نريمان ميكانيكي السيارات صنع طائرته وحلق بها في أربيل وحقق حلم حياته

كردي يحب السماء ويعشق الطيران.. والحوادث لن توقف طموحاته

الشاب الكردي نريمان يقف قرب طائرته التي صنعها بنفسه قبيل تحليقه بها ..وفي الجو قبيل هبوطه وتعرضه لحادث («الشرق الأوسط»)
TT

نريمان محمد صالح، كردي مبدع ذاع صيته في الإقليم منذ ما يقارب العقد تعرض مؤخرا لحادثة عندما كان يريد الهبوط بالطائرة الخاصة التي صنعها حيث اعترضت سيارة طريقه مما أدى إلى تحطم الطائرة واحتراقها وإصابته هو وأحد زملائه الذي ما زال يتلقى العلاج في أحد مستشفيات المملكة الأردنية الهاشمية.

وقد استضافنا نريمان في بيته المتواضع حيث استطعنا الدخول لعالمه المليء بالطموح والأحداث الشيقة التي كان بعضها خطيرا عليه وعلى حياته، متحدثا لـ«الشرق الأوسط» عن بداياته مع الطيران ويقول «كنت أحلم دوما أن أحلق في السماء وكنت أنبهر بمنظر الطائرات التي كنت أراها على شاشة التلفزيون أو التي تطير في السماء، ولم تمنعني طفولتي من خوض أول تجربة طيران في حياتي باستخدام مظلة حيث رميت نفسي من سطح البيت رافعا المظلة ظنا مني أنني سأنزل بها بأمان لكنني أصبت في رأسي إصابة بليغة ونقلت على أثرها إلى بغداد حيث أجرى لي الطبيب الشهير سعد الوتري عملية جراحية صعبة، وما زلت أعتبر نفسي مدينا لهذا الرجل الذي أنقذ حياتي».

ولم تؤثر هذه الحادثة على ما كان يريد نريمان تحقيقه كما قال حيث ابتدأ أولى خطوات حياته في عالم الطيران بالرسم على الورق، ففي عام 1989 رسم نريمان ولأول مرة طائرة على الورق لتكون الأساس العلمي - العملي الأول لتنفيذ ما كان يحلم به، وقد أعجبت الصورة حينذاك أهله وأصدقاءه، وفي تسعينات القرن الماضي طور معارفه عن الطائرات وذلك بمتابعة الكثير من المطبوعات المحتوية على مخططات توضح كيفية تصنيع وصيانة الطائرات.

يقول نريمان «أعتبر نفسي مدينا أيضا لجارنا ياسين مامند الذي كان يعمل مصلحا لمكائن السيارات حيث جلب لي الكثير من المجلات التي توضح خطوات تصنيع الطائرات بأشكالها المتعددة وأنواعها المختلفة ومع أن المجلات كلها كانت باللغة الروسية فإنني لم أجد صعوبة في ذلك لأنني استعنت بالسيدة عائشة الروسية، إحدى جاراتنا التي كانت من أصول روسية، هذه المرأة ساعدتني كثيرا في ترجمة كل ما تحتويه المجلات من معلومات».

ويعتبر نريمان عام 1997 فاصلا في حياته فقد استطاع حينها صناعة أول طائرة صغيرة جعلته يخطو أولى وأهم خطوات الشهرة ومنذ ذلك الحين أصبح نريمان يعرف بين أصدقائه بـ«نريمان الطيار».

يوضح قائلا «في عام 1997 أجرت صحيفة (خه بات) الصادرة بأربيل، لقاء معي حول صناعتي للطائرة، توالت بعده اللقاءات الصحافية والإعلامية معي لكن أهم لقاء إعلامي أجري معي كان في نفس العام في برنامج (المجلة العلمية) الذي كان يقدمه المرحوم صابر زنكنه عبر قناة كردستان المحلية، هذا البرنامج عرف الكثيرين عني حيث قلت حينها سيأتي اليوم الذي سأحقق فيه أمنيتي وأصنع طائرة خاصة تحلق في سماء كردستان وتحمل اسمي».

في عام 2000 سافر نريمان إلى تركيا والصين وروسيا ولبنان، للمشاركة في دورات للطيران أو الاطلاع على طرق صناعة الطائرات من قبل الهواة أمثاله، وفي عام 2007 اختير كأحد شباب العام المبدعين من قبل وزارة الرياضة والشباب، يقول نريمان «محاولتان في صناعة الطائرات فشلتا معي حتى عام 2010 حيث استطعت تجربة طائرتي الجديدة في مطار قضاء حرير، قرب أربيل، واستطعت التحليق بها لارتفاع 1000 قدم مع أنني واجهت بعض المشكلات في الهبوط وفي نفس العام زار الإقليم أحد رجال الأعمال الألمان الذي كنت قد اشتريت منه ماكينة للطائرة التي صنعتها وتشجيعا منه لي جلب معه طائرة خاصة لتدريبي على حسابه الخاص لمدة أسبوع وفي نفس العام أيضا استقبلني الرئيس مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان وأريد من خلالكم أن أقدم جزيل شكره لسيادته وللسيد نيجيرفان بارزاني رئيس الوزراء والسيد نوزاد هادي محافظ أربيل الذين ساعدوني دائما في إنجاح مشاريعي التي ما زلت أحلم بتنفيذها وتطويرها».

وحول الحادث الذي كاد أن يودي بحياته وحياة أحد أصدقائه، يوضح «خطتي للتحليق كانت ناجحة ومدروسة خصوصا بعد تجربتها في منطقة كسنزان الواقعة على طريق أربيل - كويسنجق، بالإضافة إلى استحصال الإذن من الشرطة والمحافظة وتوفير كافة مستلزمات حمايتي وحماية الطائرة»، مستطردا «بعد أن أكملت جولتي الأولى بطائرتي الخاصة وبعد هبوط ناجح أردت التحليق بها مرة أخرى لكن شابا صغيرا اعترض طريقي وهو يصور طائرتي بجهازه الجوال مما أجبرني على إبطاء سرعتي لإنقاذ حياة الشاب والحمد لله لم يتعرض لأذى ولم تكمن المشكلة في هذا الشاب بل كانت هناك سيارة (بيك - أب) اعترضت طريقي فجأة ولم أستطع الارتفاع، ولو كنت ارتفعت لكان وقع حادث أسوأ، ولم أعرف لحد الآن كيف اعترضت السيارة طريقي وكيف أنقذت نفسي منها أيضا لكنني واجهت عمودا حديديا فاصطدم جناح الطائرة بها لأنني خفضت السرعة بشكل فجائي فتحطمت الطائرة وتعرضت لحريق وكانت نتيجة هذا الحادث إصابة رجلي اليسرى في 5 أماكن وبعض الكدمات في وجهي وتعرض صديقي محمد لحروق كثيرة في جسده وتم نقلنا للمستشفى في أربيل وقد وضعت الحكومة كل الخيارات تحت تصرفنا بتلقي العلاج في داخل أو خارج الإقليم وهذا موقف أشكرهم عليه».

نريمان الذي يملك ورشة لميكانيكا السيارات يعتاش هو وإخوته منها، والذي لم يكمل دراسته يؤكد بأن أمه وزوجته تشجعانه دوما على الاستمرار في طريقه ولا تهبطان أبدا من معنوياته بل على العكس، وبالأخص أمه التي تؤكد عليه دوما إكمال ما بدأ به، والحوادث التي تعرض لها لن تثنيه عن ممارسة عمله وتعليم الجيل الجديد مبادئ الطيران، يقول «نعم أنا لم أكمل دراستي لكنني مارست التطبيق العملي وأنا أتوق لإكمال الدراسة المتوسطة والإعدادية ونيل الشهادة في اختصاصي وأعتبر عدم وجود أكاديمية لتعليم الطيران في كردستان نقصا يجب تداركه وأتمنى أيضا أن تتسنى لي الفرصة لأطير بحرية».

بقي أن نعرف أن للطائرة NAZ82 التي تحمل اسما كرديا لامرأة (ناز) قصة في حياة نريمان لم يشأ البوح بها لكنه لم يخف أن هناك الكثير مما يستحق المجازفة وخصوصا ما يتعلق بالعواطف التي كما وصفها نريمان بأنها أساس الحياة فالحياة من دون مشاعر وأحاسيس لا تساوي شيئا.