معه تأكدت شارون ستون أنها نجمة.. وتيقن عادل إمام أنه الزعيم

الممثلة الأميركية شارون ستون تصافح جمهور مراكش
TT

إنه الجمهور.. ملح المهرجان الدولي للفيلم بمراكش.. المهرجانات من دون جمهور لن تكون لها نفس النكهة.. يحدث نفس الأمر مع الرياضة، حيث إن اللعب أمام مدرجات فارغة يجعل مباريات كرة القدم باردة، واللاعبين دون روح. كذلك الأمر في المهرجانات السينمائية، لا يكون للمرور على البساط الأحمر معنى دون هتافات وتحيات الجمهور، وإلا يدخل النجوم إلى قاعة الحفل الفني كما لو أنهم ذاهبون إلى ندوة تناقش تحديات الجفاف في العالم وندرة المياه على الكوكب.

على امتداد دورات مهرجان مراكش، الذي وصل هذه السنة محطته الـ13، ظلت تتبدل ألوان الملصقات وأشكال المطويات وتتوالى وجوه نجوم الصف الأول العالميين، في مجال التمثيل والإخراج، وظل نفس الإصرار يسكن الجمهور المراكشي لأخذ توقيع أو صورة، إلى جانب هذا النجم أو ذاك. من عادة جمهور مهرجان مراكش أن يوزع حبه على الجميع. يكفيك أن تمثل، يوما، في مشهد، مهما بدا صغيرا، في فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني أو حتى في إشهار، ليطلب توقيعك أو أخذ صورة بجانبك.

قاعات العروض لا تستوعب كل الجمهور الذي يملأ جنبات قصر المؤتمرات. لكن، لا بأس، فبالنسبة للجمهور، يمكن تعويض متعة المشاهدة، فقط، بالوجود، في الجوار. إذا لم يشاهد الممثل على الشاشة، يمكن تحيته على الهواء مباشرة، وهو في طريقه إلى قاعة العرض، لحضور عرض فيلم أو متابعة درس سينما أو المشاركة في تكريم.

خلال دورة هذه السنة، حافظ جمهور مهرجان مراكش على إيقاعه المعتاد، بشكل أضفى على التظاهرة رونقا ونشاطا، ومنح المهرجان قيمة أكبر في عيون نجوم السينما المشاركين: شارون ستون وجولييت بينوش وجمال الدبوز ومارتن سكورسيزي وعادل إمام ويسرا وباتريسيا كلاركسون وآخرون، كلهم حرصوا على تحية الجمهور. هنا، في مراكش، تأكد لشارون ستون أنها نجمة عالمية، فعلا، وتيقن عادل إمام أنه الزعيم، دون منازع. هنا، فقط، يمكن لجمال الدبوز، الممثل والفكاهي الفرنسي، من أصل مغربي، أن يفجر شغبه الطفولي، فيرقص ويتفكه ويضحك، كما يشاء، في ساحة جامع الفنا أو عند مدخل قصر المؤتمرات: إنه، هنا، بين أهله وناسه، ولذلك لا يفعل أكثر من العودة إلى الأصل والأرض، كما في الاسم والنسب.

محمد خيي وإدريس الروخ ومحمد بسطاوي، وممثلون مغاربة آخرون، اندمجوا، هم، أيضا، مع الجمهور، بشكل أكد أنه لا فرق بين سينمائي وآخر إلا بالتميز واعتراف الجمهور: من الممثلين المغاربة من يحمل فنا، ومنهم من يدعيه.

خلال أيام المهرجان، نزل أغلب المدعوين، من الفنانين والإعلاميين والضيوف، بالفنادق التي تجاور قصر المؤتمرات. النجوم الكبار، مثل شارون ستون وعادل إمام ومارتن سكورسيزي، نزلوا بفندق «المأمونية» الشهير. قبل تحوله، عام 1923، إلى فندق باذخ يستقبل مشاهير السياسة والاقتصاد والفن في العالم، كان «المامونية» حديقة تحمل اسم «عرصة مولاي المأمون». في مراكش، لا يمكن الحديث عن علاقة «المأمونية» بـ«عرصة مولاي المأمون» دون استحضار اسم السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله (1710م - 1790م)، الذي تذهب بعض الكتابات التاريخية إلى أن كثيرا من البساتين والحدائق الموجودة في المدينة الحمراء كانت من تخطيطه، وأنه «كان كلما بلغ أحد أبنائه سن الزواج زوجه ووهب له مسكنا خارج القصبة وأحاطه بالبساتين والجنان». وكانت «عرصة مولاي المأمون»، هي هدية زواج السلطان إلى ابنه، الأمير مولاي المأمون، في حين كان من نصيب أبناء السلطان الآخرين حدائق أخرى، في مراكش.

على علاقة بالمهرجان، يحرص منظموه، منذ انطلاقته، على أن يقيم أغلب السينمائيين، الأجانب والمغاربة، وكذا الإعلاميون والنقاد، في نفس الفنادق. لقاء الفنانين المغاربة بالفنانين الأجانب، تعارفهم وتواصلهم في ما بينهم، يبقى أحد أهداف المهرجان. يبدو درس التواضع أول خطوة على طريق التميز وإثبات الذات: الطريقة الراقصة التي ولجت بها شارون ستون منصة التكريم، خلال ليلة الافتتاح، والشعور العارم بالفرحة الذي غمرها لحظة معانقتها وتسلمها نجمة التكريم، من يد مواطنها سكورسيزي، أكد تلك المقولة التي تبرز أن «ملأى السنابل تنحني بتواضع والفارغات رؤوسهن شوامخ». خلال ليلة التكريم الثالثة، صفق جمهور «قاعة الوزراء» طويلا للمخرج وكاتب السيناريو الياباني كوري إيدا هيروكازو. حدث نفس الأمر مع شارون ستون وجولييت بينوش ومحمد خيي وفرناندو سولاناس ووفد السينما الإسكندنافية. يبدو التكريم أفضل طريقة للاعتراف بمسيرة وجهد وتعب وعطاء الفنانين. أن يقف جيش من الجمهور هتافا وتصفيقا لفنان ما، فذلك يفوق كل وصف ولا يمكن أن يقدر بثمن. بدا هيروكازو قمة في التواضع، فكرر نفس درس قصة «السنابل»، حين قال إنه يتسلم نجمة التكريم، في مراكش، عن أفلام جيدة لم ينجزها بعد، وأنه، بعد نحو عشرين عاما من العمل السينمائي، يعد نفسه مخرجا «قليل الخبرة». أحد النقاد المغاربة، قال إنه «سيكون من المفيد لو أخذ ممثلونا ومخرجونا العبرة من تواضع ومسار أمثال هيروكازو، ممن أفنوا سنوات عمرهم في المثابرة والعمل الجاد لإثبات الذات، مع اقتناع دائم بأنهم أبدا صغار في عالم الفن والمعرفة، في الوقت الذي يختار فيه بعض فنانينا حرق المراحل، قبل أن يكتشفوا أنهم لم يفعلوا أكثر من حرق أسمائهم».

المقاهي القريبة من قصر المؤتمرات ظلت تغري ضيوف المهرجان فتدفعهم للجلوس فيها. حين يكثر الإقبال على مثل هذه المقاهي يصير للقهوة طعم مر وللشاي لون مختلف. عرض الأفلام المشاركة لم يشمل الأحياء الشعبية. وحدها ساحة جامع الفنا ضمنت الامتداد الجماهيري للمهرجان بين مختلف الفئات وداخل الفضاءات الشعبية. برمجت العروض، أيضا، في سينما «كوليزي» بشارع جليز، ومركب «ميغاراما» بشارع محمد السادس، في حين واصلت سينما «مبروكة»، التي تقع بممر البرانس، قرب ساحة جامع الفنا، عرض مباريات «الليغا» الإسبانية أكثر من أفلام السينما: في المغرب، كلما زاد مهرجان سينمائي نقصت قاعة سينمائية. حتى ورزازات، المدينة التي تحتضن أحد أكبر استوديوهات التصوير في العالم، ويجري بها تصوير أضخم الإنتاجات السينمائية العالمية، لم تعد توجد بها قاعة سينما.