عناق فني بين العربية والعبرية في مهرجان «الأندلسيات الأطلسية» في مدينة الصويرة المغربية

وصل محطته العاشرة.. ويحتفي بالإرث الأندلسي في غناه الفني وتسامحه الديني

إستريلا مورينتي، مغنية الفلامينغو، والفنان المغربي جلال شقارة، خلال حفل افتتاح الدورة العاشرة من «مهرجان الأندلسيات الأطلسية» بالصويرة المغربية
TT

أكد حفل افتتاح الدورة العاشرة من مهرجان «الأندلسيات الأطلسية»، الذي تنظمه «جمعية الصويرة موغادور»، بشراكة مع «مؤسسة الثقافات الثلاث للمتوسط»، والتي انطلقت فعالياتها الليلة قبل الماضية، وتستمر على مدى أربعة أيام، أن هذه التظاهرة الفنية والثقافية، التي وصلت محطتها العاشرة، وتهدف إلى إبراز أصالة موسيقى تنبع نغماتها من أعماق ذاكرة المغاربة، وتوثق أواصر علاقات تاريخية متميزة، وتميز إرثا بغناه الفني وتسامحه الديني، لا تشكل، فقط، لحظة من الأحاسيس المتقاسمة، بل فضاء متميزا وفريدا، تستطيع فيه الموسيقى أن تعبر عن نفسها، بمختلف التعابير والمضامين.

خلال ليلة الافتتاح، عاش جمهور غفير، متعطش للفن الراقي، لحظات سعادة استثنائية، عبر برمجة من ثلاثة أشطر: شطر أول تعانقت فيه اللغة العربية واللغة العبرية، من خلال تألق فنانين شباب، مسلمي ويهوديي الديانة (بنيامين بوزاكلو، ومروان حاجي، وعبير العابد، وعازف الكمان إلعاد ليفي)، على إيقاع أوركسترا عبد الكريم الرايس، بقيادة الأستاذ محمد بريول، فيما نشط الشطر الثاني كل من مغنية الفلامينغو الإسبانية المتميزة، استريلا مورينتي، والفنان المغربي جلال شقارة وفرقته، في تكريم رمزي للجذور الأندلسية المشتركة، قبل أن تنشط الشطر الثالث، بـ«دار الصويري»، مجموعتا «غانغا» و«حمادشة».

وتألق المشاركون في الشطر الأول من حفل الافتتاح في أداء قطع من الموسيقى الأندلسية، زالت خلالها الحدود بين اللغتين العربية والعبرية، دون أن يهتم الحضور لديانة أو جنسية هذا الشاب أو تلك الشابة: وحده جمال الصوت وفتنة الكلام المطروز وروعة الموسيقى المنسوجة كانت تغري الأعناق بالتمايل وتدفع الأكف للتصفيق. فيما حرك تألق استريلا مورينتي، على الخشبة، في الحضور، حنينا إلى غرناطة، وكل الأندلس كمجال جغرافي وتاريخ يختصر تمازجا بين الثقافات، تردد صداها بين أنغام ورقصات الفلامنغو.

وأعاد وصول «مهرجان الأندلسيات الأطلسية» إلى محطته العاشرة تركيز الحديث عن قيمة العمل المنجز والأهداف من تنظيم تظاهرة، ببعد ثقافي وفني، تحتفي بالتعدد والتسامح والتعايش بين الديانات والثقافات، سواء عبر مد الجسور بين فضاء جغرافي عريض يضم البحر الأبيض المتوسط، ويمتد حتى الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي، والذي يشكل الإرث الأندلسي الرابط الذي يجمع بين مكوناته، أو التشديد على أهمية الاحتفال بالذاكرة ونقل التراث ضمن ثقافة الاختلاف، والتعبير بصوت واحد عن غنى وعمق المغرب المتعدد، الذي يهتز، في انسجام، على أنغام موحدة لموسيقى بلا حدود.

وأخذا بعين الاعتبار أهداف المهرجان، والتي يبقى على رأسها «توثيق أواصر العلاقات التاريخية العربية الإسلامية اليهودية»، فإنه يحسب للتظاهرة أنها استطاعت أن تبرز نموذجا فنيا، غنيا ومتفردا ومتنوعا، في ماضيه، يمنح «مدينة الرياح» (اللقب الذي تعرف به مدينة الصويرة)، في الوقت الحاضر، فرصة استعادة واستحضار تلاقح ثقافي أثرى لحظات مهمة من تاريخ منطقة الغرب الإسلامي، أو، كما يقول إندريه أزلاي، مستشار العاهل المغربي، الملك محمد السادس، والرئيس المؤسس لـ«جمعية الصويرة موغادور»: «إنعاش الذاكرة واسترجاع نفحات حضارية مشرقة من فترات التعايش والتمازج الثقافي، بدل الصور الكارثية التي أصبحت تتصدر وسائل الإعلام».

وبالنسبة لأزولاي، فإن الأمور واضحة، تماما، حين يجري الحديث عن التعايش والتمازج الثقافي: «كلمات الحرية والعدالة والكرامة لا ينبغي أن يتمتع بها إنسان دون آخر. في الصويرة، لا نقوم بالسياسة، لكن الأمور واضحة في أذهاننا، ما نقوم به نقوم به عن وعي واقتناع وثقة في الإنسان وفي المستقبل. في نهاية المطاف، سيكون هناك سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومهمتنا، في الصويرة، من خلال ما نقوم به، أن نجعل هذا الموعد قريبا أكثر».

ولأن التعايش والتمازج والتعدد الثقافي والغنى الحضاري امتداد في التاريخ وفي الجغرافيا، فإن مضمون التحولات التي يعرفها المغرب المعاصر، لم يكن له إلا أن يجد صداه في تقديم «أندلسيات» هذه السنة، حيث أشار أزولاي إلى «الدستور الجديد للمملكة، الذي أعاد الاعتبار لكل الثقافات وكل المكونات المغربية»، حين نص على أن «المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية».

على صعيد البرمجة، اختار المنظمون احتضان المواهب الصاعدة، التي تنهل من الموسيقى العربية والعبرية، بشكل يعكس غنى وتميز وتنوع الموروث الفني المغربي، في بعده الإسلامي واليهودي، حيث راهنت دورة هذه السنة، حسب المنظمين، على أن «تكشف لنا عن مواهب فنانين مغاربة، مقبلين من هنا أو هناك، نجحوا في الترسيخ والترجمة الفنية لأرقى صفحات الطرب والمخزون الموسيقي اليهودي المغربي».

وإلى الجيل الصاعد، يعرف البرنامج مشاركة عدد من الفنانين المعروفين، الذين سيحيون أمسيات هذه التظاهرة الفنية، بينهم عبد الرحيم الصويري ومحمد بريول ومحمد أمين الأكرمي وفرانسواز أطلان واستريلا مورينتي، إضافة إلى الفنان بنيامين بوزاكلو، وعازف الكمان إيلاد ليفي، صحبة فرقة «ديالنا»، التي تضم مجموعة من الموسيقيين المغاربة والتونسيين، بطابع تقليدي عريق يدمج بين الطرب الغرناطي والشعبي، ويمزج القديم بالحديث، مع مراعاة أصالة هذا الفن، وعازف البيانو أومري مور، والمغنية نطع القيام، سيلتقون على الخشبة إلى جانب فنانين مغاربة، من نفس الجيل، أمثال مروان حاجي، وعبير العابد، ونهيلة القلعي، وزينب أفايلال.

وعلاوة على عروض ما بعد الزوال، يعيش جمهور التظاهرة، خلال فترة ما بعد منتصف الليل، لحظة فتح أبواب «دار الصويري» لاستقبال المدارس الموسيقية والطوائف الفنية بالمدينة، من قبيل «غانغا تمنار» و«حمادشة الصويرة» و«الزاوية الدرقاوية» و«الزاوية العيساوية»، فيما تتضمن «صباحيات المنتدى»، تقديما للمسار الفني للسينمائية المغربية إيزا جنيني، من خلال عرض ثلاثة من أفلامها: «مدح وثناء» و«تراتيل المطروز» و«قرع الطبول»، فضلا عن برمجة «منتدى الأندلسيات»، الذي اختير له محور «ذاكرة وتاريخ: أهمية الرابطة، أهمية المكان.. بين الذاكرة والنسيان - إيصال».