فيلم «حبة لولو» يحصد 100 ألف متفرج رغم الانتقادات اللاذعة

حكاية 3 نساء لبنانيات غدر بهن الدهر وبقين طريفات

TT

100 ألف مشاهد خلال شهر ونصف، ليس بالنجاح القليل لفيلم لبناني يعرض في الصالات المحلية. فالإقبال على فيلم «حبة لولو»، لمخرجته ليال راجحة، رغم بعض آراء النقاد السلبية جدا التي كتبت فيه، أثبت لمرة جديدة أن المتفرجين في لبنان، لهم ذوقهم الذي لا يخضع لما يكتب بل لما يقال.

وإذ أخذت على الفيلم بعض الهنات في السيناريو، فإن روحه المرحة وظرفه مع أنه يطرح قضايا حياتية موجعة، لا سيما مشاكل اللقطاء والمهمشين، جعله مرغوبا ومحبوبا، وموجودا منذ 26 سبتمبر (أيلول) ومستمرا عرضه في الصالات، التي تبقى مقاعدها ممتلئة.

«حبة لولو» فيلم نسائي بامتياز، مخرجته امرأة وحكايته تدور حول ثلاث نساء لكل منهن معاناتها الخاصة، رغم أن ارتباطهن الحياتي، مع بعضهن البعض، متين وصلب.

النساء الثلاث يجمعهن بيت فاتن (تقلا شمعون) التي تعرضت أثناء الحرب، لاغتصاب من قبل مسلح من إحدى الميليشيات، وقررت أن تحتفظ بحملها، رغم كل التحديات. وهي تعمل في منزلها على تركيب العطور وبيعها في الأسواق. ابنة فاتن أي ليال (زينة مكي) صارت شابة في سن الزواج، وهي رغم تضحيات الأم، لم تبلغ سعادتها المرجوة، فلا هي قبلت بمدرسة يوم كانت صغيرة، ولا المجتمع يعترف بها كبيرة، ولا لقاؤها بالشاب كريم (إيلي متري) يمكن أن يسير إلى منتهاه. فالشابة ليال لا تملك الجرأة لتعترف بوضعها «الشاذ» اجتماعيا، ولا تتمتع بالقوة الكافية لتتخلى عن كريم. أما المرأة الثالثة التي غالبا ما تبقى مع فاتن وابنتها ليال، فهي ابنة الهوى حلا (لورين قديح) التي لها شخصية كاريكاتيرية، وستتمكن من جذب رجل نافذ تلتقط صورا معه تبتزه من خلالها، لتتمكن من تمويل دكان تفتحه فاتن في الحي الشعبي الذي تقطنه، إلى جانب دكان السمان فارس (نزيه يوسف) الذي لا يتوقف عن استمالتها طوال الفيلم، ليفوز بها في آخره.

هكذا تبدو قصص النساء الثلاث معقدة وحزينة بقدر ما هي مسلية وبهيجة وطريفة. وهنا يكمن سر الفيلم الذي يتصدى لواحدة من المشكلات الاجتماعية الأكثر درامية، ألا وهي قضية اللقطاء، بأسلوب يجنب المشاهد ذرف الدموع، لكنه لا ينزلق إلى مستوى التسفيه والتسطيح.

على خيط رفيع جدا تسير ليال راجحة في فيلمها الأول بعد أن عرفت في مجال الفيديو كليب. والسيناريو الذي كتبته مع وسام راجحة، يبقي البطلات الثلاث معلقات بين الأمل الذي لا ينقطع والخيبة التي لا تنتهي.

بساطة العمل التي لم تعجب النقاد، هي تماما تلك التي صنعت شعبية الفيلم وجعلته قريبا من الذوق العام. يحسب للمخرجة، مثلا، تعففها، عن تصوير مشاهد إباحية فاضحة، كما يفعل آخرون، رغبة في جذب أكبر عدد من المتفرجين، مع أن فيلمها بموضوعه وما تطرقت له من أحداث، كان يمكن أن يحتمل ذلك، مما أتاح لصغار السن رغم حساسية القضايا التي يطرحها، الحضور والاستمتاع. وهي بذكاء وحنكة أعفت المتفرج من رؤية مشهد ولادة (ابنة الهوى) حلا - بعد حملها غير الشرعي - كاملا على درج العمارة وتألمها حتى الموت. إذ اكتفى الفيلم بإطلاعنا على بدء عملية الولادة المباغتة على سلم العمارة ونحن نسمع الصراخ، لنعرف، فيما بعد، ونحن نرى الطفل يتنقل بين يدي فاتن وليال، أن حلا غادرت الحياة وأن رعاية الوليد انتقلت إليهما.

بمزاج يميل إلى الظرف وروح النكتة استطاع الفيلم أن يجعل بطلاته، قادرات دائما على مواجهة ما يمكن أن يصل إلى مستوى الكارثة. ليال تستأجر الفساتين لتقابل حبيبها كريم، وتبدو دائما أنيقة وجميلة. أن تتكلم الإنجليزية ونرى أنها على اطلاع بأمور كثيرة، مع أم كفاتن كانت حريصة على تعليمها بنفسها، لا يبدو مستهجنا. من بين الانتقادات التي وجهت للفيلم، عرض قصة ليال التي حرمت من أوراقها الثبوتية، مع أن القانون اللبناني يسمح للطفل المولود من أم لبنانية وأب مجهول الهوية بالحصول على الجنسية اللبنانية. لكن حقيقة الأمر أن لقطاء كثيرين في لبنان، لم يحصلوا على الجنسية لأن الحصول عليها، في مثل هذه الحالات، لا يحدث تلقائيا، ويحتاج متابعات وإثباتات لا تتاح للجميع.

الفيلم الذي تقول عنه المخرجة بأنه منقول عن قصة واقعية، عرفت كيف تجعل منه حكاية فانتازية، مليئة بالألوان، نابضة بموسيقى حيوية، مع إدارة للكاميرا رائعة، ومشاهد التقطت بألمعية، وحوارات دمثة وطريفة، وإيقاعات سريعة.

ظلم النقاد فيلم «حبة لولو» الذي لا يطرح نفسه كعمل عبقري ضخم، بقدر ما يقدم نفسه للمشاهد كفيلم لبناني اجتماعي من نوع الكوميديا السوداء، ملقيا الضوء على واقع حياتي صعب، باتت النساء لولبه ومحركه، في ظل قوانين، لا تزال مجحفة بحقهن والمجتمع لا ينصفهن.

سينما النساء اللبنانيات أصبحت بعد الذي بدأته نادين لبكي، بفيلميها «سكر بنات» و«هلأ لوين» وتستكمله ليال راجحة - ولا بد ستتبعهما أخريات - تعكس واقعا لبنانيا لذيذا رغم مرارته على شاشات جذابة ومسلية. وكي لا نخطئ التقدير. الفيلم السينمائي هو للجمهور أولا ولا يضع في أولوياته إرضاء النقاد بطبيعة الحال.

واستكمالا لرغبتها في جعل الآفاق دائما مفتوحة ورحبة، فإن المخرجة لا تترك الأم فاتن وابنتها في نهاية الفيلم دون أن تجعل فاتن، تقترب أكثر من الدكنجيي فارس المعجب بها، وتعيد كريم إلى ليال بعد أن اكتشف كذبها وخداعها لتتستر على واقعها كلقيطة، ويرضى بها حبيبة له.