عمدة نيويورك.. سياسي من نوع جديد قرّب بين الأعراق

بعد رحلة طويلة في العلاقات بين البيض والسود

عمدة نيويورك مع عائلته
TT

ثاني يوم فوز بيل دي باليسو بمنصب عمدة نيويورك، خرجت صحيفة «نيويورك تايمز» بالخبر ومعه، في صدر صفحتها الأولى، صورة العمدة الأبيض، من أصل إيطالي وألماني، يحضن ابنه الأسود، صاحب تسريحة شعر «أفرو» (كثيف)، وإلى جوارهما ابنته السوداء التي صبغت جزءا من شعرها، وعلقت حلقات أفريقية عملاقة على أذنيها. ثم الزوجة السوداء، صاحبة تسريحة الشعر الأفريقية الممشط والمتدلي على كتفيها.

وصار واضحا أن عمدة نيويورك سياسي من نوع جديد. وأن الأميركيين دخلوا مرحلة جديدة في رحلتهم الطويلة والشاقة على طريق العلاقات بين البيض والسود. قبل 50 سنة فقط كان القانون الأميركي يمنع زواج البيض والسود. وقليلا قليلا، تزوج سود بيضاوات، لكن ظل زواج بيض سوداوات نادرا جدا، وكان القانون يمنعه.

وفجأة، هز عمدة نيويورك وزوجته أميركا، والعالم، لكن لأن الموضوع حساس، خصوصا وسط الأغلبية الأميركية البيضاء، اكتفت الصحف الرئيسة والقنوات التلفزيونية بنشر الخبر والصور. وعلا الهمس، والغمز، واللمز. وبعد ثلاثة أيام، تجرأ ريتشارد كوهين، كاتب عمود في صحيفة «واشنطن بوست»، وعلق على الزواج. ورغم أن التعليق كان غير مباشر، ورغم أنه قال، إن أميركيين محافظين يعارضون الزواج، وليس هو، هبت عاصفة عليه. ونشرت صحيفة «هافنغتون بوست» بخط عريض: «رسالة إلى (واشنطن بوست): افصلوا ريتشارد كوهين».

رغم أن مثل هذا الزواج نادر، ورغم أن الأميركيين تقدموا، ربما أكثر من أي شعب آخر، على طريق زواج البيض والسود، يظل الموضوع حساسا. حتى تظهر أمام الأميركيين أمثلة شخصية، مشهورة وناجحة. مثل أوباما وأمه البيضاء وأبوه الأسود. ومثل عمدة نيويورك الأبيض وزوجته السوداء.

وكتب جيسي واشنطن، مراسل وكالة أسوشييتد برس (أ.ب): «صار بلاسيو أول سياسي في تاريخ أميركا يفوز بمنصب سياسي كبير وزوجته السوداء إلى جانبه».

وقال ريتشارد كوهين، وزير الدفاع السابق، والسناتور قبل ذلك، وزوج سوداء: «يعكس هذا القيم الأميركية لاحتضان مختلف الأعراق، والإثنيات، والأديان. اعتقد أنه رمز عظيم». كان كوهين سيناتورا عندما صار صديقا لجانيت لانغارت، صحافية تلفزيونية سوداء. وعدة مرات، طلب منها أن تتزوجه. لكنها قالت إنها تخشى أن ذلك سيضر بمستقبله السياسي. لكنهما تزوجا في عام 1996. بعد أن أعلن كوهين أنه لن يترشح مرة أخرى.

إذا كان هذا هو حال سيناتور، لم يقدر على مواجهة المعارضة الخفية (لكنها القوية) لزواج أبيض من سوداء، لا بد أن يكون زواج عمدة نيويورك هز عددا كبيرا من الأميركيين الذين لا يقدرون على أن يعلنوا آراءهم.

تزوج سياسيون أميركيون بيض نساء آسيويات، ولاتينات. مثل الحاكم السابق لولاية فلوريدا، جيب بوش (أخ الرئيس السباق بوش الابن)، وزوجته من المكسيك. ومثل السيناتور من ولاية كنتاكي، ميتش ماكونيل، وزوجته من تايوان، وكانت إيلين تشاو وزيرة العمل في إدارة الرئيس بوش الابن.

وتزوج سياسيون ومشاهير سود من بيضاوات، رغم أن النسبة قليلة جدا. مثل قاضي المحكمة العليا كلارنس توماس. ومثل السيناتور السابق من ولاية ماساتشوستس، إدوارد بروك. وهناك حاكمة ولاية ساوث كارولينا نيكي هالي، التي هاجر والداها من الهند، وزوجها أبيض. وهناك ميا لاف السوداء، عمدة ساراتوغا سبرينغز (ولاية يوتا)، وزوجها أبيض أيضا.

غير أن كوهين، السيناتور السابق، ووزير الدفاع السابق، اعترف بأن زواج رجل أبيض وامرأة سوداء «احتفظت بهالة المحرمة». وأضاف: «أنها قضية الأسود والأبيض، إنها قضية الرقيق. أنها قضية جيم كرو (قوانين التفرقة العنصرية). أنها قضية لا يمكن أن نتحدث عنها». وقال: «زواج أبيض وسوداء مثل سلاح رادع (يخوف)».

لكن، حسب آخر استطلاعات، تغير الأميركيون كثيرا في نظرتهم إلى الزواج بين الأعراق، وخصوصا البيض والسود.

حسب استطلاع أجرته مؤسسة «غالوب»: وافق 87 في المائة على الزواج بين الأعراق. وكانت النسبة أربعة في المائة في عام 1958.

وحسب تقرير مؤسسة «بيو»: في عام 2010، أكثر من 15 في المائة من جميع الزيجات الجديدة كانت بين أعراق مختلفة.

رغم أن كثيرا من معارضة البيض لزواج سود وبيضاوات، ناهيك بزواج سوداوات وبيض، موضوع خفي، ولا يناقش علنا، تجرأت نسبة 14 في المائة وأعلنت رأيها في استطلاع مؤسسة «غالوب». لكن، بالمقارنة مع اثنين في المائة من السود، مما يوضح أن ما يسمى «استعلاء البيض» هو استعلاء ليس فقط في السياسة والمال والقوة.

وحسب معلومات مايكل رونفيلد، أستاذ زواج الأعراق في جماعة ستانفورد (ولاية كاليفورنيا)، 97 في المائة من الرجال البيض متزوجون من نساء بيضاوات. و82 في المائة من الرجال السود متزوجون سوداوات. أي أن الرجال السود يميلون نحو الزواج من خارج عرقهم أكثر من الرجال البيض.

وقال رونفيلد، إنه «ليس سرا أن صعوبات تواجه النساء السوداوات في زواج سود، خصوصا لأن بعضهم يتزوج بيضاوات (أو هنديات، أو لاتينات). وخصوصا لأن عدد الرجال السود المؤهلين للزواج تقلص بسبب البطالة والسجن. حسب الأرقام، 25 في المائة من النساء السوداوات بين الأكبر من 35 سنة لسن متزوجات. مقارنة مع نحو سبعة في المائة نساء البيض».

وساعد الإنترنت على كشف آراء كثير من البيض في هذا الموضوع الحساس. وبعد فوز عمدة نيويورك، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعية بأسماء خفية تعلن معارضتها، ويبدو أنها أسماء بيض. وظهرت عبارات مثل: «مكان المرأة السوداء هو أن تكون خادمة»، و«ليعد العمدة إلى إيطاليا»، و«لتعد زوجته إلى أفريقيا» و«سيطر شيوعي وشيوعية على نيويورك».