الملكة رانيا العبد الله: التعليم جزء لا يتجزأ من الإصلاح السياسي والاقتصادي في العالم العربي

قالت إن مساحة الأردن صغيرة لكن همته ليست لها حدود

الملكة رانيا العبد الله: أكبر تهديد يواجه العالم العربي اليوم هو التمزق من الداخل عن طريق التفتيت أو الالتفات إلى هويات فرعية
TT

قالت الملكة رانيا العبد الله، قرينة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في مقابلة مع قناة «العربية»، إن «العالم العربي يمر بظروف استثنائية ويوجد في مفترق طرق»، مؤكدة أن الأردن يسير على نهج الملك الراحل الحسين بن طلال والقائم على التفاؤل والاعتدال، مشيرة إلى أن الملك عبد الله الثاني متمسك بهذا النهج ويسير عليه.

وردا على سؤال حول وضع الأردن في ظل ما يمر به العالم العربي، بينت الملكة رانيا أن الأردن مرت عليه أزمات، ولا يزال، وخلال هذه الأزمات أظهر الشعب الأردني روح المسؤولية وانتمائه لوطنه، مشيرة إلى أن الأردن يمثل الثبات والوضوح. وقالت إنه رغم كون «مساحته صغيرة لكن همته ليست لها حدود». وقالت الملكة رانيا إن الملك عبد الله الثاني يؤكد دوما أن عملية الإصلاح مستمرة ولن تتوقف، ومشاركة جميع مكونات وفئات المجتمع فيها مهمة. وأضافت «الإصلاح في الأردن اليوم مستمر بطريقة تدريجية ومبرمجة ومتوازنة». وعدت موقف الأردن من الإصلاح «ليس جديدا، والوعود الوهمية لم تعد مقبولة، وما نتطلع له هو الحشد وراء حلول وبرامج ومبادرات قابلة للتطبيق، وطرح بناء يكون فيه إبداع».

وقالت الملكة رانيا إن «العالم العربي لا يريد شعارات وآيديولوجيات تنقله فجأة بضعة أميال إلى الأمام، لكن المطلوب خطوات عملية صغيرة تنقلنا تدريجيا بمجملها آلاف الأميال إلى الأمام». وأضافت «عند الشعوب لا يوجد ما هو أثمن من الأمن والاستقرار، والمطلوب اليوم إعادة الاعتبار لقيمة وقدسية الحياة، والتأكيد على حرمة الدم العربي. نحن دمنا ليس رخيصا، دم أولادنا غال. وحالة الاستقطاب والاحتقان والتحريض السائدة في المشهد العربي اليوم لا تفيد أحدا وتضر الجميع».

وذكرت الملكة رانيا أن «أكبر تهديد يواجه العالم العربي اليوم هو التمزق من الداخل عن طريق التفتيت أو الالتفات إلى هويات فرعية»، وأشارت إلى أن «الديمقراطية ومن دون شك هي الحل، لكنها ليست سهلة ولا يوجد طريق مختصر لها، فهي عملية تراكمية، كل مرحلة تبنى على المرحلة التي من قبلها، ولا يمكن القفز على أي مرحلة». وأكدت الملكة رانيا على أن «بناء ديمقراطية قابلة للحياة ولها استدامة، ومتجذرة في تراثنا وتاريخنا ومبادئنا وقيمنا، هو عمل أجيال، ويأخذ وقتا». وأضافت «نريد خطوات قوية وثابتة من دون تقوقع أو تخوف أو تردد، خطوات فعلا تنقلنا إلى أفق جديد».

وردا على سؤال حول اهتمامها بالتعليم، قالت الملكة رانيا «ما يمكنه أن يحدث فرقا نوعيا في مستقبلنا كعرب هو التعليم. أنا أؤمن بأنه إذا كان هناك حل واحد جذري يعالج معظم التحديات والمشاكل التي يواجهها العالم العربي فهو التعليم.. التعليم النوعي الذي يحقق مبدأ تكافؤ الفرص رغم الظروف التي يولد فيها كل واحد». وأضافت «الفكرة، المهارة، الموهبة يجب ألا يحدها غنى أو فقر. الحق في الأمل يجب أن يكون متوفرا للجميع بغض النظر عن الواسطة أو المحسوبية أو المنصب».

وحول التعليم النوعي قالت إن «كم المعرفة في العالم يتضاعف كل خمس سنوات، ومع حلول عام 2020 سيتضاعف كل 72 يوما، وبالتالي ما يتعلمه الطفل اليوم ليس بالضروري أنه سيفيده بعد أشهر. اليوم، وبفضل التكنولوجيا، أصبحت المعلومة متوافرة وبكل سهولة، ولكن نجد أن هناك إصرارا على تلقينها». وأشارت إلى أن الشباب العربي اليوم يعيش في عالمين مختلفين، الحقيقي والافتراضي، بما يمثله الإنترنت الذي يبني شخصيته ويتفاعل من خلاله بكل حرية، وفي حال الابتعاد عنه يرجع إلى عالمه الحقيقي فيشعر بالإحباط، مؤكدة على ضرورة تجسير هذه الفجوة وتمكين الشباب بالمهارات والوسائل التي تمنحهم خيارات أكثر. وأضافت «نحن في العالم العربي نعلم أولادنا كيف يحفظون لا كيف يفكرون»، وقالت إن الدراسات تشير إلى أن التعليم المبكر هو أهم استثمار للطفل، لكن للأسف نسبة التحاق الأطفال في العالم العربي بالتعليم المبكر لا تتجاوز 20 في المائة مقارنة بالدول المتحضرة التي تصل النسبة فيها إلى 85 في المائة».

وبشأن المبادرات التعليمية التي أطلقتها، ومدى أثرها على التعليم في الأردن، قالت الملكة رانيا «أنا لا أعد تلك المبادرات شخصية مني أو إنجازا شخصيا، لكنها جزء صغير من جهد كبير بمشاركة الجميع لدعم قطاع التعليم في الأردن»، مشيرة إلى وجود الكثير من المبادرات في الأردن التي تطلق بمجهود أفراد ومجموعات ومؤسسات مجتمع مدني، وهذا يدل على إدراك واهتمام الأردنيين بالتعليم، معربة عن شكرها لجميع من دعموا العملية التعليمية في الأردن سواء من داخله أو خارجه.

وحول تقييمها لوضع التعليم في الأردن، قالت الملكة رانيا «تاريخيا الأردن معروف بكفاءة خريجيه، والحمد لله هناك دول عربية عديدة تشهد بذلك». وأضافت «استطعنا أن ننجز الكثير على الرغم من شح الموارد، وعلينا اليوم الاعتراف بأن قطاع التعليم في الأردن يواجه تحديات جسيمة متعددة، منها قلة الموارد، والازدياد الحاد والمفاجئ في عدد السكان، والناجم جزئيا عن تدفق اللاجئين، لكن الخطوة الأولى لحل أي مشكلة هي الاعتراف بوجودها، وتجنب تجاهلها أو إدارة الظهر عنها».

وحول وضع التعليم في العالم العربي، قالت الملكة رانيا «لدينا تجارب متميزة في مناطق مختلفة من العالم العربي، لكن للأسف تبقى استثناء وليست الأساس. الإنجاز في قطاع التعليم بالعالم العربي ركز أكثر على الكم وليس على النوعية»، مشددة على ضرورة التركيز على مخرجات التعليم وليس مدخلاته فقط. وقالت إن الثورة المعلوماتية واقتصاد المعرفة اليوم شكلا انقلابا على العملية التعليمية بكل جوانبها، مشيرة إلى أن آثار هذا الانقلاب «لم تصل إلى صفوفنا المدرسية».

وقالت الملكة رانيا «إن أكبر تحد في العالم العربي اليوم قد يكون جمود نظمنا التعليمية وانعدام محاكاتها لمتغيرات العصر وبالأخص لمتطلبات سوق العمل. فنحن كل سنة نرى ملايين الأطفال والشباب الخريجين من الصروح العلمية، المدارس والجامعات، ولكن كم منهم مخترع أو مبتكر أو مبدع؟». وزادت قائلة «نجد أن هناك اهتماما وإيمانا بأهمية التعليم عند الشعوب العربية، لكن هذا لم ينعكس على السياسات، والحديث المهيمن في ظل الظروف الراهنة يركز على الإصلاح السياسي والاقتصادي».

وأكدت الملكة رانيا ضرورة التركيز على التعليم كونه «جزءا لا يتجزأ من الإصلاح السياسي والاقتصادي في العالم العربي»، وقالت إن ما يحتاجه العالم العربي اليوم «هو ثورة تعليمية، وتغيير جوهري يحقق طموح كل أم وأب في توفير تعليم نوعي لأطفالهم».