كرستيان بايل: أمثل من دون أي فكرة مسبقة وأسعى للاكتشاف

ينتقم لشقيقه في «خارج الانصهار»

مع كايسي أفلك خلال التصوير
TT

فيلم كرستيان بايل الجديد «خارج الانصهار» Out of the Furnace (الذي عُـرض في مهرجان روما السينمائي الأخير، هو الإخراج الأول للممثل كريس كوبر والدور الأول لبايل بعد سلسلة باتمان الشهيرة. وهو يبدو سعيدا (أو ربما أسعد من أي وقت مضى). عوض أن يتحدّث في متاعب الشخصية السوبرمانية التي كان يقوم بها، لديه الوقت الآن للحديث في كل الشؤون الأخرى وحسبما يسعفنا الوقت به. الحكاية التي يسردها «خارج الانصهار» جيّدة التأليف. ربما بعض مفاصلها متوقّـعة لكن هناك دائما ما هو جديد في مفارقاتها. كرستيان بايل يلعب شخصية العامل الذي ينتهي إلى السجن ليخرج منه بعد سنة مكتشفا أن شقيقه (كايسي أفلك) بدأ طريق الجريمة بدوره. يحاول إنقاذه لكن لكي يفعل ذلك عليه أن يتصدّى للمجموعة التي تصاحبه. خلال ذلك يجد أن عليه أن يلتقط خساراته الشخصية في دربه. لقد خسر الفتاة التي أحب (زاو زالدانا) وخسر عمله وسنة من حياته والآن لا يريد أن يخسر شقيقه.

إنه الفيلم الأربعون للممثل الذي وُلد في بريطانيا قبل 39 سنة وظهر، وهو بعد في الثالثة عشرة من عمره في فيلم ستيفن سبيلبرغ «إمبراطورية الشمس» (أحد أفضل أفلام المخرج لليوم). وهو بذلك واحد من الممثلين القلائل الذين بدأوا السينما صغارا واستمرّوا في دربهم بنجاح كبير.

* دورك في «خارج الانصهار» لا يشبه أي دور لعبته من قبل. الرجل الذي يريد إنقاذ شقيقه من مشاكل البيئة الاجتماعية العنيفة التي انحدر شقيقه إليها… وبالعنف. هل هي الطريقة المثلى لوضـع الأمور في نصبها الصحيح؟

- قد أذهب إلى أبعد حد ممكن لأجل أن أحمي عائلتي. أتمنى أن يوافقني على ذلك أي واحد لديه عائلة يغار عليها. لأن رد الفعل هذا هو رد الفعل الصحيح، أليس كذلك؟ لا أتحدّث عن العنف ولا أقصد أنني أتبنّـاه ولا أستمتع به مطلقا. لكن عليك أن تحمي من يعتمدون عليك وعليك أن تدافع عنهم. والأمل أن لا تجد نفسك مضطرا لأن تقتل في سبيل ذلك. أن تذهب إلى الحد الذي نراه في الفيلم.

* بدا عليك في الفيلم أن كل ما بقي لديك في الحياة هو إنقاذ شقيقك وإحقاق نوع من العدل الذي لم تتمتع به أنت.

- تماما… نسبة لما حدث لشخصيّتي في الفيلم هناك جرح كبير في الداخل ويأتي قراري بأن أنتقم لما يحدث لشقيقي وإنقاذه مما هو فيه ممزوجا بخساراتي المختلفة العاطفية والعملية. واللقطة الأخيرة في نظري تمنح المشاهد بعض الأسئلة المهمّـة… هل حقق ما انبرى لتحقيقه؟ هل يشعر بالرضى الآن؟

هذا الجانب صحيح تماما، وفوقه ملاحظة أن شقيقك العائد من حرب العراق تاه في حرب من نوع آخر. حرب داخل أميركا.

أميل لأن أعتقد أن الحرب الأخرى، أقصد الداخلية كما ذكرت، هي الأقسى. تلك تبدأ وتنتهي وهي انتهت عند الشخصية التي يؤديها كايسي، لكن هذه الحرب لا نهاية لها. بالنسبة لي فعلت ما اعتقدت أنه فيلم يملك حكاية مثيرة وشخصية أريد أن أمثّـلها. أقصد أن الموضوع قابل للتفسير المختلف من شخص لآخر. ما فكّـرت به حيال الشخصية هي أنه راسل (الشخصية التي يؤديها) ليس ضحية لأحد. إنه شخص قائم بذاته.

* كثير من الأفلام التي تقوم بتمثيلها هي من النوع العنيف، كما الحال في هذا الفيلم الأخير «خارج الانصهار». كيف تشعر حيال ذلك؟

- النوع المفضل عندي. النوع الأهم عندي هو الكوميديا. كنت أتحدث في هذا الموضوع مؤخرا وأكدت أن أكثر الأنواع أهمية عندي هو الكوميديا والموسيقى. أنا لست هاويا سينمائيا متيما Film Buff ومنذ ولادة ابنتي وأنا أشاهد الأفلام التي تشاهدها هي. أضيع إذا ما خضت حديثا في الأفلام وهذا على عكس كريس (كريس كوبر مخرج الفيلم) الذي يبرع في الحديث عن السينما ولديه معلومات كثيرة عن الأفلام.

* قيل بأن ممثل الأفلام الكوميدية عادة ما يكون من النوع الذي يلحظ تفاصيل الناس وتصرّفاتهم. هل تفعل ذلك؟

- أحب الناس ومنجذب إليهم. أمتّـع نفسي بمراقبتهم لأن المراقبة هي أفضل ما يمكن للمرء أن يمضي الوقت به. وتستطيع أن تشاهد تصرّفات شخص وتقارنها بأداء ممثل آخر. لذلك ربما أجد نفسي مشدودا للأفلام الكوميدية رغم أنني، كما تقول، لم أمثل أيا منها. عندما أريد الترفيه أتوجه إلى الكوميديا والموسيقى والقراءة.

* أي نوع من الموسيقى؟

- أنواع كثيرة. المشكلة أنك قد تجد نفسك مرتبطا بعملك لفترات طويلة. الموسيقى تساعدني على التفكير. أحيانا أستمع إليها ويبدو لي أنني أصغي، لكن بالي يبحر في المشاريع المعروضة وعادة ما أتخذ قراراتي في تلك اللحظات… أعلم أن هذا يبدو جنونا لكنه واقع.

* ذات مرّة قال أنطوني هوبكنز لي أنه يستمتع بالوقت الذي يمضيه في التحضير أكثر من الوقت الذي يمثل فيه فعلا. هل يحدث لك ذلك؟

- لا. بالنسبة لي أشعر أن التصوير هو لا يزال تحضيرا. علي أن أصل وأنا مستعد للتصوير. جاهز للمشاهد التي سنقوم بها في ذلك اليوم المعيّـن. لكن من يعلم ما الذي سيحدث ما قد يعيدك إلى فترة التحضير من جديد؟ عليك أن تبقى جاهزا لأي طارئ لأن هذا يعني أنك تبقى يقظا وأن لديك جوابا على أي تغيير قد يقع.

* هل لديك طريقة خاصّـة للتحضير؟

- ليس لدي أي طريقة خاصّـة للتحضير. ليس عندي منهج شخصي من أي نوع. ليس لدي أي «تكنيك». أنا واثق من أن أنطوني هوبكنز أبعد مجالا في الخبرة مني في أمور وتقنيات التحضير. بالنسبة لي أنا دائما عشوائي أمام كل دور أقوم به. أصل إلى الدور من دون أي فكرة معيّـنة مستسلما للاكتشاف.

* بالنسبة لممثل لا يحضّر نفسه أنت مدهش. من كان يقول… - شكرا. أعتقد أنه إذا ما كانت هناك فضيلة واحدة لعدم التحضير فهي أنها تمنحني القدرة على أن أبتكر في كل مرّة.

* في «خارج الانصهار» تمثّـل مع كايسي أفلك. الشقيق الأصغر لبن أفلك الذي سيؤدي دور باتمان من بعد أن لعبت أنت هذا الدور. ما رأيك؟ هل تعتقد أن بن سينجح فيه؟

- بداية أثق ثقة تامة من أن «بن» سينجح في الدور. لقد تابعت الحديث الذي دار بين معجبيه وبين الذين وقفوا ضد قيامه بالبطولة. وهذا ذكّرني بنفسي حين تم الإعلان عن أني سأقوم ببطولة باتمان. هناك أيضا واجهت مشككين. أعتقد أن بن أفلك ممثل جدير وتسبقه إنجازاته وعلى خبرة بالعمل السينمائي من كل جوانبه لأنه مخرج جيّد أيضا. ومتأكد أنه سوف ينجح في هذا الدور.

* هل من نصيحة توجهها ربما إليه؟

- لست مؤهلا لتقديم نصائح.

* هل من نصيحة للمبتدئين إذن؟

- أقسم بأنني أعتقد أن كل النصائح عديمة الفائدة. يا ليت عندي سرّا أستطيع الكشف عنه ما يمكن الممثل الجديد في المهنة استخدامه والاستفادة منه في مطلع عمله. لكني لا أملك سرّا. ليس لدي علم ومعرفة. لا أعتقد أن عندي خبرة معيّـنة أستطيع أن أستخلص منها ما يمكن أن يشكل مساعدة لأحد. لم أربح شيئا من ثلاثين سنة من العمل. وأعتقد أن لكل واحد طريقة مختلفة. ليس عندي معرفة بكيف يمكن لك أن ترضي الطرف الآخر حين تجتمع به. أرى أن علي أن أرضي نفسي وإذا ما اقتنع هو بذلك اتفقنا. لكن هل هذه هي الطريقة الصحيحة؟ لا علم لي.

* منذ بضع سنين أصبحت مواطنا أميركيا. هل يعود السبب إلى وضع عملي كونك تمضي معظم الوقت هنا؟

- السبب متعدد. نعم هناك ذلك الجانب. معظم أفلامي ومعظم أوقاتي هنا. لكن أيضا هناك حقيقة أني أحب هذا البلد. هناك الكثير من الدول التي تستحق أن ينتمي إليها المرء، لكن أكثر الناس يحلمون بأميركا وهناك سبب مهم وراء ذلك: أميركا فيها الكثير مما تستطيع أن تمنحه للناس. طبعا هناك سبب للشكوى، لكنه عادة ما يكون على نحو إيجابي وضروري.

* ما علاقتك اليوم بموطنك الأم؟

- أحب إنجلترا. أحب إنجلترا لكني أعيش هنا. حين انتقلت لأميركا قلت في نفسي بأنه المكان الذي سيمنحني النجاح، وهذا ما حدث. قلت في نفسي بأنه إذا ما كنت سأحقق الشهرة فلن أحققه إلا هنا. وهذا ما حدث. لكننا نشكو كثيرا. لقد عدت لتوّي من إسبانيا. يا إلهي، هناك 25% بطالة.

* هل كانت لديك تساؤلات بخصوص قيامك بالتمثيل تحت إدارة الممثل كريس كوبر… كونه جديدا في المهنة على الأقل؟

- مطلقا. اسمع. أنا دائما سعيد بالعمل مع سينمائيين لأول مرّة، سواء أكانوا كتّـابا أو ممثلين أو مخرجين. هناك سعادة لا أفهم سببها تجعلني أتحمس للعمل. لكنك تتكلّـم أيضا عن ممثل موهوب ولديه سيناريو جيّـد… كل شيء تريده موجود في هذا المشروع. إنه خلطة رائعة. الجدد يسعون لتقديم ما هو جديد لذلك هو أمر مثير أن تكون طرفا في أعمالهم.

* أخيرا، هل أنت مرتاح كونك تركت شخصية «باتمان»؟

- من دون أي شك، سلسلة باتمان بالنسبة لي كانت مرحلة مهمّـة جدا في حياتي. لا تستطيع أن تتصوّر. كانت تحديا دائما بما يعنيه ذلك من مشاق ومن سعادة في الوقت ذاته. لكن لكل شيء تلك النهاية الجميلة التي ربما يغامرك الشعور بأنك تريدها أن تستمر. لكن المهم هو أن التوقّـف عن لعب هذه الشخصية بما تأخذه من وقت وعمل يعطيني الفرصة لكي أمثل أدوارا أخرى مختلفة ومن دون عوائق. حين تؤدي شخصية مثل هذه الشخصية تجد نفسك مسؤولا عنها حتى عندما تؤدي شخصيات مختلفة في أفلام أخرى. هذه المسؤولية انتهت بدورها الآن.