«زحلة» البقاعية تنتمي إلى عضوية منظمة اليونيسكو للمدن المبدعة

موقعها السياحي ومقبلاتها اللبنانية العريقة خولاها نيل التسمية

مدينة زحلة.. لوحة طبيعية لا تتكرر
TT

يبدو أن «طاقة القدر» فتحت أخيرا على لبنان، بعد سلسلة التسميات العالمية التي فاز بها عدد من مدنها. فإضافة إلى مدينتي جبيل وبيروت اللتين حظيتا بلقبي: أجمل مدينة سياحية عربية (بالنسبة للأولى) وبين أفضل 25 مدينة في العالم (بالنسبة للثانية)، ها هي اليوم مدينة زحلة البقاعية يجري اختيارها عضوا في شبكة اليونيسكو للمدن المبدعة.

فقد أعلنت وزارة الثقافة في لبنان أن جهودها بالتعاون مع بلدية مدينة زحلة المعلقة واللجنة الوطنية لمنظمة اليونيسكو قد أسفرت عن إعلان هذه المدينة عضوا في الشبكة المذكورة.

هذه التسمية الجديدة التي أضيفت إلى مدينة الشعر أو «عروس البقاع»، كما يلقبونها، ستخولها إقامة شراكات متعددة الأطراف على الصعيد العالمي. وتسعى هذه الشبكة إلى تيسير تبادل الخبرات والمعارف والموارد بين أعضائها كوسيلة لتعزيز تنمية الصناعات الإبداعية المحلية وتقوية التعاون على المستوى العالمي، في قطاع الثقافة والإبداع، وذلك من أجل أن تتحقق التنمية المستدامة من خلال جميع هذه الأنشطة.

وكانت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونيسكو قد عينت زحلة (لبنان) وبرازافيل (جمهورية الكونغو) وكراكوفيا (بولندا) وفابريانو (إيطاليا) أعضاء جددا في شبكة اليونيسكو للمدن المبدعة. فبرازافيل اختيرت مدينة الموسيقى، أما زحلة وكراكوفيا وفابريانو فهي مدن انضمت إلى هذه الشبكة ضمن فئات المدن التي اشتهرت بفنون الطهي والأدب والحرف والفنون الشعبية على التوالي.

لماذا جرى اختيار زحلة من بين المدن اللبنانية الأخرى؟ يوضح وزير الثقافة في لبنان غابي ليون في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لأنها مدينة عريقة وتشكل تراثا بحد ذاتها فيما يخص فنون الطهي». ويضيف: «هذه الفئة هي التي اعتمدناها في الملف الذي بدأنا العمل فيه منذ أكثر من عام. وارتأينا أن نرشحها لهذه التسمية بالتعاون مع رئيس بلديتها جوزيف المعلوف عن فئة فنون الطهي والأدب». ويتابع الوزير ليون الناشط في تعريف لبنان إلى العالم: «هي معروفة بمازتها اللبنانية المميزة، فمخطئ من يعتقد أن هناك مقبلات عربية؛ إذ هناك فقط مقبلات لبنانية، ومصدرها زحلة. كما أنها أرض الشعراء والفنون الثقافية، عشقها أحمد شوقي وعمر الزعني وشكري البخاش وغيرهم، وقصدها فنانون عمالقة كأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش».

ورأى الوزير اللبناني أن مدينة زحلة هي لوحة طبيعية لا تتكرر، بدءا من معالمها وموقعها السياحي الجميل، مرورا بمآدبها في المطاعم الواقعة على ضفاف نهر البردوني (في وادي العرايش)، ووصولا إلى طقسها وطيبة أهلها. والمعروف أن زحلة تغنى بها شعراء الزجل فأطلقوا عليها اسم «دار السلام» وقالوا فيها: «زحلة يا دار السلام فيك مربى الأسود» إشارة إلى شجاعة أهلها.

كيف سيجري استثمار هذه التسمية؟ وبماذا ستعود على لبنان؟ سؤال يرد عليه الوزير ليون بحماس فيقول: «طبعا ستعود علينا بالكثير، ونحن فخورون بهذه التسميات التي تتوالى على عدد من مدننا، ونستعد لتحضير خطة واسعة نتشارك فيها مع اليونيسكو وبلدية زحلة لتبادل الخبرات والمعارف والموارد بين زحلة وباقي المدن الموجودة على هذه الشبكة العالمية التي يصل عددها إلى 38 مدينة».

أما رئيس بلدية زحلة جوزيف المعلوف العائد حديثا من المؤتمر الذي عقد لهذه المناسبة، فأكد بدوره لـ«الشرق الأوسط» أن زحلة قدمت دراسة مفصلة قامت بها شيرين يزبك عن أطباق مازتها اللبنانية التي يفوق عددها 90 طبقا مرفقة مع ملف شامل عن «عروس البقاع» إلى اليونيسكو. وبعد أن اطلعت عليها ودرستها وجدتها بالفعل تستحق التسمية. وأضاف: «هو استثمار عالمي لطالما حلم به أهالي هذه المدينة العريقة، وسيجري تطبيقه على الأرض من خلال مهرجانات ثقافية مشتركة بيننا وبين المدن الأخرى الموجودة على شبكة اليونيسكو في هذا الإطار، وسيكون المستقبل زاهرا في هذا الخصوص فيما يخص مدينة زحلة».

جان عرابي أحد أصحاب أعرق المطاعم في زحلة وبالتحديد في منطقة وادي العرايش، أشار في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذه التسمية ستصب دون شك في مصلحة أصحاب المطاعم الموجودة في زحلة. ورأى أن العاملين في هذا القطاع يلاقون شهرة منذ فترة طويلة ونالوا أهم الجوائز عن الأطباق التي يحضرونها على موائد زحلة من كبة نية وتبولة ولوبياء بالزيت وغيرها. وأضاف: «هو وسام عالمي نعلقه اليوم على صدورنا ونحن مستعدون لنشر المازة اللبنانية في باقي المدن الـ38 التي تتضمنها لائحة اليونيسكو». وقال: «مائدة الطعام الزحلاوية هي أساس تعريف اللقمة اللبنانية إلى كل العالم، فمنها استوحيت وقدمت أطباق المازة وغيرها على الموائد الأخرى». وأضاف: «إننا منذ 18 عاما نقصد فندق (بوريفاج) في سويسرا ونقدم، بناء على رغبة أصحاب الفندق المذكور، أشهر الأطباق اللبنانية ولمدة 15 يوما متوالية في بوفيه لبناني بامتياز. وصار رواد الفندق واللبنانيون والأجانب الموجودون في مدينة (لوزان) بالتحديد ينتظروننا في موعدنا من صيف كل عام ليتذوقوها».

أما أكثر المأكولات التي تلاقي انتشارا واسعا هناك، كما قال، فلا تقتصر على صنف أو اثنين، بل على كل أنواع الطعام اللبناني، كورق العنب والمعجنات والفتوش وغيرها، إضافة إلى الطبق اليومي (plat du jour) المؤلف من طبخات لبنانية معروفة كالمجدرة والكبة بالصينية ولبن امو والصيادية، وما إلى هنالك من أطباق تتضمنها لائحة المطبخ اللبناني.

والمعروف أن مدينة زحلة تقع في منطقة البقاع وترتفع 950 مترا عن سطح البحر، تكتنز أراضيها آثارات هامة وقديمة تدل على تاريخها الذي يعود إلى ما قبل 3 آلاف عام. تشتهر بواديها الذي يجري فيه نهر البردوني وبالمطاعم المتناثرة على ضفافه. تتميز زحلة ببيوتها القديمة، ذات القرميد الأحمر والقناطر. تتركز صورة زحلة المناطقية والعالمية على منتجاتها من مواد غذائية من المونة اللبنانية. تعرف بـ«عروس البقاع» وعاصمة المنتجات الزراعية الغذائية والقطب الزراعي على الصعيدين المحلي والشرق الأوسطي.