«ما زلت أسأل نفسي أسئلة كثيرة وأتعلم من جيل الشباب»

رحلة عمر مع جاكلين بيسيت:

.. وكما بدت في «بوليت» أمام ستيف ماكوين
TT

«الغد يبدأ اليوم»، تقول جاكلين بيسيت لستيف ماكوين وهما يبحثان مستقبلهما: هو تحر منصرف لعمله الخطر وهي تطلب الاستقرار. والاتفاق في النهاية على الانفصال.. لكن مهلا! ها هو يعود في المشهد الختامي إلى منزله ليجدها تنتظره.

الفيلم هو «بوليت» والسنة هي 1968 عندما كانت الممثلة جاكلين بيسيت ممثلة شابة في الرابعة والعشرين من عمرها. بريطانية الولادة اشتغلت في مطلع عهدها مع مخرجين شكلوا التيار السينمائي الجديد في بريطانيا، أو ما عرف بـ«موجة السينما البريطانية الجديدة». من هؤلاء رتشارد لستر الذي قدمها «المهارة وكيف تحصل عليها» The Knack .. and How to Get it سنة 1965 ورومان بولانسكي في «كول دي ساك» (1966) وكن هيوز «وداعا يا حبيبتي» (1966 أيضا).

بعد ذلك بعام واحد وجدت نفسها في هوليوود مطلوبة لتؤدي دورا أمام فرانك سيناترا ولي ريميك في «التحري» لغوردون دوغلاس. لم يكن الدور كبيرا لكنه كان تمهيدا لدورها في «بوليت» للبريطاني بيتر ياتس الذي صنعه لحساب هوليوود وكان الأول في تيار من أفلام تحتوي على مشاهد واقعية لمطاردات سيّارات خطرة في الشوارع الأميركية.

ما يعنيها لم يكن هذه المشاهد، فهي رجالية أو كما تقول في حديثها لنا:

«طبعا كنت سعيدة بهذه الفرصة أمام ستيف ماكوين لكن دوري اقتصر على أن أكون الفتاة التي يحب والتي تخشى عليه من القتل بعدما شاهدته في عمله».

بعد ذلك هي أيضا في «مطار» و«الجراد» و«اللص الذي جاء للعشاء» وعادت لأوروبا لتمثيل «ليل أميركي» لفرنسوا تروفو و«لو مانيفيك» لفيليب دو بروكا (كلاهما سنة 1973) ثم بقيت في أوروبا للاشتراك في واحد من تلك الأفلام التي تحوي نجوما يشتركون في البطولة وهو «جريمة على قطار الشرق السريع» Murder on the Orient Express إلى جانب ألبرت فيني ولورين باكول وانغريد برغمن تحت إدارة سيدني لوميت.

عادت إلى هوليوود سنة 1976 لتقوم ببطولة «سانت أيفز» أمام تشارلز برونسون و«العمق» لبيتر ياتس.

عندما نضجت سنا وجدت ما يناسبها في «ثرية ومشهورة» (1981) و«تحت البركان» (1984). هذا الفارق بين العملين تكرر حدوثه وازداد مع تجاوزها الخمسين. لكن الأعمال التلفزيونية لم تتركها وحيدة. في التسعينات من القرن الماضي عرفت ما لا يقل عن خمسة عشر فيلما أو مسلسلا تلفزيونيا. ومثل هذا العدد في السنوات العشر الأولى من هذه الألفية.

وحاليا هي في أربع حلقات من مسلسل درامي بعنوان «الرقص على الحافة» لكن لديها عودة إلى الشاشة الكبيرة عبر فيلم أميركي/ فرنسي مشترك عنوانه «مرحبا في نيويورك» إخراج أبل فيرارا وبطولتها لجانب جيرار ديبارديو وماري دي أنجليس وناتاشا رومانوفا.

* الحلقة التي شاهدتها من «الرقص على الحافة» تكشف عن موضوع يتعلق بفرقة جاز. هل تحبين النوع؟

- أول علاقة غرامية لي كانت مع موسيقى مايلز ديفيز. الجاز لا يزال واحدا من أكثر ما أحب سماعه إلى اليوم منذ أن كنت فتاة صغيرة. خصوصا ألحان وعزف مايلز ديفيز. ذات مرة كنت في حفلة فإذا به يتقدّم مني ويقول لي حرفيا: «أنت ممثلتي المفضّلة. ممثلتي البيضاء المفضّلة». ذهلت لأنه كان عازفي المفضل.

* ماذا قصد بممثلتي البيضاء؟

- تماما ما قاله. ذهلت لأنه كان بصحبة سيدة سوداء بالغة الجمال وهي نظرت لي بود كبير.

* في المسلسل تؤدين دور امرأة أرستقراطية في أحداث تعود إلى الثلاثينات. هل لديك رابط ما حيال تلك الفترة؟

- ربما. أعتقد أننا نفتقد إلى بعض ما تعنيه تلك الفترة من حياة الأمس. لم أكن ولدت بعد لكني أستطيع تخيل نفسي سعيدة في تلك الفترة وهذا لا يعني مطلقا أنني لم أكن سعيدة في حياتي أو أنني أفتقد الأمس تماما. من ناحية أخرى، امتلاك منزل كبير كالذي شاهدته في تلك الحلقة وحولي الخدم والعمال كان سيتعبني جدّا لأني مهووسة بالتنظيف (تضحك).

* تحدّثت عن علاقتك بالجاز.. ماذا عن علاقتك بالرقص؟

- كان طموحي الأول هو أن أمارس الرقص على المسرح. لكن أحيانا يتبع المرء طموحات أخرى تبتعد به عن طموحه الأول. يتورط المرء في مسائل أخرى يوليها حرصه وعنايته وتبعده عما رغب به في الأساس.

* لماذا أردت أن تكوني راقصة؟

- والدتي كانت تحب رقص الباليه وهي علمتني. هي من جيل راقصي باليه من بينهم الأميرة تروبتزكي وأنطوني دولين. تعلمت الرقص في باريس وأرادت أن تحترفه لكن والدها منعها وقال: «ليس من تقاليد العائلة». لذلك وجهتني ورغبت مني أن أتعلم واحترف ما لم تستطع ممارسته بسبب التقاليد التي كانت تعتبر رقص الباليه مهنة غير مناسبة.

* «بوليت» هو واحد من أفضل الأفلام البوليسية لدي. ستيف ماكوين كان نجما كبيرا آنذاك ولديه نمطه الطبيعي من التمثيل. كيف كان لقاؤكما؟

- لا أستطيع أن أقول إنني عرفته تماما. كان متوترا دائما ومنفعلا. لم يكن غاضبا لكنه بدا لي مشتتا. ولم أفهم الكثير من كلامه لي أو في الجلسات العامة لأنه كان يستخدم عبارات أميركية شعبية كثيرة كانت كلها جديدة عليّ. على الرغم من أن الفيلم مهم بين أعمالي في تلك المرحلة، فإنني لم أستطع فهم ما يدور ولم أجرؤ على السؤال. لم أفهم مثلا عبارة Soul Chick التي سمعتها تتكرر حين الحديث عني (تضحك). لكن الفيلم لا يزال شابا وستيف ماكوين يعود إلى الواجهة اليوم ولا أعتقد أنه كان يحظى بالاهتمام الذي يستحقه آنذاك.

* كنت جديرة بالإعجاب حينها وما زلت لليوم..

- أوه. لطيف منك. شكرا.

* فيلم آخر لك من تلك الفترة هو «لو مونيفيك» أمام جان – بول بلموندو.. هل ما زلت تلتقين هذا الممثل؟

- آخر مرة قبل عام ونصف عندما كنت في هوليوود ودعيت إلى حفلة غداء في القنصلية الفرنسية وكان هناك مع جوني هاليداي. «لو مونيفيك».. هذا كان فيلما صعبا علي لأني لم أكن أجيد الفرنسية آنذاك وكان علي أن ألعب دورين فرنسيين.. دور من نوعية «فتيات جيمس بوند» ودور طالبة شابّة.

* ماذا عن الشهرة والمال.. ماذا يعنيان لك؟

- من الجميل أن يكون المرء مشهورا لكنه يتبع العمل الجيّد. من المفترض أن يؤدي الإخلاص للعمل والتفاني فيه إلى تقدير واسع. الاختيارات في بعض الأحيان تكون كثيرة، وإذا لم تحسن الاختيار فالغالب أنك لن تبقى طويلا في البال. بالنسبة لي لا بد أن أقول إن اختياراتي من الأفلام كانت خصوصية. أقصد أن معظم ما مثلته لم يكن من الأفلام التجارية لذلك لم أجن الكثير من المال. بحثت عن القيمة، والعادة جرت أن الفيلم الموجه للجمهور السائد ليس هو الفيلم الذي يعني أو يختزن قيمة فنية وأنا فضلت النوعية لدرجة أن وكيل أعمالي قال لي ذات مرّة: «من الصعب حثك على العمل»، قلت له إنني أحب العمل لكني أريد أن أمثل ما أراه مناسبا لي. أعتقد أن طريقتي كانت صحيحة. نعم لم أحقق الكثير من المال، لكني أعتقد أنني معروفة بما فيه الكفاية. أشعر بالأسف لمن عليه أن يتحمل عبء النجومية. أن يتعامل مع المصوّرين والصحافيين الذين يتابعونه في كل خطوة. لم أحظ بذلك ولم أرده في حياتي.

* هل تعتبرين نفسك الآن أكثر حكمة؟

- لا. لا أزال أتعلم الأمور نفسها مرّة أخرى. لحين اعتقدت أنني أصبحت أكثر حكمة لكن ذلك لم يكن صحيحا (تضحك). ما زلت أكتشف. ما زلت أسأل نفسي أسئلة كثيرة وما زلت أتعلم من جيل الشباب. لكني دائما كنت عاقلة وحكيمة وأهتم بنفسي. لم أكن متهورة. لكني بالتأكيد لم أعتبر نفسي عرفت كل شيء وأن باب العلم موصد لأني تجاوزت سنا معينة.

* هل هناك ما تشعرين أنه فاتك خلال مهنتك؟ هل كان هناك ما تريدين الوصول إليه ولم يتحقق؟

- جلست ذات مرّة أرقب فيلم «الليل» (للإيطالي مايكلأنجلو أنطونيوني) وشاهدت جين مورو وطريقة مشيها في مشهد من الفيلم المشبعة بشخصية قوية لافتة. شاهدت ممثلات كثيرات يتألقن بأدوار منحتهن تميزا واختلافا لأن الشخصيات مكتوبة بعمق ولأن المخرجين كانوا من المبدعين. هذا ما لا أعتقد أني حظيت به كثيرا وكنت أتمناه لنفسي.

* مثلت في هوليوود ومثلت في بريطانيا وأوروبا، هل عرّضك ذلك لشعور بعدم الانتماء؟

- لا. لكن لو كان لي أن أعيش حياتي من جديد لاخترت أن أبقى في لندن لأنه خلال فرص عملي في هوليوود فاتتني فرص لأفلام كثيرة في لندن. ربما لو فعلت لحققت مزيدا مما كنت أطمح لتحقيقه بادئ ذي بدء.