مهرجان أبوظبي السينمائي.. جوائز كثيرة واكتشافات جديدة

«تحت رمال بابل» لمحمد الدراجي يحصد جائزة أفضل فيلم عربي

لقطة ختامية على مسرح مهرجان أبوظبي السينمائي
TT

لجنة التحكيم التي غابت رئيستها الممثلة جاكي ويفر عن حضور ليلة توزيع الجوائز يوم الخميس الحادي والثلاثين من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اعتلت المنصة في آخر ساعتين من حفلة توزيع الجوائز وأعلنت أن الفيلم الفائز بجائزة أفضل فيلم عربي في مسابقة الفيلم الروائي هو «تحت رمال بابل» لمحمد الدراجي. وجاء في تبريرها: «برهافة وهمة سينمائية يجلب هذا الفيلم إلى الصدارة واحدا من أكثر الفصول القابضة والمخيفة وغير المعروفة المتصلة بحرب الخليج. مجمعة ببراعة وببناء دراماتيكي وبمناظر وثائقية وأرشيفية».

هل هناك فيلم آخر بهذه المواصفات غير الفيلم الذي يعاني، عدا رسالته الملغومة، من فقر الصورة وبهتان الألوان واضطراب ذلك «البناء» الذي وصف بالدراماتيكي؟ طبعا لا. والمخرج صعد المنصة وسط تصفيق بعض الجمهور وتذمر البعض الآخر وتسلم جائزته الثمينة وشكر وحيا. لمن يغوص عادة في كتابته النقدية ليستخرج من الفيلم مشكلاته أو ليمدح خصائصه، فإن الجائزة كانت ردا مشبعا بالصد.

ما ذهبت إليه لجنة التحكيم، التي تألفت من خمس شخصيات سينمائية بينها المخرجة والممثلة الفلسطينية هيام عباس، في تبريرها لمنح الجائزة لا يجيب على أسئلة طرحناها هنا ولا يبدو أنه اكترث بها. لكن لوحظ أن جوائزها الأخرى كانت أكثر صوابا. جائزة اللؤلؤة السوداء (عن كل أفلام مسابقة الفيلم الروائي) ذهبت إلى «لمسة خطيئة» للصيني جيا جانغجي، الذي يسرد صورا من حياة صينية حاضرة تستعرض حالات من المعاناة والنقد لتحولات اجتماعية عاصفة ولو أن السينما تبدو كما لو كانت وحدها التي تسجل ذلك.

جائزة لجنة التحكيم الخاصة ذهبت أيضا لفيلم جيد هو «بلادي حلوة.. بلادي حرة» لهينر سليم. أما جائزة أفضل مخرج عربي في هذه المسابقة فنالها مرزاق علواش عن فيلمه الأخير «السطوح». وفي حين نال الإيطالي دييغو بيريتي جائزة أفضل ممثل عن «إعادة بناء» ذهبت جائزة أفضل تمثيل نسائي إلى جودي دنش عن دورها في «فيلومينا».

كانت الحفلة بدأت في موعدها المحدد تقريبا بكلمات جيدة الكتابة والوصف لمجهود مدير المهرجان العام علي الجابري ولرعاته الرسميين كما لمنظميه وفي مقدمتهم الزميل انتشال التميمي. الحقيقة أن جهود هؤلاء جميعا لم تتوقف طوال الفترة عن تقديم حلول لأي مشكلة طارئة. لكن الأهم هو الجهد المبذول قبل موعد انطلاق المهرجان لتقديم دورة ناجحة. وفي حين أن المرء يستطيع أن يجد ثغرة هنا أو يقترح تعديلا أو تطويرا هناك، إلا أن الإيجابيات تطغى على السلبيات ومن أهمها أن الأفلام المختارة، بصرف النظر عن مستوياتها، كانت من بين أفضل ما يحتاج الهواة لمشاهدته، سواء شاهد عرضه العالمي الأول على هذه الشاشة أو سبق وأن عرض في مهرجان سابق وربما نال جائزة فيه.

ما لوحظ في الحفلة أن كثرة جوائزها أعاقت سلاستها.

لكي نوفر صورة كاملة: لدينا سبعة أقسام معظمها منقسم أيضا إلى عدة جوائز، ولكل منها لجنة تحكيمه. إلى أن يتولى أفراد من كل لجنة تحكيم قراءة نتيجة ما، وإلى أن يتم استعراض الفواصل الخطابية بين جائزة وأخرى، ثم تسليم الجوائز لمن نالها يكون الوقت مضى طويلا وإن لم يكن بطيئا. خصوصا وأن شهادات «الذكر الخاص» (أي تلك الإشارات لأفلام تميزت لكنها لم تخرج بجائزة) عوملت بنفس الطريقة التي يعامل بها الفيلم الفائز بما فيه إتاحة الكلام للمخرج لأن يقول شيئا.

الملاحظة الثانية هي أن نصف الذين فازوا كانوا قد غادروا. وهذا - على الأرجح - عائد إلى الميزانية المحددة التي فرضت على الإدارة تقليص عدد أيام الدعوات لكثيرين. فإذا بقسم كبير منهم يفوز وهو غير موجود.

هذا دلف إلى وضع غريب آخر: في ثلاث مناسبات قام السفير الأميركي بتسلم ثلاث جوائز، اثنان منها عن الفيلم الباكستاني التسجيلي «هذه الطيور تمشي» لعمر موليك وبسام طارق مما أثار التساؤل حول سبب قيام سفير دولة باستلام جائزة لفيلم من دولة أخرى.

غياب عدد ملحوظ من الفائزين يمكن معالجته على نحو بسيط: هناك أقسام وجوائز كثيرة يمكن أن تدمج فيتم اختيار جائزة «حماية الطفل» مثلا من بين الأفلام الروائية والتسجيلية المتسابقة كل في مجاله. هذا سيقلص عدد المدعوين من لجان تحكيم من دون أن يلغي جائزة مهمة كهذه.

* جوائز الفيلم التسجيلي

* على صعيد الفيلم التسجيلي، ذهب التنويه الأول لفيلم «ثورتي المسروقة» وهو فيلم يصب في صميم مسألة الحقوق الإنسانية المهدرة في إيران. والتنويه الثاني لفيلم «في الحياة الحقيقية» لبيبان كيدرون حول تأثير التكنولوجيا على الأجيال الحديثة من حيث استهلاك الأولى للثانية في عالم مزدحم بثقافة التسوق والاستهلاك.

جائزة أفضل مخرج عربي في هذا القسم نالها حمزة عوني عن «الغورت». فيلم تونسي يتابع حياة رجلين يعملان في تحميل الشاحنات بالقش أو تفريغها.

جائزة أفضل فيلم عربي تسجيلي نالها المخرج شريف القطشة عن «قيادة السيارات في القاهرة» وهو فيلم يبدأ أفضل مما ينتهي لكنه يوفر عملا محبوكا يرصد فيه كل ما له علاقة بموضوع السير في مدينة العشرين مليون.

جائزة لجنة التحكيم الخاصة هنا نالها فيلم «من هو داياني كريستال؟» فيلم جيد من مارك سيلفر حول جثة تم اكتشافها تقود المحققين (والفيلم أساسا) لمتابعة قضية المتسللين عبر الحدود المكسيكية إلى الولايات المتحدة.

أما جائزة اللؤلؤة السوداء لأفضل فيلم تسجيلي فهي تلك التي نالها الفيلم الباكستاني «هذه الطيور تمشي» معالجا بحرفة مقبولة قضية أطفال الشوارع في كراتشي.

* جوائز مسابقة «آفاق جديدة»

* هذه المسابقة خاصة بالأفلام الأولى أو الثانية لمخرجيها ونال قمتها المخرج الإيطالي أوبرتو باسوليني، الذي كان أخرج فيلمه الثاني (وهو الآن تجاوز الخمسين): «حياة ساكنة» حول موظف حكومي مسكون بهاجس الموتى.

جائزة خاصة ذهبت إلى فيلم «مواعيد عشوائية» لليفون كوغوشفيللي (جورجيا): دراما عاطفية جادة «وجيدة» عن الرجل الوحيد حين يلتقي بمن انتظر لقاءها طويلا عبر موعد غير مضروب.

عربيا استحق «قبل سقوط الثلج» لهشام زمان الجائزة التي نالها كأفضل فيلم عربي في هذه المسابقة: حكاية الشاب الكردي الذي يتسلل من شمال العراق إلى تركيا فإلى الشمال الأوروبي بحثا عن شقيقته ليقتلها انتقاما لشرف العائلة.

وجائزة لجنة التحكيم الخاصة بفيلم عربي ذهبت للمخرجة آيتن أمين عن فيلمها «فيلا 69» الذي تم تصوير معظم أحداثه داخل فيلا موفرة في المناسبة شخصيات وشرائح اجتماعية مختلفة.

الأميركي جيسي أيزنبيرغ فاز بجائزة أفضل ممثل عن «البديل» لكن جائزة أفضل ممثلة ذهبت إلى اثنين هما تلوتاما شومي عن «كيسا» وجوليا وايلدشت عن «حبني».

إذ أسدل الستار، فإن المهام لا تبتعد عن دقة ساعة البداية من جديد بهدف التحضير للدورة المقبلة. حالة فرح انتشرت تواكبها حالة ترقب.