صوف الباشمينا في كشمير يدافع عن نفسه باستنساخ الماعز

الظروف الجوية القاسية التي شهدها فصل الشتاء أدت إلى إحداث فارق في إنتاج الصوف

نسج شال الباشمينا يدويا في كشمير
TT

تواجه أسراب ماعز الباشمينا الكشميرية، المشهور عالميا، تهديدا بالغا نتيجة تناقص عدد قطيع ماعز الباشمينا الذي يربى في منطقة الهيمالايا الباردة المشتهرة بالعواصف، مما أدى إلى معاناة النساجين الكشميريين وجود نقص شديد في صوف الباشمينا الخام.

وعلاوة على ذلك، نفق ما يقدر بنحو 25,000 من ماعز تشانجرا، التي تربيها قبيلة تشانجباس، وهي قبيلة بدوية في هضبة التبت الخطرة التي تضم ولاية لداخ الهندية، في الصحراء الأشد برودة في العالم ومناطق التبت. وكان السبب وراء نفوق هذه الحيوانات هو الظروف الجوية غير الملائمة وغياب المراعي الماشية.

انخفض إنتاج صوف الباشمينا، التي يقدر إنتاجها نحو 42 ألف كيلوغرام كل عام إلى النصف هذا العام. وتفوق جودة الصوف المأخوذ من هذه الماعز شعر الإنسان الطبيعي بستة أضعاف، كما يستخدم في إنتاج منتجات الباشمينا العالمية من الأوشحة والصدريات والإزار والمعاطف الواقية من المطر، التي تلاقي إقبالا كبيرا في الغرب.

ويقول محمد شريف، مسؤول تربية الأغنام بمنطقة لياه، لمراسلة الصحيفة إن هناك انخفاضا شديدا في صوف الباشمينا.

وأردف شريف قائلا «انخفضت كميات صوف الباشمينا التي يجري شراؤها من مربي الماعز إلى نصف إنتاج العام نظرا لنفوق أعداد كبيرة من الماعز. علاوة على ذلك، أدت الظروف الجوية القاسية التي شهدها فصل الشتاء القارس وجفاف الكلأ في الصيف إلى إحداث فارق في إنتاج الصوف حتى على الرغم من قدرة ماعز الباشمينا على التكييف. وكان السبب الرئيس في نفوق الماعز الجوع أو انخفاض درجة الحرارة».

وأشار شريف، إلى أن هناك ما يُقدر بنحو 200 ألف ماعز في تشانغ تانغ. وتنتج كل ماعز 250 غراما من الصوف في الموسم الواحد.

وتربى قطعان الباشمينا في المناطق التي يقطنها البدو الرحل في منطقة تشانغ تانغ بولاية لداخ الواقعة في كشمير الهندية، التي ترتفع أكثر عن 14,000 قدم عن سطح البحر، تهبط درجة الحرارة في فصل الشتاء إلى أقل من 50 درجة مئوية.

وفي سياق ذي صلة، يقول تسيوان موراب، مسؤول آخر بإدارة تربية الأغنام بمنطقة لياه، «إن تشانغ تانغ عبارة عن منطقة شاسعة مساحتها 42,000 كيلومتر مربع، تتراوح درجات الحرارة فيها بين 43 إلى 45 درجة تحت الصفر. ولا تتضح ضخامة تلك المشكلة إلا في حال زيارة الشخص لهذا المكان، حيث تتعرض إناث الماعز لعمليات إجهاض، بينما تنفق صغار الماعز، التي يصل عمرها إلى عام واحد، بسبب البرد».

وجدير بالذكر أن الأزمة بدأت في أوائل عام 2013، عندما أدى تساقط الثلوج في هضاب تشانغ تانغ بمنطقة لداخ في جامو وكشمير إلى مقتل حوالي 13 في المائة من إجمالي عدد الماعز هناك، بالإضافة إلى تهديد عملية توفير صوف الباشمينا الناعم. وجرى كشف النقاب عن تأثير هذا الأمر عندما بدأت عملية الجز والقص في شهر يوليو (تموز).

وعلى المستوى التاريخي، وفر الحرفيون الكشميريون خام الباشمينا لأجيال لصنع شال الباشمينا الذائع الصيت المنسوج يدويا الذي تبلغ تكلفته ما بين 200 إلى 600 دولار.

وأدت صادرات الباشمينا إلى جلب 160 مليون دولار لكشمير في موسم 2011-2012.

لقد ظلت صناعة بضائع الباشمينا، الحرفة الأساسية، للنساء المسلمات في كشمير، والتي تدر ربحا وفيرا دون حاجة لخروجهن من المنزل. تجري صناعة شال الباشمينا، يدويا دون استخدام ماكينة أو أي وسائل صناعية.

وفي المقابل، فبسبب النقص في خام الباشمينا، يعاني حوالي 65 في المائة من النساء التي تنسج باستخدام الباشمينا، واللاتي يكون أغلبهن مضطهدات وأرامل وليس لديهن أي مصدر آخر للكسب، من الوطأة العظمى لذلك النقص.

كان نقص صوف الباشمينا ضربة مؤلمة لبعض النساء من أمثال حميدة باي، وهي أرملة عملت في مجال غزل الصوف ما يقرب من عقدين من الزمان وقامت بتربية أطفالها الأربعة بعد وفاة زوجها.

وتقول باي «لقد تركت مهنة غزل صوف الباشمينا لأننا لم نعد نحصل على الصوف. فالصوف المتاح في الأسواق، يُباع بأسعار باهظة مبالغ فيها. ولا يستطيع العامل العادي مثلي تحمل تكلفة شراء الصوف الخام». ولكي توفر القوت لها ولابنتها الأرملة، انتقلت باي إلى غزل صوف الأغنام العادي، الذي يُدر بالكاد 3,000 روبية (نحو 50 دولارا) في الشهر. وأردفت باي قائلة «كان غزل صوف الباشمينا مربحا، فقد اعتدت على كسب ما يزيد على 12,000 روبية (ما يقرب من 200 دولار) في كل شهر».

هناك آلاف النساء من أمثال باي، واللاتي تعودن على غزل الباشمينا الخام لكسب قوتهن. وعلى الرغم من عدم وجود بيانات رسمية بشأن العدد الدقيق للنساء المشتغلين بالغزل، حيث كانت إسهاماتهن بمثابة العمود الفقري لصناعة الباشمينا في كشمير.

وعلاوة على ذلك، يساور القلق شاميما واني، البالغة من العمر 42 عاما التي توفر العمل لنحو 2,000 امرأة مسلمة كشميرية، وذلك بسبب ندرة الباشمينا الخام.

وتقول واني «70 في المائة من النساجين الذين يعملون لدي، هم من النساء والأرامل اللاتي ليس لديهن أي مصدر آخر من مصادر الدخل. وتواجه تلك النسبة تأثيرات نقص الصوف. وعندما بدأت عملية جز وقص المعز في لداخ العام الحالي، ارتفعت الأسعار فجأة بسب قلة العرض عن الطلب. وارتفع سعر الكيلوغرام الواحد من صوف الباشمينا من 9,000 روبية إلى 12,500 روبية. وسيتواصل هذا الارتفاع. وعليه، فيجب علي بكل أسف تقليل أعداد النساء العاملات لدي. وتتناسب تلك الوظيفة مع طبيعة المرأة لأنها تسمح لها بأداء الأعمال المنزلية داخل منزلها، فضلا عن كسب الدخل». وأردفت واني أنها تقدم كميات قليلة من صوف الباشمينا إلى الحرفيين الماهرين لغزلها بسبب نقص الباشمينا الخام.

ويقول نذير أحمد، أحد تجار الباشمينا، «سيفكر مليا آلاف النساجين، الذين يغزلون الشال ويحققون دخلا شهريا من 6,000 إلى 7,000 روبية، قبل شراء المواد الخام بمثل هذه الأسعار».

وتعود عملية صناعة الباشمينا إلى شبكة عمل محددة من النساء، المنتشرات عبر كشمير، اللاتي يحولن الباشمينا الخام باستخدام المغزل لصناعة خيوط جيدة من الصوف. وتكون أجود أنواع الباشمينا هي تلك التي عادة ما تغزلها المرأة يدويا لصناعة الشال.

وبعد ذلك، يقوم الحرفيون المهرة بتطريز تلك المنتجات بتصاميم دقيقة للحصول على منتج نهائي يمكن أن يباع بآلاف الدولارات في الغرب.

وقد بدأ مالكو الأنوال، مثل مشتاق أحمد من منطقة ترال الواقعة جنوب كشمير، شراء الصوف من أحد التجار المستوردين للمواد الخام من التبت ومنغوليا.

وأوضح أحمد قائلا «لكن الصوف المستورد لا يمكن أن يضاهي جودة صوف الباشمينا الخاص بولاية لداخ. ويبلغ قطر الصوف من لداخ من 9 إلى 11 ميكرون، في حين يبلغ قطر الصوف المستورد من التبت من 12 إلى 16 ميكرون، فكلما قل القطر، كانت الجودة أعلى».

وبالإضافة إلى ذلك، ينتج هذا الصوف الناعم نحو 42,000 كيلوغرام في كل عام من منتجات الباشمينا العالمية، مثل الدثار والوشاح والصدرية والإزار والمعطف الواقي من المطر، التي تلاقي طلبا شديدا في الغرب.

وفي الوقت الحالي، يعمل في مجال الصناعة المرتبط بالباشمينا في جامو وكشمير نحو 23,000 من النساجين، فضلا عن 2,18,000 عامل مساعد وما يقرب من 85 ألفا من الحرفيين الماهرين.

وتستطيع ماعز الباشمينا البقاء في مستويات أكثر انخفاضا فيما يخص الارتفاع عن مستوى سطح البحر في كشمير، ولا تنتج نفس الجودة من صوف الباشمينا.

ويشير سارفاراز أحمد، أحد الباحثين بجامعة كشمير للزراعة والعلوم، قائلا «في الواقع، يعد صوف الباشمينا الذي تنتجه الماعز في مسكنها الطبيعي بمثابة استجابة بيولوجية للأحوال الجوية شديدة البرودة في المستويات العالية للارتفاع عن مستوى سطح البحر».

وبهدف التعامل مع مسألة تناقص معز الباشمينا، تمكن العلماء بجامعة كشمير للعلوم الزراعية من استنساخ ماعز باشمينا بنجاح في ظل مواصلة الكثير من التجارب لحماية ماعز الباشمينا لأنها تعتبر من المساهمين الأساسين في اقتصاد كشمير.

وخلال السنوات القليلة الماضية، واجه الباشمينا الكشميري بالفعل أوقاتا عصيبة بسبب التأثير السيئ للكثير من المنتجات الرخيصة والمقلدة المصنعة باستخدام الماكينات، التي تأتي من أنحاء متفرقة في الهند، حيث أضرت بمنتجات الباشمينا.

وفي هذا الصدد، يقول رفيق شاه، أحد نساجين الباشمينا، «لا يوجد أي منتج في أي مكان في العالم يضاهي الشال المغزول يدويا والمتماسك الذي يُصنع من الباشمينا، على الرغم من المنتجات المستنسخة من الأصل التي تتدفق باطراد إلى الأسواق بأسعار رخيصة بما يضر برزق النساجين».

وعلاوة على ذلك، يقول مصطفى قادر، البالغ من العمر 70 عاما والذي يعتبر من أفضل نساجين الباشمينا، أن لديه ولدين توقفا بالفعل عن غزل الباشمينا لأن بضائع الباشمينا المقلدة المصنوعة باستخدام الآلات واستخدام الصوف المقبل من الصين ومنغوليا أدت إلى تقليل أجورهما. وأضاف قادر «لقد انخفضت أجورنا اليومية بشكل حاد، مما جعل ابني الاثنين يضطران إلى تغيير عملهما، وفتح محل بقالة». وعلى الرغم من ذلك، ما زال قادر يعمل هو وأحد أبنائه في صنع منتجات الباشمينا المغزولة يدويا.

ويعتبر المشهد قاسيا ومحبطا لحين اتخاذ أي إجراء للحفاظ على ماعز الباشمينا من الانقراض. ويتوقع الخبراء أن آلاف الكشميريين الذين يتاجرون في الباشمينا ربما يتركون هذه المهنة.