مهرجان دبي السينمائي 2: سمير فريد: نقاد اليوم أكثر حظا لأن كل سينما العالم متوفرة لديهم

الناقد المحتفى به قال إن النقد تبلور عنده خلال تعريف سارتر وإليوت له

سمير فريد (إلى اليمين) مع المخرجين داود عبد السيد، الراحل عاطف الطيب، المخرج البحريني بسام الذوادي والمخرج محمد خان
TT

هناك كتابان أصدرهما مهرجان دبي السينمائي الدولي هذا العام أحدهما لافت للنظر كونه نتيجة إحصاء شمل 475 سينمائيا من النقاد والمخرجين العرب (في غالبيـتهم) والأجانب حول أفضل الأفلام العربية في التاريخ وعنوانه «سينما الشغف».

الثاني، وعنوانه «صنع في أرابيا: السينما العربية بين الفرص الضائعة والحاضر الصعب»، هو مراجعة لتاريخ السينما العربية صناعيا وإنتاجيا. بكلمات أخرى هو ليس عملا لتسجيل تاريخ السينما العربية، بل للبحث في شؤون صناعاتها من مصر إلى الدول المغربية ومنطقة الخليج مرورا بدول الوسط الجغرافي مثل لبنان وسوريا والأردن.

كل من هذين الكتابين يؤدي وظيفة مختلفة والتقارب بينهما هو في أنهما يبحثان في سينما عويصة الشأن هي السينما العربية. لكن الأول هو الذي كان مجال الحديث الأكثر انتشارا كون الإحصاء سابقة بحد ذاته والنتائج لا تقل أهمية عن الفكرة ذاتها.

الأفلام العشرة التي نالت إعجاب السينمائيين أكثر من سواها تبدأ من «المومياء» للراحل شادي عبد السلام الذي تم إنتاجه في مصر عام 1969 ونال ما مجموعه 225 صوتا. الفيلم الثاني هو أيضا من مصر وعنوانه «باب الحديد»، ذلك الذي حققه يوسف شاهين سنة 1958 وجمع 180 صوتا.

الفيلم الجزائري «وقائع سنوات الجمر» لمحمد لخضر حامينا (1975) وجلب 152 وفي المركز الرابع فيلم آخر ليوسف شاهين هو «الأرض» (1969) ثم على التوالي: «أحلام المدينة» لمحمد ملص (سوريا - 1983)، «يد إلهية» لإيليا سليمان (فلسطين- فرنسا - 2001) و«كيت كات» لداود عبد السيد (مصر - 1991). في المركز التاسع «بيروت الغربية» لزياد الدويري (لبنان - 1998) وفي العاشر «المخدوعون» لتوفيق صالح (سوريا - 1972) وجمع 77 صوتا.

والقائمة تمتد حتى تشمل مائة فيلم لكن بعد العشرة الأولى يدرك المرء أن المسألة ظرفية وأن أسباب وصولها إلى النتيجة التي وصلت إليها من حيث توزع الاهتمام وما هي الأفلام التي انتمت إلى هذه الفئة أو تلك أو إلى هذا المركز أو ذاك.

والواقع هو أن الاختيارات في نهاية الأمر قد تكون نسبية. فالفيلم الأفضل لدى هذا الناقد قد يكون مختلفا عن الفيلم الأفضل لدى الآخر أو الآخرين جميعا. يعود ذلك إلى مفهوم الواحد لماهية الفيلم الجيد ومزاياه وعناصره. فمثلا في حين يأتي «المومياء» في المركز الأول، ولأسباب موضوعية مقبولة، فإن أحد أفضل الأفلام العربية في التاريخ من الناحية الجمالية كما السينمائية هو «طوق الحمامة المفقود» للتونسي الناصر خمير. ربما كان سيدخل قائمة العشرة الأولى (في قائمة العشرة الثانية) لو أنه شوهد على نطاق واسع.

كذلك ما يجعل «باب الحديد» أفضل من «المومياء» بالنسبة للبعض كونه عن القاهرة في حينه بالإضافة إلى بحث المخرج عن الوضعين النفسي والاقتصادي بين شخصياته في أسلوب واقعي لم ينجز مثله لاحقا.

* حوار الناقد ويتداول السينمائيون هذا الحديث وسواه في جلساتهم. على عكس مهرجانات أخرى، يبرز مهرجان دبي قيمة اللقاءات المتقاربة بين الحاضرين، وقلما تجد شخصا منفردا بنفسه أو لديه من الوقت ما يمضيه بعيدا عن الآخرين. حين يأتي الأمر إلى تبادل الآراء حول الأفلام المعروضة فإن الحديث لا ينقطع. لكن هناك أحاديث أخرى منها ما يتناول المهرجانات العربية ومنها ما يتناول وضعها السينمائي الحالي، وهو ما يصب في صلب الكتاب الثاني «صـنع في أرابيا». لكنك لن تجد من هو راغب في الحديث عن الأوضاع السياسية المحيطة كما لو أن هناك إجماعا حول نبذ السياسة من العمل الفني ومن أجواء اللقاءات لأنها تقف على الطرف النقيض مما تدعو إليه مجمل الأفلام.

بطبيعة الحال، فإن عددا كبيرا من المخرجين والنقاد متواجدون هنا. بعض المخرجين، على سبيل المثال، من بين الذين دخلت أفلامهم القائمة وبعضهم جاء مع أفلامه المعروضة هنا كما أن هناك من تمت دعوته إما للاحتفاء به أو لمجرد الرغبة في حضوره.

من بين السينمائيين المحتفى بهم ناقد معروف صبغ العقود الأربعة الماضية بحضوره الدائم وهو الزميل سمير فريد. ليس فقط أن الاحتفاء به هو احتفاء بالنقد السينمائي العربي بل هو أيضا تقدير لمكانة الناقد الخاصـة في الثقافة السينمائية. وفي حديثه تلمس جوانب من تواضعه ومداركه معا.

* ما الذي يعنيه لك شخصيا ومهنيا هذا الاحتفاء الخاص بك؟

- يعني الكثير. عندما أبلغتني إدارة مهرجان دبي السينمائي الدولي بقرارها الكريم منحي جائزة إنجاز العمر منذ عدة شهور، لم تكن تعلم أن عيد ميلادي السبعين يوم أول ديسمبر (كانون الأول)، وهذه أجمل هدية عيد ميلاد أحصل عليها يوم 6 ديسمبر (كانون الأول) في افتتاح المهرجان.

ومن ناحية أخرى هذا أول تكريم لناقد سينمائي في كل مهرجانات السينما الدولية في العالم فالجائزة تكريم حقيقي للمهنة ممثلة في شخصي. وثالثا أن يأتي التكريم من دبي، فهي قاطرة الحداثة في الخليج حيث يحقق الأبناء أحلام الآباء والأجداد للدخول إلى العصر الحديث.

* بدأت مسيرتك في نهاية الستينات وكنت منذ ذلك الحين قلما فاعلا أكثر من معظم من صاحبك منذ ذلك الحين. كيف تم هذا التأثير؟ إلى أي شيء تعزوه؟

- لا يستطيع الإنسان أن يقوم بتقييم عمله، ولماذا كان فاعلا أكثر من غيره إذا كان ذلك صحيحا. ولكني أظن أن خلفيتي الأدبية والمسرحية كان لها دور أساسي، وكان حظي سعيدا في الأساتذة منذ المرحلة الثانوية. كان أستاذ الأدب العربي في الثانوية أنور المعداوي أحد كبار نقاد الأدب العرب في القرن العشرين، وكان أستاذ التاريخ يونان لبيب رزق، وهو بدوره من كبار المؤرخين في القرن الماضي.

* يـقال: إنه لا تعريف للنقد السينمائي؟ هل هذا صحيح أم أن هناك تعريفا محددا التزمت به؟

- النقد السينمائي مستمد من نقد المسرح.. أرسطو في القرن الخامس قبل الميلاد وضع كل الأسس. تذكر أن السيناريو بالإنجليزية يعني سكرين بلاي، أي مسرحية للشاشة. تعريف النقد عند كل ناقد يتبلور عبر الممارسة، وقد تبلور عندي من خلال تعريف سارتر وتعريف إليوت.. عند سارتر أن النقد علاقة بين ثلاث حريات: حرية المبدع وحرية الناقد وحرية المتلقي. والناقد عند إليوت هو من يستطيع إلقاء أضواء على العمل الفني (قد) لا يراها المتلقي الذي لا يمارس هذه المهنة. ولا تنس القوسين حول قد. النقد عبارة أقوم بتحليل مفرداتها في مقال النقد. مثلا نقول الفيلم الأميركي الروائي الطويل «ماش» إخراج روبرت التمان عام 1970. هذه العبارة تعني أولا تحليل إلى أي مدى هو فيلم، وإلى أي مدى هو أميركي، وموقعه بين الأفلام الروائية الطويلة، وموضوعه وأسلوب التعبير عن هذا الموضوع، أو مدى التلاحم العضوي بين الشكل والمضمون، ثم موقعه بين أفلام مبدعه، ثم موقعه في زمانه. ما معنى أنه إنتاج 1970.

* ما هي سمات النقد السينمائي المصري وهل يختلف - إذا اختلف - عن ذلك اللبناني أو الإماراتي أو المغربي؟

- هناك سمات للنقد السينمائي أو المسرحي في كل بلد يرتبط بثقافته ومشاكله وتاريخه.

* هل تعتقد أن النقد يمكن أن يكون بناء أو هداما أم هذان التعريفان مختلقان أساسا؟

- لا يوجد نقد بناء ولا نقد هدام، يوجد نقد أو شيء آخر.

* من هم من بين نقاد اليوم والأمس تعتبرهم تركوا أثرا فعليا في مسار النقد السينمائي والثقافة السينمائية بشكل عام؟

- كثيرون منذ خمسينات القرن الميلادي الماضي، منذ جيل يحيى حقي وأحمد الحضري وهاشم النحاس وأحمد راشد وفتحي فرج وصبحي شفيق في مصر، إلى جيلي في الستينات ثم في العقود التالية. نقاد اليوم أكثر حظا فكل سينما العالم في الماضي والحاضر متوفرة لديهم بكل سهولة، على النقيض من الأجيال السابقة.

* في السنوات الأخيرة، ربما خصوصا من بعد 2001 زاد اهتمامك بالكتابة السياسية. كيف تفسر ذلك؟

- أهتم بالسياسة منذ البداية، وليس فقط بعد 2001..، فالسياسة لا تنفصل عن السينما ولا عن أي شيء.. ولكن بعد سنة 2001 أصبح هناك عالم جديد بعد 11 سبتمبر (أيلول)، وبعد 2011 أصبح هناك عالم عربي جديد.. ثم هناك العمود اليومي في «المصري اليوم» منذ عشر سنوات تقريبا.. إنه يفرض المزيد من الاهتمام بالسياسة بحكم طبيعته.

* هل من الأفضل توسيع إطار الكتابة بالنسبة للناقد أو أن الالتزام بالنقد السينمائي والتوصـل من خلاله إلى تنوير المتلقي سياسيا أو اجتماعيا أو ثقافيا هو السبيل الأصح؟

- هذا يتوقف على الناقد نفسه، ولكل كاتب اختياراته ومنهجه.

* ما الهاجس الذي سيشغلك خلال فترة تحضيرك لمهرجان القاهرة المقبل؟ ومتى قد تجد أنه من الصعب عليك الاستمرار في العمل؟

- بالنسبة لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي يشغلني أن يصبح «مؤسسة»، وليس في «جيب» رئيس المهرجان، وهذا ما كان، وما أعمل على تغييره. ولذلك شكلت مجلس إدارة من رؤساء كل المؤسسات الحكومية والشعبية المعنية بالسينما في مصر، بالإضافة إلى سبعة مخرجين على صلة قوية وعميقة بالمهرجانات الدولية، وهم يسري نصر الله وتهاني راشد وأحمد عبد الله السيد وسعد هنداوي وماجي مرجان وهالة جلال وأحمد ماهر.. وهذا المجلس يتخذ كل القرارات.. وإذا فشلت في تحويل المهرجان إلى مؤسسة لن أستطيع الاستمرار..

* هل أنت راض عن انتشار النقد والإخراج كسلعتين رائجتين هذه الأيام؟ بكلمات أخرى: ما رأيك في الكثرة العشوائية التي باتت تتصدر كلا المهنتين؟

- لا توجد مشكلة فيما تطلق عليه انتشار الإخراج.. الكاميرا الآن مثل القلم كما قال أستروك، والفيلم مثل الكتاب كما حلم جريفث عندما سألوه عام 1916 كيف ستصبح السينما عام 2016.. ولا توجد مشكلة فيما تطلق عليه انتشار النقد أيضا.. الزمن وحده كفيل بالحكم على الإبداع والنقد معا.. ما الذي يؤثر ويبقى وما الذي يتلاشى.. كلنا في مسابقة الزمن الكبرى.. ولهذا استبعدت من لائحة مهرجان القاهرة الجديدة تعبير «خارج المسابقة» واستبدلته بتعبير «عروض خاصة».. أكرر كلنا في مسابقة الزمن الكبرى..