بعد تقليد المصنوعات التقليدية المغربية.. الصينيون يجربون حظهم في «جامع الفنا»

فنانون من الصين وأوروبا وأميركا اللاتينية يقتحمون أشهر ساحات المغرب

فرقة موسيقية من الإكوادور وهي تؤدي معزوفة موسيقية لاتينية بساحة جامع الفنا المغربية («الشرق الأوسط»)
TT

لم يكن مفاجئا أن يتحلق زوار ساحة جامع الفنا بمراكش، قبل أيام، حول زوجين صينيين، جاءا مدينة مراكش المغربية للسياحة، قبل أن يقررا، في خضم استمتاعهم بسحر المدينة الحمراء، أداء مقاطع من المورث الفني الصيني بإحدى جنبات الساحة. نفس الأمر وقع قبل أكثر من سنة، حين تابع زوار الساحة حلقة غير عادية نشطها فنان غير عادي، جاء بالزينة من الصين: «الشينوا (الصينيون) دخلوا جامع الفنا»، قال أحد المراكشيين، ليزيد آخر، متهكما: «بعد تقليد (الشربيل)، وغيره من المصنوعات التقليدية المغربية، جاء الدور على ساحة جامع الفنا، لكي يجري غزوها من طرف (الشينوا)».

من حسن الحظ، أو من سوئه، أن مغامرة ذلك الفنان الصيني، لم تستمر طويلا، ربما لأنه اقتنع بضرورة التفكير في تغيير المهنة أو الاشتغال في مكان آخر، بعد أن رأى أن امتهان الحلقة في ساحة جامع الفنا لا يمنح صاحبها فرصة جمع المال الوفير.

من جهتهم، الأوروبيون لا يكتفون بزيارة الساحة والتسوق من محلاتها، بل يغتنم بعضهم زيارة مراكش للمشاركة في نشاط فني فيتحلقون إلى بعضهم، في حفلات في الهواء الطلق، بإحدى جنبات الساحة، حيث يوثقون لمرورهم الفني من الساحة بالصوت والصورة.

ولم يقتصر الأمر على الصينيين والأوروبيين، بل طال الأمر حتى الأميركيين اللاتينيين، بعد أن ارتأت فرقة موسيقية أتت مراكش من الإكوادور للعمل ليلا في أحد المركبات السياحية بمنطقة النخيل السياحية، أن تقتل ساعات النهار في إمتاع جمهور الساحة، بعدد من الأغاني والمعزوفات اللاتينية.

اختارت الفرقة، لتقديم عرضها، ركنا من الساحة، عند مدخل زقاق «الأمراء»، على بعد خطوات من تلك اللوحة التي كتبت بثلاث لغات (العربية والفرنسية والإنجليزية)، والتي نقرأ فيها: «أعلنت منظمة اليونيسكو الفضاء الثقافي لساحة جامع الفنا (تحفة من التراث الشفوي واللامادي للإنسانية)».

تقع ساحة جامع الفنا في قلب المدينة القديمة وتعد ملتقى ثقافيا وفنيا يجتمع فيه فضلا عن سكان الحاضرة، الرواة والبهلوانيون والموسيقيون والراقصون ومروضو الأفاعي والشفاة والعرافون. وتعد كذلك فضاء للتبادل التجاري وفضاء ترفيهيا، كما تعد نموذجا لتخطيط حضري يعطي الأولوية للسكان والتعابير الثقافية واللقاءات والمبادلات. تجسد هذه اللوحة الاعتراف العالمي بالغنى المتميز لهذه الساحة وبالرمز الذي أصبحت تمثله. على عكس الثنائي (الزوج) الصيني، الذي لم يواصل، هو الآخر، مغامرته الفنية بالساحة، بدت الفرقة الإكوادورية محترفة في أدائها، بشكل لافت، الشيء الذي جذب إليها جمهورا بالعشرات. لكن، بعد أكثر من ساعة من العزف، تخللته دعوات إلى المتفرجين لكي ينفحوهم بعض المال، اقتنع الموسيقيون اللاتينيون أن الاعتماد على ما يمكن أن ينفحهم المتحلقون حولهم من دريهمات لن يضمن لهم ما يمكنهم من تلبية متطلبات الحياة، لذلك حمدوا الله على أنهم مرتبطون بعقد مع مؤسسة فندقية، في انتظار العودة إلى مدريد، حيث اعتادوا الاشتغال وكسب ما يضمن عيشهم في إسبانيا، وعيش عائلاتهم على الضفة الثانية من المحيط الأطلسي، حيث بلدهم الإكوادور. وجود الفرقة الموسيقية القادمة من الإكوادور، لم يثر رواد الساحة، فقط، بل منشطيها، أيضا، الذين لم يجدوا إلا أن يبتسموا في إشفاق من حال هؤلاء «الغرباء» الذين جاءوا جامع الفنا لجمع المال. لذلك، قال أحد مروضي الأفاعي ساخرا «كان عليهم أن يمتهنوا شيئا آخر: أن يبيعوا العطشى عصير البرتقال، أو أن يبيعوا المشويات ورؤوس الخراف المبخرة. من المؤكد أنهم سيضمنون أن يملئوا جيوبهم بالمال بشكل لا يصدق. أما الغناء فلن يجدي نفعا. نحن أبناء البلد، نحدث الزوار بالدارجة وكل لغات الأرض، كما أننا نقبل الأفاعي والثعابين ونروضها على مدى ساعات النهار من دون أن نضمن شيئا كثيرا».

استهوت ساحة جامع الفنا، على مدى تاريخها، الشعراء والكتاب، كما سحرت الفنانين، فأرخوا لمرورهم منها. فهي ساحة ظل لاسمها وقع خاص في نفوس هواة السفر والسياحة، قبل أن تنفتح على حاضر ملتبس دفع عددا من الغيورين والمهتمين إلى التحذير من التفريط في رمزيتها وصيتها التاريخي والإنساني، في خضم التحولات المتسارعة التي تشهدها المدينة الحمراء، مما أجبر الساحة على أن تغير جلدها، وهو تغير يكاد يحولها، اليوم، إلى مطعم شعبي كبير، مفتوح في الهواء الطلق.