برنامج إعداد القادة «موزاييك».. يفتح باب النجاح للموهوبين في العالم

أسسه الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا وتدعمه مؤسسات عربية وعالمية

الأمير تشارلز والأميرة بديعة بنت الحسن في صورة جماعية للمشاركين في قمة «موزاييك» في سبتمبر الماضي
TT

ما الذي يجمع بين مشروع أقامه طبيب أسنان في ريف باكستان لعلاج الفقراء بالمجان وبين رابطة ضباط الشرطة المسلمين في بريطانيا؟ الإجابة بسيطة، وهي برنامج إعداد القادة التابع لمؤسسة «موزاييك»، التي أسسها الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا ومقره لندن. البرنامج يهدف إلى تطوير مهارات القيادة لدى الشباب وإمدادهم بالمهارات والخبرة والمساعدة ليصبحوا أعضاء فعالين في مجتمعاتهم المختلفة. ولا يقتصر عمل البرنامج على بريطانيا، بل امتدت مظلته لتشمل عددا كبيرا من دول العالم والمنطقة العربية أيضا عن طريق خريجيها أو متدربيها في الأردن وقطر والسعودية والكويت.

برنامج «موزاييك» لإعداد القادة يستمر لمدة عام كامل، ويضم 80 مرشحا تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 35. وينطلق البرنامج بمؤتمر يضم كل المرشحين، يمرون من خلال الفترة ببرنامج تدريب مكثف وورش عمل يقدمها خبراء عالميون.

وحول البرنامج وبرامجه المختلفة وآلياته كان لـ«الشرق الأوسط» حديث مع جوناثان فريمان مدير «موزاييك» في بريطانيا. يذكر فريمان أن البرنامج الخيري أقيم بمناسبة الاحتفال بعيد ميلاد الأمير تشارلز الـ60 وأنه يحرص على خدمة القضايا التي يتبناها الأمير في جميع المؤسسات الخيرية التي أنشأها ويرعاها.

«معظم عملنا يدور في بريطانيا»، يبدأ فريمان الحديث، مضيفا: «نقدم برامج توجيهية للمدارس والسجون ولكننا أيضا ننظم برنامج القادة العالمي».

البداية كما يشير كانت في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2008. ويستكمل: «نقوم بالعمل في الأوساط المسلمة في المملكة المتحدة، ولدينا مناصرون في عدد من دول العالم، ولاحظنا عبر الحوار المتصل معهم أن القضايا التي نتعامل معها هنا مهمة أيضا على المستوى الدولي، ولهذا قررنا التوسع بأمل أن تنجح تجاربنا في معالجة تلك القضايا وأن تقدم العون لقادة المستقبل في العالم».

حاليا تمتد مظلة البرنامج إلى عدد من الدول في العالم، منها دول عربية مثل السعودية وقطر والكويت والأردن والإمارات. ويعتمد البرنامج على تعاون وزارة الخارجية والمجلس الثقافي البريطاني في تشجيع وإعلان الفعاليات الخاصة بالبرنامج، وأيضا على التعاون مع مؤسسات عربية مثل مؤسسة قطر، وفي الأردن حيث تحظى بدعم ورعاية الأميرة بديعة بنت الحسن التي تشغل منصب الرئيس المؤسس للبرنامج، إلى جانب ترؤسها هيئة جوائز «موزاييك» للمواهب. ويضيف فريمان أن البرنامج أيضا يحصل على الدعم في عدد من بلدان العالم، ويقول: «نعتمد أيضا على أفراد يدعمون رسالتنا في إندونيسيا وماليزيا وعلى شركات مثل طيران الاتحاد في أبوظبي، كل تلك الجهات تعزز برامجنا وتعلن عنها... يبدأ البرنامج بالمؤتمر العام، نحاول أن ننتقي 80 شابا وشابة يحملون صفة القيادة بين 25 و35 عاما. هذا العام قمنا باختيار أفراد من 15 بلدا، وعبر عملية اختيار مفتوحة بين 1110 متقدم».

الإعلان أو نشر المعلومات حول البرنامج يتم عبر الشركات الداعمة أو الأشخاص أو عن طريق الخريجين وأعضاء البرامج السابقة، «هي كلها أخبار تنتشر شفويا، فنحن لا نقوم بنشر إعلانات مدفوعة، نبدأ البرنامج بمؤتمر يجمع الـ80 مشتركا ونقيم لهم دورة تدريب مكثفة لمدة أسبوعين بهدف إعدادهم لتحمل المسؤولية وأيضا للتوعية ببعض القضايا التي يتبناها الأمير تشارلز مثل التغير المناخي والفقر في العالم والتواصل بين المجتمعات المختلفة. لا نحاول الإجابة عن الأسئلة ولكننا فقط نوضح لهم القضايا التي يهتم بها القادة في أي مجتمع. نريدهم بالطبع أن يصبحوا شخصيات فاعلة ناجحة ومؤثرة في مجتمعاتهم». خلال الأسبوعين يتعرف المتقدمين على بعض النماذج التي يمكن أن تمثل قدوة لهم، «نختار بعض النماذج الرائعة ليخبروا المجموعة بقصص نجاحهم الشخصية، كما نستضيف خبراء وأيضا نعمل على استكشاف مشروعات ناجحة في الواقع. على سبيل المثال أخذنا المجموعة إلى سجن بريكستون في لندن للتعرف على مشروع (باد بويز باكيري)، وهو مشروع أقامه الطاهي العالمي غوردن رامزي لتدريب السجناء على إقامة وإدارة مخبز في السجن، وذلك أيضا لتدريبهم على العمل مستقبلا في مجال تجهيز الأطعمة».

ولكن ماذا عن الاختيار؟ كيف يتم اختيار المتقدمين. يقول فريمان: «نبحث عن أشخاص لهم رصيد من النجاح ومؤهلون لنجاحات أكبر في حياتهم. من المهم أن يبدوا التزاما بقضايا مهمة، ومن المهم أيضا أن لا يكونوا قد سنحت لهم مثل هذه الفرصة من قبل. مثال على ما أقول هو أحد المتقدمين من باكستان ممن لم تتح له فرص الدعم من قبل. نحثهم على التفكير في الاستفادة من الخبرة التي يحصلون عليها المؤتمر وورش العمل».

التواصل مع الخريجين أمر هام بالنسبة لـ«موزاييك»، فيحرص القائمون عليها على متابعة كل منهم. «نتابع خطوات تقدمهم بالتواصل مع كل فرد منهم كل ثلاثة أشهر. هي طريقة لنستطيع مراقبة مراحل تطورهم ولتذكيرهم بالأهداف التي يطمحون إلى تحقيقها. نحاول تفادي مصير برامج إعداد القادة الأخرى، حيث قد تضيع التجربة كلها بعد مضي شهر بعد انتهاء البرنامج. ولهذا نحرص على إبقاء التواصل بين الخريجين سواء عن طرق المقابلات أو عن طريق الإنترنت، نعلم أن عددا منهم في منطقة الخليج والسعودية يتواصلون بشكل مباشر ويقومون بتبادل الخبرات». يضرب فريمان أيضا مثلا بأحد خريجي دورة الدوحة 2011 الذي انتخب ضمن 99 قائدا شابا في بنغلاديش، «قطع شوطا كبيرا وتلقى الدعم لبرنامجه الخيري. نتوقع الكثير له».

«التواصل أيضا يكون مع المرشدين والمعلمين الذين نتعامل معهم عبر المراحل المختلفة، أضرب لك مثالا، التقيت اليوم مع أكاديمي يعمل في مجال التعليم في الأوساط المسلمة في بريطانيا وقمت بترتيب لقاء له مع أحد خريجينا الذي يطمح لإقامة مدرسة إسلامية».

يعمل برنامج «موزاييك» لإعداد القادة بالتضامن مع عدد من المؤسسات في العالم وفي المنطقة العربية أيضا. وماذا عن السعودية؟ يقول: «تعاوننا مع صندوق المئوية في عدد من المشاريع ولكن لا توجد مؤسسة معينة تدعم عملنا في المملكة بشكل رسمي، ولهذا نعتمد على التعاون مع المجلس الثقافي البريطاني هناك. وقد تخرج من برنامجنا عدد من الشباب السعودي».

يمتاز البرنامج أيضا بسهولة التقديم له الذي يتم عبر الموقع الإلكتروني. «من يرد التقديم للبرنامج يفعل ذلك عبر الموقع، فلا وسيط هناك مباشرة، ولكن في كل بلد يكون هناك شخص يمثلنا يقوم بحضور المقابلة الشخصية التي تقام عن طريق الهاتف».

قصص النجاح التي يفخر بها البرنامج كثيرة، ولهذا يتم حاليا إعداد بنك معلومات لضمها كلها، منها عيادة أسنان مجانية أقامها أحد خريجي البرنامج في قريته بريف باكستان حيث قام بالاستعانة بعدد من أطباء الأسنان في المنطقة لإقامة العيادة لخدمة غير القادرين على تحمل تكاليف العلاج. خريج آخر قام بتبني مشروع إقامة طريق في قرية أفغانية عبر حملة لجمع المال. من قصص النجاح أيضا شركة للأعمال التطوعية في دبي. ينضم إلى القائمة رابطة ضباط الشرطة المسلمين في بريطانيا التي أقامها خريج البرنامج آسف صديقي. ويختتم فريمان حديثه بالقول: «كل تلك المشاريع تثبت أن الشباب لديهم القدرة على النجاح إذا توفر لهم الدعم والتوجيه».