مجلد ثمين بالفرنسية حول أدوات الكتابة عبر التاريخ

يصدر بدعم من وزارة التعليم العالي في السعودية مع معرض باريسي حول الموضوع

TT

«بأي لغة علينا أن نخاطب العالم لكي يفهمنا ويهتم بما نقول؟»، عبارة طالما ترددت، خلال العقود الأخيرة، في مناظرات مفكرينا وفي أطروحات الأكاديميين وخطابات السياسيين وفي تقارير وسائل الإعلام. وازداد السؤال إلحاحا بعد أن راح الغرب يخلط بين العرب والتبذير المالي، وبين الإرهاب والإسلام، بحيث علت نبرة الصراعات الدموية وهبطت كفة الحوار العلمي والحضاري المتزن. لكن الجهات المستنيرة بيننا لم تسلم بالأمر الواقع وظلت تبحث عن مخاطبة العالم باللغة التي يفهمها ويقدرها، وهي ليست لغة القوة كما يتصور البعض، بل لغة المعرفة والتاريخ الحضاري، أي الإنجاز العلمي الباهر والنتاج الثقافي المتميز والرأي المنطقي المتبصر. من هنا، يكتسب هذا السفر الصادر، حديثا، مكانته كلغة عالمية وراقية للتفاهم، وليس مجرد ورق وألوان جذابة.

ففي تحفة طباعية، من 166 صفحة من القطع الكبير والورق الصقيل، أصدرت «الملحقية الثقافية السعودية» في باريس مجلدا مصورا باللغة الفرنسية بعنوان «أدوات الكتابة». ويترافق صدور هذا المطبوع الشامل لأروع القطع الفنية والتاريخية، مع معرض حول الموضوع نفسه تنظمه الملحقية ويستمر حتى العشرين من الشهر المقبل.

لا يمكن لمن يتصفح الكتاب الثمين الذي صدر بدعم من وزارة التعليم العالي في المملكة، إلا أن يستعيد الآية الكريمة: «نون والقلم وما يسطرون». ويتصدر الكتاب تقديم لوزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري، نقرأ فيه أن المعرفة شكلت، عبر العصور، طريقا مهما لتطوير حياة الإنسان ونمط عيشه. فأصبحت أدوات نقل المعرفة، بكافة أنواعها الشفوية أو المكتوبة أو المرسومة، جزءا من حضارة كاملة، بل وغدت بعض تلك الأدوات علامة فارقة في العصر الذي ظهرت فيه. لذلك، لم يكن مستغربا أن يرتبط تقدم الحضارات ونموها بمدى توافر تلك الأدوات وانتشارها. ويمضي العنقري في تقديمه: «نظرا لأهمية الكتابة والحاجة الملحة إلى مضاعفة منتجاتها من الكتب والوثائق، لم يكتف الإنسان باستخدام ما ابتكره من أدوات وإنما عمل على تطويرها وتنويع أشكالها، والارتقاء بوسائل الشرح والإيضاح. وهكذا، اكتسبت أدوات الكتابة أهمية بالغة في نقل التراث الإنساني، وأسهمت في لم شمل الموروث الحضاري الذي أنتجته التجمعات البشرية والحضارات المختلفة، وكان لها الدور الفريد في حفظ ذلك الموروث ونقله من زمن إلى زمن».

أشرفت على إنجاز المجلد نخبة من المتخصصين والمؤرخين، حيث استرجعوا بالصورة والشروحات تطور أدوات الكتابة منذ العصر الحجري حتى الأزمنة الحديثة. ويشير المؤرخ برنار روبير، أحد القائمين على المشروع، إلى أن التفكير في تجميع مجموعة من أدوات الكتابة يبقى تحديا نظرا لاتساع هذا الحقل. كما أن التصدي لموضوع الكتابة يستدعي الحديث عن عدة معارف مرتبطة بها. لكن الباحث يشرح، في كلمته التي خص بها الكتاب، أنه وزملاءه تفادوا الدخول في تحديد ميلاد الكتابة نظرا للشكوك والطروحات التي ما زالت تدور حول مهدها الأول وأشكالها الأولى، سواء أكانت مسمارية على الحجر أو محفورة على الجدران في العصور القديمة.

من ألواح الحجر والنقوش البدائية، إلى العصر الروماني ثم عصور الأنوار، يقدم الكتاب صورا ملتقطة بحساسية فنية وتصميم بديع، للمئات من تلك الوسائل المدببة التي أمسكت بها أيدي البشر لتسطر ما تراه أو ما تفكر فيه وما ينبع من مخيلة الإنسانية ويشكل شواهد على عظمتها. مسامير وأحجار مسنونة وقصبات مبراة وريش طيور وأقلام تفنن صانعوها في عملها لكي تلبي حاجة الكاتب للتعبير عن نفسه وعن عصره. أدوات من حصى وأخشاب ومعادن زهيدة، كالنحاس، أو ثمينة كالذهب، تداولتها أكف كتاب مجهولين حتى غادرت أدراج المكاتب وانتقلت إلى خزانات المتاحف. إنها رحلة شائقة تستهوي القارئ، مهما كانت درجة تعليمه أو ثقافته. بل إن الفرد الأمي يمكن أن يجد في الصور مصدرا للاطلاع والفائدة.