المغاربة يتبادلون التهاني بسقوط الأمطار الأولى بعد تأخرها

الفرحة تعم المدن والقرى.. وتوجس من الفيضانات

مغاربة يمشون تحت الأمطار في وسط الرباط (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

لم يعد الاهتمام بسقوط الأمطار في المغرب شأنا خاصا بالمزارعين في القرى الذين يتأثرون بشكل مباشر بموسم الجفاف الذي تقل فيه المحاصيل، بل أصبح موضوعا يشغل بال الجميع في المدن والقرى، لأن تأخر الأمطار أو انحباسها كليا مؤشر سلبي وعلامة تنذر بأزمة قادمة؛ فهي التي تدير عجلة الاقتصاد وتحرك الرواج التجاري في مختلف القطاعات، حتى تلك التي يعتقد أنها بعيدة ولن تتأثر بها.

وجاء الفرج مطلع الأسبوع الحالي، بسقوط الأمطار الأولى في موسم الشتاء الحالي، وهو ما تحول إلى مناسبة سعيدة تبادل فيها المغاربة التهاني ورددوا عبارات مثل: «الحمد لله على هذا الخير»، و«مبروك علينا الشتاء».

ونظرا لأهمية المطر، دأب المغاربة على إقامة صلاة الاستسقاء كلما تأخر عن موعده، اقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتقام الصلاة بجميع مساجد المملكة بدعوة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ويشارك فيها المسؤولون الكبار وعامة الناس. وحملت الأمطار الغزيرة التي تساقطت الأسبوع الماضي في مختلف المناطق المغربية أول بشرى للمغاربة، وهي امتلاء السدود بالمياه، فقد بلغ منسوب مياه السدود الرئيسة في المملكة، بمختلف استعمالاتها، 10.07 مليار متر مكعب حتى 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، مسجلا بذلك نسبة ملء تقدر بـ68.3%، حسب وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة.

ما زالت سنوات الجفاف التي عرفها المغرب بين عامي 1981 و1982 ثم بين 1994و1995 حاضرة في ذاكرة المغاربة، بسبب المعاناة التي خلفتها، وانقطاع مياه الشرب عن مدن بكاملها، ناهيك بمعاناة سكان القرى بسبب شح المياه والمؤونة. وبسبب ذلك يسود التوجس والخوف من أن تتكرر تلك المعاناة كلما تأخر هطول الأمطار. فالجفاف يعني أن الكساد سيسود، فلا بيع ولا شراء، ولا احتفالات، وكلما سألت أحدهم عن أحوال تجارته يقول لك: «الحال واقف»، أو «الدنيا ناعسة»، وهي عبارات يرددها المغاربة كلما قل مدخولهم المادي من العمل، وتعثرت أحوالهم المعيشية. وإذا كان هطول الأمطار يثير الفرح لدى المغاربة وتضحك معه الوجوه العابسة، ويقلل من مظاهر السخط والتذمر لدى الناس، فإن سقوطها بكثرة يثير في النفوس المخاوف من حدوث فيضانات، لذلك كلما بدأ المطر السقوط، وردد الناس عبارة أخرى مرتبطة بموسم الشتاء وهي «الله يرحمنا قد النفع»، أي أن تسقط الأمطار بقدر ما تكون مفيدة للأرض وحسب، لأن تأثير الفياضات يوازي تأثير الجفاف، فتنفق المواشي، وتغرق الأراضي الزراعية، وتتلف المحاصيل، ويتشرد العشرات من سكان القرى التي تجرف السيول بيوتهم الطينية، وما زالت فياضات منطقة الغرب التي حدثت قبل ثلاث سنوات حاضرة في الأذهان، إذ هطلت على المنطقة أمطار غزيرة لم تشهد مثلها منذ ما يقارب 40 عاما، فحولتها إلى منطقة منكوبة بسبب حجم الأضرار التي خلفتها، ثم قبلها الفيضانات التي عرفتها مدينة طنجة (شمال المغرب) في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2008 التي خلفت قتلى وأضرارا كبيرة جدا، بسبب الأمطار الطوفانية التي كادت تغرق المدينة بشكل كامل، وخلفت خوفا وهلعا غير مسبوقين بين السكان.

وتبني الحكومة توقعاتها حول معدل النمو الاقتصادي بشكل أساسي على نتائج الموسم الفلاحي وكمية إنتاج الحبوب.

وفي هذا السياق، قال الدكتور عبد الرحيم العطري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد بن عبد الله في فاس، لـ«الشرق الأوسط»، إن المطر له دلالة خاصة في كل المجتمعات، ولكن ترتفع هذه الدلالة في المجتمعات الزراعية، ومنها المجتمع المغربي الذي رغم تطور الصناعة والخدمات يظل مجتمعا فلاحيا بالدرجة الأولى، من وجهة نظره، وأضاف: «نلاحظ أن أول التساقطات المطرية يحدث أثرا إيجابيا بليغا في نفوس المغاربة، سواء في المدن أو القرى. أما لماذا اهتمام سكان المدن بالمطر بنفس اهتمام سكان القرى، فأجاب العطري: «كلنا قرويون، لأن معظم سكان المدن جذورهم وامتداداتهم قروية، لذا ففرحتهم بسقوط المطر مبررة، نظرا لتأثيره الإيجابي على الإنتاج وكل ما ينعش الاقتصاد المحلي». بدوره، لاحظ العطري أن «تبادل التهاني بين المغاربة بمناسبة سقوط الأمطار الأولى يبقى مشوبا بالحذر وتكون فرحة مؤجلة، بنظره، لأن الجميع ما زال يتذكر الكوارث التي تخلفها الأمطار الغزيرة بسبب ضعف البنيات التحتية في المدن، ناهيك بأن نحو ألف قرية تصبح معزولة عن العالم في حال تساقط الأمطار أو الثلوج بكثرة»، على حد قوله.

وقال العطري إن سقوط المطر في البوادي المغربية هو الذي يحسم مصير السكان ومستقبل السنة بكاملها، لذا يطلق القرويون على المحصول الزراعي اسم «الصابة» وهي مشتقة من فعل أصاب، أي ما أصابه الفرد من المحصول. وزاد قائلا إنه «قبل سقوط المطر في البوادي يسود سلوك اقتصادي معين لدى السكان يتميز بالتقشف والحيطة والحذر، لكن بعد سقوط الأمطار والاطمئنان على ما ستنبته الأرض من محاصيل، يختلف سلوك القرويين، وتصبح (الحركة دايرة) على حد تعبير المغاربة، أي الرواج، فيحل الإنفاق بدل التقشف، وتكثر حفلات الزفاف وتنتعش المهن والحرف المرتبطة بموسم الأعراس»، حسب قوله.