رسائل جبران خليل جبران إلى حبيبته «المجهولة»

بحث يبين أن الغرض منها هو إشعار الموسيقية غرترود باري بالذنب

رسم شخصي لجبران خليل جبران يعود إلى عام 1911
TT

الكتاب الجديد للبناني سليم مجاعص يتضمن عددا من رسائل الحب التي بعث بها جبران خليل جبران إلى الأميركية الآيرلندية الأصل غرترود باري. وتوصل في «مجهولة جبران.. حب ورسائل خليل جبران وغرترود باري» إلى استنتاجات ووقائع، منها أن جبران تعمد في رسائله جعل غرترود تشعر بالذنب تجاهه، وأنه أيضا لم يعلن رسائلها إليه، ولهذا فقد ظلت وجهات نظرها في أمور كثيرة غير معروفة، كما أنه حجب معظم رسائل حبيباته إليه لنفس الأسباب. خليل جبران هو الاسم الذي عرف به جبران خليل جبران بالإنجليزية في أميركا.

احتوى الكتاب على بضع صور لغرترود باري وعلى صور عن الرسائل التي كتبها إليها جبران باللغة الإنجليزية. وكذلك حمل الكتاب نصوصا بالعربية لرسائل بعثت بها غرترود باري إلى الأديب اللبناني سليم سركيس الذي كان مقيما في القاهرة، والتي ترجمها إلى العربية ونشرها في مجلة «سركيس» التي كان يصدرها.

الرسائل التي نشرت في كتاب سليم مجاعص تلقي ضوءا على علاقة باري بجبران وتشير إلى نوع من الحب يبدو أن سليم سركيس نفسه كان يكنه لها.

ورد الكتاب في نحو 205 صفحات كبيرة القطع بينها نحو 35 صفحة حملت صور الرسائل التي بعث بها جبران بخطه إليها، ونشرت هذه الرسائل مطبوعة، وصدر الكتاب عن دار «كتب» للنشر في بيروت.

قال سليم مجاعص في مقدمة الكتاب «إذا نظرنا في خصال ومزايا النسوة اللواتي أحبهن جيران أو اللواتي عشقنه وجدنا بينهن الشاعرة جوزفين بيبودي والمفكرة المربية ماري هاسكل والكاتبة شارلوت تلر والمربية المدرسة ميشلين. جميعهن في نطاق الأدب بشكل أو بآخر وجلهن معروفات في سيره العامة المتوفرة. وهناك إلى جانبهن موسيقية واحدة تفترق عنهن بفنها كما تفترق عنهن بقلة ما يعرف عنها وهي عازفة البيانو غرترود باري.

«لقد كتب القليل عن دور غرترود باري في حياة خليل جبران العاطفية رغم أن المرحلة العشقية من علاقتهما امتدت على ما يوازي السنتين، ومرحلة الصداقة الشعورية استمرت لأكثر من عقد من السنين».

«والإشارة العلنية الوحيدة إلى هذه العلاقة في حياة جبران كانت في نص رسالة من غرترود باري إلى سليم سركيس نشرها مترجمة هذا الأخير في مجلة سركيس الصادرة في مصر. كما أن حيثيات هذه العلاقة كانت معروفة لسركيس ولأسعد رستم مجاعص الذي قابل غرترود بطلب من سركيس».

وأضاف «إن الإشارة العابرة في مجلة قديمة لم تكن كافية لتنبيه كتّاب سيرة جبران إلى هذه العلاقة حتى ظهور ملحق أدرجه نسيب لجبران خليل جبران، واسمه مثل اسم الأخير خليل جبران، وزوجته جين في الطبعة الثانية من كتابهما حول سيرة جبران الصادر سنة 1978 ويتحدثان في ذلك الملحق عن ظروف اطلاعهما على حيثيات تلك العلاقة بعد صدور الطبعة الأولى من كتابهما واتصال قريبة لغرترود باري بهما وعرضها عليهما مجموعة رسائل جبران لباري التي تفوق الخمسين، لكنهما أعرضا عن التفصيل أو التحليل رغم اعتبارهما أن رسائل جبران إلى غرترود باري هي من أكثر رسائله تعبيرا ووضوحا عن عواطفه الحميمة».

وقال الباحث في مكان آخر، كما جاء في التقديم للكتاب في وكالة «رويترز» أمس، إن هذه الفتاة الموسيقية الشابة بقيت بالنسبة إلى من تناول سيرة جبران كأنها «ليست سوى محطة جنسية على طريق» حياته. أما وقد «أصبحت رسائل جبران إلى باري متوفرة عبر ملف جبران في محفوظات متحف (سميّا) في المكسيك فقد حان الأوان والفرصة لتقديم عرض شامل ومفصل لحيثيات هذه العلاقة وتوضيح صورتها وماهيتها وتاريخها لأول مرة».

وزاد على ذلك قوله «وهناك أمر إضافي لا بد من الإضاءة عليه وهو دور سليم سركيس في هذه العلاقة فقد لمح الجبرانان إلى دوره باختصار شديد لكن عودة إلى أعداد مجلة سركيس سمحت لنا بالحصول على عدد لا يستهان به من رسائل غرترود إلى سركيس مترجمة بقلمه إلى العربية.. وهذه الناحية الفريدة لبحثنا هامة جدا لأنها تسمح لنا بسماع صوت غرترود لأن الوثائق في محفوظات متحف سميا في المكسيك خالية من أي نص بقلم غرترود وتقتصر على صوت جبران في رسائله إليها وصوت سركيس ثم لاحقا صوت ابنه في رسائلهما إليها لكنها خالية من صوت غرترود».

«أما ترجمات رسائلها على صفحات مجلة سركيس وهي توازي الثماني عشرة عدا فإنها تسمح لنا بتدبر موقفها بقلمها وليس عبر انعكاساته في أقوال ومواقف الآخرين.. وعلى الرغم من أن هذه الرسائل لا تتناول علاقتها مع جبران إلا جانبيا فإنها تفيدنا في تفهم جوانب هامة من نفسية هذه المرأة».

وقال: لقد كان فقدان صوت المرأة في مراسلات جبران من العوامل المانعة لتدبر تفاصيل علاقاته بكل أبعادها وتشابكاتها «ما عدا بالطبع صوت ماري هاسكل لتوفر رسائلها إلى جبران ومدوناتها» وهذا أمر من المشكلات التي واجهتنا في عملنا على علاقة جبران بجوزفين بيبودي إذ لم نتمكن من التحقق إلا من عدد قليل جدا من رسائلها إلى جبران.

«فإذا تدبرنا رسائل جبران إلى غرترود ورسائل سركيس إليها ورسائلها إلى هذا الأخير كانت بين أيدينا مادة وثائقية هامة تسمح بتحديد ملامح علاقة جبران بباري وظروف نشوء هذه العلاقة ومراحل تطورها وتحولاتها كما تمكننا من النفوذ قليلا إلى شخصية هذه المرأة التي عشقها جبران كما يصرح وعشقها سركيس كما نستنتج، وأعجب بها شبلي الشميل وغيرهم في مصر كما يخبرنا سركيس».

وفي فصل حمل عنوان «غرترود باري وجبران» قال سليم مجاعص أن المرجح حسب رسالة لسركيس أن يكون جبران قد قابل باري لأول مرة حوالي سنة 1905. وأول رسالة بعث بها جبران إليها كانت سنة 1906.

كان جبران يكتب جوابا عاطفيا كلما تسلم باقة زهور من غرترود وبعد تسلمه باقة بمناسبة عيد ميلاده كتب إليها في يناير (كانون الثاني) 1908 يقول «أنت غرترود حبيبتي مثل الأميرة في الحكاية الفارسية القديمة تأخذين شكل زهرة جميلة وتأتين لملء فراغ هذه الغرفة بالعطور والأرواح الموشومة. وهل يكون قبري محظوظا مثل غرفتي».

وقال إن غرترود كانت تسعى إلى «سعف جبران عاطفيا» لكن جبران «وهو أبدا الكتوم حول دواخل نفسه يرفض أن يفتح قلبه لحبيبته متذرعا بحمايتها من الحزن وهذا موقف غريب الغرض منه ليس فقط رفض المصارحة بل تحويل السبب إلى أداة لإثارة شعور بالذنب لدى الحبيبة بتعظيم صورة الأسى.. وقد يكون هذه الكلام رغم جماله الأدبي قبيحا من الناحية المعنوية» فهو يقول أيضا في رسالة عام 1907 «لا غرترود حبيبتي لا ترغبي في رؤية نفسي عارية سوف يحزنك المشهد وسوف يجعلك تبكين بمرارة وسوف يجعل الحياة أقل جمالا في عينيك».

ويتساءل الكاتب عن «مبررات هذا الجدار الذي يقيمه جبران بين مكنونات ذاته وبين حبيبته هل هو جدار مصطنع الغرض من تعظيم صورة الأسى الذي يعانيه» أم هو رد فعل على خيبات سابقة في الحب.