تكنولوجيا المستقبل في الفروع الرئيسة للبنوك لاستعادة الزبائن

صراف آلي يقرأ بصمات الأصابع وشاشات تفاعلية عملاقة لمواجهة مصارف الإنترنت

فرع مصرف «بي إن بي باريبا» في وسط العاصمة الفرنسية باريس (رويترز)
TT

بأعمال فنية مركبة وحوائط تفاعلية وبواب آلي تستقبل الفروع الرئيسية للمصارف الكبرى في العالم عملاءها الآن بعد أن كان أقصى مظاهر الأناقة البوابات الحديدية وأصص النباتات.

ولمنافسة المصارف التي لا تعمل إلا عبر الإنترنت واستقطاب جيل جديد من العملاء إلى فروعها تلجأ البنوك إلى التصاميم الداخلية الأنيقة والتجهيزات عالية التكنولوجيا.

وفي ضاحية فيليزي الباريسية تعرض شركة «وينكور نيكسدورف لتكنولوجيا الخدمات المالية» أجهزة صراف آلي تقرأ بصمات الأصابع ومكاتب بشاشات تعمل باللمس للاطلاع على السجلات المالية ووحدات لمؤتمرات الفيديو تستخدم للحصول على مشورة الخبراء.

يقول ستيف بوساباتا مدير وحدة خدمات المصارف الفرنسية في «وينكور»: «تستثمر المصارف استثمارا كبيرا في أفرعها لخدمات الأفراد.. يريدون أن يستعيدوا الزبائن».

والسبب في ذلك واضح.. فبعد سنوات من الاعتماد على الفروع في إيرادات أعمال التجزئة المصرفية تتوقع المصارف الأوروبية ألا تسهم مثل تلك الشبكات بأكثر من 62 في المائة من المبيعات بحلول عام 2020 مقارنة بمتوسط حالي يبلغ 81 في المائة بحسب مؤسسة «أكوينوكس» الاستشارية.

وتتعرض المصارف، ولا سيما تلك التي ما زالت تعاني خسائر الأزمة المالية، لضغوط لخفض التكاليف وتحاول تعويض أثر الحاجة إلى تقليص شبكات الفروع عن طريق تطوير بعض المنافذ المنتقاة.

لكن الفروع تظل أول نقطة اتصال لكثير من العملاء، وما زالت الموقع الرئيسي لبيع منتجات مثل الرهون العقارية وفتح الحسابات الجديدة والتأمين، وهو ما يبرز أهمية تطويرها كي تتعامل مع جيل بارع في استخدام التكنولوجيا.

وتكمن الصعوبة في تحديد ما يجب أن يبقى في أفرع المستقبل وما يجب التخلص منه.

يقول مايك باكستر مدير «بينز أميركاز فايننشيال سرفيسز للاستشارات الإدارية»: «هل كل ما نراه في فروع اليوم سنراه في فروع الغد؟ أشك كثيرا في هذا.. هناك اختبارات كثيرة جدا لأشياء يثبت فشلها أو عدم جدواها من الناحية الاقتصادية».

وافتتحت بالفعل أفرع براقة «لبنوك المستقبل» التي تمزج الأجهزة الإلكترونية بتصاميم على غرار متاجر «أبل» ذات الطابع البسيط من قبل «بي إن بي باريبا» في باريس و«باركليز» في لندن و«دويتشه بنك» في برلين بتكلفة تقدر بخمسة مليارات يورو (سبعة مليارات دولار) لكل منها.

وتضم تلك الفروع قاعات فسيحة وشاشات تفاعلية عملاقة ولمسات أخرى مثل حقائب يد للبيع وقطع فنية.

لكن من الصعب قياس نجاحها. ورحب «بي إن بي» بتقديم بيانات عن فرعه الرئيسي المطور قرب أوبرا باريس، الذي زود قبل ثلاث سنوات بحائط مغطى بالنباتات وأجهزة «آي باد» كي يستخدمها العملاء، ومنضدة بشاشة تعمل باللمس، وقال إن الإقبال زاد 40 في المائة والعملاء الجدد 25 في المائة.

وقال «أوني كريديت» الإيطالي إن الإقبال والأعمال الجديدة زادت في فرعه الرئيسي المطور حديثا بالعاصمة البلغارية صوفيا الذي يستقبل العملاء بالروائح العطرية والمزود بحائط تغطيه شاشة تعمل باللمس. وقال متحدث إن زيارات الفرع زادت 60 في المائة في المتوسط بينما نمت القروض والودائع لمثليها.

من ناحية أخرى تخلى «بي إن بي» عن بعض الأفكار التي لم تلق قبولا من الزبائن، فاستغنى عن أجهزة «آي باد» والمنضدة المزودة بشاشة تعمل باللمس بينما أبقى على الحائط التفاعلي.

ورفض «دويتشه بنك» و«باركليز» تقديم بيانات عن أفرع منفردة.

وبشكل أوسع يرى نحو 88 في المائة من المسؤولين التنفيذيين للمصارف، في مسح أجرته «أكوينوكس»، أن فروعهم الرئيسية في المناطق المهمة «ناجحة» في التعريف بالعلامة التجارية. وهناك تجارب أكثر جرأة خارج أوروبا.

ففي كوريا الجنوبية حيث ازدهرت الأنشطة المصرفية عبر الأجهزة المحمولة بشكل أسرع من الغرب يسمح مصرف «هانا» لمستخدمي تلك الأجهزة بتحويل الأموال فيما بينهم عن طريق «التلامس» بين الهاتفين. وأنشأ بنك شينهان أفرعا عبارة عن أكشاك «ذكية» تعمل من دون موظفين وتتواصل عبر الهاتف.

ويستخدم مصرف الكومنولث الأسترالي برنامجا للأجهزة المحمولة لتنشيط مبيعات الرهون العقارية عن طريق تزويد العملاء بالمعلومات عن المنازل المعروضة للبيع، في حين تجري وحدة كومباس الأميركية التابعة لمصرف «بي بي في إيه» اختبارات على أجهزة صراف آلي يمكن استخدامها من داخل السيارة مع إمكانية التواصل بتكنولوجيا مؤتمرات الفيديو.

وقريبا سيجد عملاء فرع مصرف «كارولينا بريميير» في العاصمة الأميركية واشنطن أنفسهم وجها لوجه مع روبوت سيرحب بالزائرين اعتبارا من 15 نوفمبر (تشرين الثاني).

ورغم أن بعض تلك التطورات قد يثبت أنها متكلفة أو غير عملية، فالعمل المصرفي عن بعد باستخدام مؤتمرات الفيديو يعد طريقة لتقليل أعداد الموظفين بالفروع من دون الإضرار بمستوى الخدمة، وإن كان العملاء ما زالوا يفضلون توافر اتصال طبيعي مباشر عند نقطة ما.

وقال ديرك فاتر مدير أنشطة التجزئة المصرفية العالمية في «بينز»: «متخصصو الرهن العقاري يجلسون في المقر الرئيسي ويتصلون بمدير العلاقات عن طريق الفيديو.. هذا حل ناجح. لكن في علاقة المصرف مع العملاء لم يحدث بعد أن يجلس الناس على الأريكة ويستخدمون (سكايب) و(فيس تايم). سيحدث هذا في نهاية المطاف... لكن ليس الآن».

وأضاف أن تطوير وظائف الصراف الآلي على النحو الذي يفعله «سيتي بنك آسيا» وزيادة استخدام أجهزة القراءة البيومترية من بين التطبيقات الواعدة أيضا.

ويقول الاستشاريون أن التخلص من الفروع بالكامل ليس مطروحا في الوقت الحالي.

والنموذج المفضل هو نموذج «محور العجلة» الذي يركز الموارد في المناطق الحضرية ويقلص الفروع الريفية الصغيرة.

وقد يفضي هذا إلى مزيد من المنافذ الرئيسية الطموحة، لكنه يخلق فجوات يمكن لمنافسين جدد أن يملأوها، مثل «نيكل» الفرنسية التي تعرض فتح حسابات جارية منخفضة التكلفة وتنشئ شبكة أفرع من خلال متاجر بيع التبغ في أنحاء البلاد البالغ عددها 27 ألفا.

وكتبت إرنست أند يونغ في تقرير لعام 2012: «حتى في الأسواق المتقدمة هناك نوع من المبالغة في الحديث عن موت الفروع. سنرى مزيدا من التطور في الفروع من شيء يبدو مثل مكتب حكومي محلي.. إلى شيء يجمع بين خصائص المقهى ومتجر التكنولوجيا».