من أنه إذا سمح للرومانيين والبلغار بالسفر إلى دول «منطقة شينغن» من دون جواز سفر الاتحاد الأوروبي، فستشهد دول «المنطقة» طوفانا من المهاجرين الغجر.

وكان الرئيس فرنسوا هولاند قد تدخل هذا الشهر بعد توقيف فتاة في الخامسة عشرة من غجر الروما كانت أسرتها تعيش في فرنسا بصورة غير قانونية منذ خمس سنوات، في حافلة من قبل السلطات، وجرى ترحيلها إلى كوسوفو. ولكن بعد احتجاجات صاخبة، وافق هولاند على عودة الفتاة شريطة التخلي عن عائلتها.

وفي فرنسا أيضا، كان الغضب الشعبي تجاه الروما القصة الرئيسة لعدد أبريل (نيسان) من مجلة «باري ماتش» الواسعة الانتشار، التي نشرت في ثماني صفحات مدعمة بصور لمن وصفتهم بلصوص من غجر الروما يستهدفون بوقاحة السائحين عند آلات الصرف ومحطات المترو ومتاحف مثل اللوفر. بيد أن الروما أكدوا أنه إذا كان هناك من يرتكب الجرائم بينهم فالسبب في ذلك يعود إلى الحرمان الاقتصادي الشديد والنبذ الاجتماعي الذي سمح لأقلية من زعماء العصابات عديمي الضمير باستغلال الفقراء الذين يكافحون بشدة للعيش على هامش المجتمع.

على صعيد آخر، ترى ليفيا جاروكا (39 سنة)، وهي عالمة أنثروبولوجيا متخصصة بغجر الروما والعضوة الغجرية الوحيدة في البرلمان الأوروبي، أن سبب محنة الكثير من الغجر تعود إلى قلة فرص الحصول على التعليم والظروف الصحية الصعبة. وبالفعل، تشير تقديرات اللجنة الأوروبية، إلى تدني متوسط العمر المتوقع لرجال الروما في الاتحاد الأوروبي بعشر سنوات عن متوسط عمر الرجال في الاتحاد وهو 76 سنة.

وتشير جاروكا، التي ولدت في المجر، إلى أن الروما يشكلون جزءا كبيرا ضمن ما يقرب من 40 مليون شخص يعدون الأكثر فقرا في أوروبا.

وعودة إلى المحامي غيرغيلي، الذي عمل والده موسيقيا في مطعم للمساعدة في دفع مصاريف كلية الحقوق التي تعلم بها ابنه، فإنه يوضح أن «كثيرين من غجر الروما يخشون من ذكر هويتهم كغجر، لأنهم يخشون إن هم أعلنوا عن عرقيتهم أن يتسبب ذلك في معاناتهم، وفي أغلب الحالات التي ينجح فيها غجر الروما يفضلون تجنب الإفصاح عن هوياتهم».