الواحات المصرية تتأهب لعودة السياحة

قرى طينية وخدمات عصرية وأجواء فخامة

بائعة منتجات بيئية في قرية القصر التاريخية بمحافظة الوادي الجديد غرب مصر («الشرق الأوسط»)
TT

ستائر مسدلة، تتحرك برخاوة تحت النسيم. وهي مصنوعة من خيوط الخيش، لكنها مطعمه بمواد تجعلها تتناسب مع أجواء الفخامة التي تليق بالمغامرين والنجوم والأثرياء. هنا حيث الصحراء المصرية الواسعة وعيون المياه ورؤوس النخيل والصمت.

ويحاول صناع الخامات البيئية، التي تتناسب مع الفخامة، استئناف الأعمال التي تعطلت بفعل الاضطرابات التي تشهدها مصر منذ مطلع عام 2011. وكانت صناعة المنتجعات المبنية من الطين والخامات المحلية في الواحات المنتشرة غرب البلاد قد بدأت في الانتعاش حتى نهاية عام 2010. إلا أن الصراع السياسي أصاب هذا القطاع بالشلل، خاصة بعد عزوف السياح الغربيين العاديين عن السفر لمصر، فما بالك بالسياح والمغامرين المحبين لأجواء الصحراء من كبار المشاهير، من فنانين وأدباء ورسامين ومصممي ملابس وغيرهم من الذواقة.

وبدأ بالفعل وصول بعض السياح الغربيين من المهتمين بالاحتفال بالذكرى السنوية للمستكشف المصري أحمد حسنين باشا، الذي اكتشف واحة العوينات جنوب غربي مصر، في مثل هذه الأيام من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) قبل تسعين عاما، كما وصل آخرون من المولعين بحياة الصحراء واقتناء الصناعات اليدوية من نسيج الصوف وجريد النخيل والنحت على الحصى.

ويقول محمد زاهر، المسؤول عن واحدة من المنتجعات الصحراوية المبنية بالطين، وسط صحراء مصر الغربية، إن جميع قطع الأثاث، بداية من خشب النوافذ والستائر والأبواب والأسقف وخزائن الملابس، مصنوعة من الخامات البيئية، ويجري معالجتها بحيث تكون آمنة ومقبولة من الزبائن الذين اعتادوا التردد على الفنادق ذات الخمس نجوم في المدن الكبيرة.

ويضيف أن خيوط الخيش على سبيل المثال تعالج بطريقة معينة من زيت الزيتون والعطور البرية، وتترك في الشمس حتى تجف وتصبح أكثر تماسكا، ويعاد نسجها على شكل ستائر للنوافذ والأبواب أيضا، وتسدل أحيانا على الجدران التي تأخذ شكل التراب، خاصة في الحمامات، لتضيف الستائر لمسة جمالية عليها. أما أثاث الغرف فمصنوع من جذوع النخيل وخشب الواحات ذا اللون الأسمر، حتى الصور الزيتية المعلقة على الحوائط الطينية موضوعة في إطارات من عروق الخشب.

المشاهد التي توحي بالبداوة وحياة التقشف والعزلة تعتبر سمة غالبة على مفردات القرى السياحية المبنية من عجين طيني مخلوط بالتبن بالقرب من الواحات خاصة واحة سيوة والفرافرة والباويطي والداخلة والخارجة. وأين الرفاهية؟ ولماذا يتعب الناس وينفقون ألوف الدولارات؟ هل من أجل الزهد؟ «بالطبع لا»، كما يقول جون ستيف، وهو سائح أميركي عجوز وثري.

ويضيف ستيف: يوجد خلف كل هذه المظاهر البسيطة حياة فاخرة، وهذا أمر جيد. فداخل كل غرفة يوجد مكيف للهواء، ومبرد للمشروبات، وتوجد خدمة إنترنت، وتستطيع أن تتواصل مع أسرتك وأصدقائك، في الطرف الآخر من العالم، في أي وقت، وفي الليل تستمتع بكل هذا الكم الكبير من النجوم اللامعة في الظلام.

وأمضى ستيف يومين في قرية «الواحة» المبنية من الطين وجذوع النخيل، وتقع ضمن مجموعة قرى مشابهة في الجنوب الشرقي من مدينة الباويطي (نحو 450 كيلومترا غرب القاهرة) داخل الصحراء.

وما بين كل مجموعة غرف وأخرى، هناك حمام سباحة يقوم على خدمته موظفون متأنقون لكن في ملابس محلية، إلا أنهم محترفون في تنقيه المياه وضبط منسوبها وصف المقاعد الطويلة حولها ونصب مناضد الطعام والشراب جوارها.

ويقول محمد جبر وهو دليل للسياح في مدينة الباويطي إن سعر الليلة في غرفة مزودة بحمام في قرية «الواحة» يبلغ نحو 400 جنيه مصري (نحو 60 دولارا). أما في القرى الطينية الأكثر رفاهية مثل قرية «الطرفة» التي تقع على بعد نحو 800 كيلومتر جنوب غربي القاهرة، فالسعر، كما يقول جبر، يزيد ويصل إلى 750 جنيها في الليلة، بسبب مفردات الرفاهية الإضافية مثل الحمامات الصحية كغرف البخار والتدليك، إضافة لجولة الصحراء بالخيول والجمال أو بسيارات الدفع الرباعي.

ويمكن الوصول إلى القرى الطينية التي تتأهب لاستئناف نشاطها بأكثر من السابق، عن طريق الرحلات البرية والجوية التي تنطلق من القاهرة في ثلاثة اتجاهات. الأول عبر الطريق الساحلي الدولي بالسيارة انطلاقا من القاهرة أو الإسكندرية، وصولا إلى مدينة مرسى مطروح على البحر المتوسط، ومنها إلى الجنوب بمسافة 300 كيلومتر حيث واحة سيوة وواحة أم الصغير. ويمكن ركوب الطائرة من مطار القاهرة الدولي إلى مرسى مطروح مباشرة، لأنه لا يوجد طيران مدني منتظم إلى سيوة.

والطريق الثاني يبدأ من القاهرة عبر الطريق المعروفة باسم «طريق الواحات»، وهذه تصل بك إلى مدينة الباويطي على بعد 450 كيلومترا، ومن هناك يمكنك أن تقرر أين ستمضي الوقت، سواء في القرى الطينية أو في التخييم داخل الصحراء المعروفة باسم «الصحراء البيضاء» ويوجد أدلاء لهذا الأمر. ولا يوجد طيران مدني إلى الباويطي.

أما الطريق الثالث البالغ طوله نحو 850 كيلومترا جنوب غربي القاهرة فيمكن سلوكه بالسيارات المجهزة من «طريق الصعيد» حتى محافظة أسيوط ومنها الانحراف غربا إلى «واحة الخارجة». وتعد هذه الواحة مجرد محطة انطلاق للقرى الطينية والواحات الصغيرة المنتشرة في محيطها في قطر يبلغ نحو 200 كيلومتر. ويمكن الوصول إلى واحة الخارجة بالطيران الذي يتحرك من القاهرة إلى هناك يومي الأحد والخميس.