قباب إسطنبول وأزياء السلاطين العثمانيين توصل دار أزياء تركية للفوز بـ «جائزة عبد اللطيف جميل للفنون»

بعد منافسة قوية بين عشرة فنانين

عمل الفنان المغربي منير فاطمي (متحف فيكتوريا آند ألبرت)
TT

أعلن في متحف فيكتوريا آند ألبرت بوسط لندن أمس عن العمل الفني الفائز بجائزة «جميل للفنون» في حفل حضره فادي جميل رئيس مشروعات «عبد اللطيف جميل لخدمة المجتمع» ورئيس المتحف مارتين روث، وحصلت على الجائزة المرموقة علامة الأزياء التركية «ديتشي كاييك» التي أسستها الشقيقتان عايشة وإيجي عام 1992 عن عمل استوحيت فيه أزياء السلاطين العثمانيين وقباب المساجد والقصور.

وخلال حديث مع «الشرق الأوسط» مع إيجي قالت بأن «العمل هو من مجموعة متكاملة بعنوان (إسطنبول مدينة المتناقضات) مكونة من 27 زيا، عرضت في عدد من المتاحف العالمية في باريس وأمستردام وإسطنبول». وأضافت المصممة أن «اختيار العمل للمنافسة على الجائزة كان مفاجئة بالنسبة لها»، مضيفة «صممنا هذه المجموعة للتعبير عن قصة مدينة إسطنبول وهي أزياء مختلفة عن الأزياء التجارية الحديثة التي ننتجها». وعبرت عن أملها أن تعرض المجموعة كاملة في المستقبل.

وعلق مارتن روث مدير المتحف ورئيس لجنة التحكيم أن «أعضاء اللجنة انبهروا بالطريقة التي استخدمت فيها الموتيفات الإسلامية ونقلها إلى عالم الأزياء الحديثة». وأضاف أن «عائشة وإيجي نجحتا في تحويل الأنماط المعمارية إلى عالم الأزياء بشكل يظهر قدرة التقاليد الإسلامية الفنية من شكل لآخر بسهولة وسلاسة».

ويجب القول: إن الأعمال المختارة هذا العام شكلت مجموعة قوية، الأبرز حتى الآن في عمر الجائزة، وتفاوتت الأعمال التي ابتكرها الفنانون العشرة، وهي أعمال مستوحاة من التراث الإسلامي، واستخدم فيها مواد ونقوشا خاصة مستمدة من الفن الإسلامي التقليدي. وتراوحت ما بين الأزياء التقليدية إلى التراكيب المنحوتة المصنوعة من قطع الآجر الطينية، ومن الموزاييك العاكس إلى التراكيب الرقمية المستوحاة من المنمنمات الفارسية التقليدية. وتحمل الكثير من القطع الفنية إشارات إلى الهوية الثقافية «الهجين» للفنان، إضافة إلى التناقض بين القديم والجديد، وبين البساطة والزخرفة، وبين الوطن والمنفى.

زيارة معرض المرشحين للجائزة تعد متعة في حد ذاتها وبعد التجول حولها لا نستطيع إلا أن نتمنى المستحيل وهو أن يفوز معظم المشاركين بالجائزة المنشودة، ولكن حسب ما ذكرت إحدى المحاضرات فالمهم هو العمل المشارك والجائزة أمر تقديري. أشاركها الرأي خاصة بعد رؤية الأعمال المعروضة، كل منها يجذبك بشكل مختلف وكلها تشير إلى فنانين متميزين لهم بصمة وشخصية واضحة.

على يمين المدخل يجلس الفنان الأذربيجاني فائق أحمد القرفصاء قريبا من عمليه «مجوف» و«رقمي» والذي يعرض من خلاله قطعتان من السجاد التقليدي تبدو تقليدية الطابع في معظمها ما عدا جزء منها يبدو للوهلة الأولى كأنه ينتمي إلى قطع مختلفة، النظرة الثانية تظهر لنا امتدادا في الألوان والخيوط ولكن الشكل نفسه يتغير. ففي عمل «مجوف» نجد الأشكال في الجانب الأعلى من السجادة تتهاوى وتتخلى عن استقامتها وتوازنها، أما السجادة الثانية فتتحول الرسومات في النصف الأعلى إلى مربعات ملونة. تشير بطاقة المعلومات المعلقة إلى الجنب إلى أن الفنان يستخدم «تشويش أو تفكيك الخطوط التقليدية ليقول: إن الأفكار التي شكلت عبر العصور يمكن أن تتغير في دقائق». يقول لنا الفنان «ما أريد أن أقوله هو أقرب إلى التساؤل حول التراث (الإسلامي) التاريخي وقواعده المتينة، أراها هنا طيعة ويمكن تغييرها. التمسك بالتقاليد والتراث قوي جدا في أذربيجان فعلى سبيل المثال تحرص كل عائلة على وضع قطعة من السجاد التقليدي في منزلها حتى وإن كان طابع المنزل كله حديثا، كأنهم يقولون (نحن ننتمي إلى هذا المكان وهذه ثقافتنا). الطريف أنه وضع التصميم على الكومبيوتر وأعطاه للحرفيين لتنفيذه، ولكن البعض رفض أن ينفذ الرسومات كما أرادها الفنان قائلين بأنها ضد الثقافة الأذربيجانية».

ومن عمل الفنان فائق أحمد إلى عمل الفنان المغربي منير فاطمي الذي ينعكس على الحائط عبر ماكينة عرض، العمل جاذب بشكل كبير، يعرض لنا مجموعة متقاطعة من التروس المتحركة يحمل كل منها أحرفا وكلمات نقرأ منها «لفظ الجلالة وبعض الآيات القرآنية، هناك أيضا زخارف إسلامية تتحرك بنفس الوتيرة ضمن الحركة المنظمة للتروس والتي تبدو كأنها تتحرك للأمام بشكل منتظم. العمل بعنوان (العصور الحديثة، تاريخ الآلة)».

وكما تحول الحائط إلى عامل فعال في عرض فاطمي، نجد تحت أقدامنا وعلى امتداد القاعة سجادة ضخمة من الإسمنت، مقسمة إلى مربعات محفور عليها كلمات مبوبة بالحرف، حواف السجادة مكون من سلاسل معدنية متداخلة. تأثرت ندادبس كما أشارت في حديث لصحيفة «فايننشيال تايمز» بالأساطير العربية وبالسجادة الطائرة، ولكن استخدامها للإسمنت وسلاسل الحديد يعود بها إلى الواقع «الثقيل» في العالم العربي كما تسميه.

الخط العربي يبدو سائدا في أغلب الأعمال هنا، فمن عمل دبس نجد أننا ننجذب إلى عملين للفنان السعودي ناصر السالم وهو أول سعودي ينافس على الجائزة. ناصر الذي عرض أعماله من قبل في السعودية والخليج ولندن يتنافس بعمله «كل» ويشير إلى العمل بقوله «التكرار للكلمة هنا يعود بنا إلى الخالق، فكل شيء في الكون ينتهي بنا للتفكير في الخالق». الحرفان يتكرران تدريجيا ويجذبان الناظر إلى العمق، يقول: «التدرج من أصغر الأشياء التي لم نكتشفها بعد إلى ما هو أكبر وأوسع، العالم بأكمله بمجراته وكواكبه».

العمل الآخر تركيب وهو تنويع على جملة «اهدنا الصراط المستقيم» عبر جهاز تخطيط القلب، ولوحة مرسومة للخط الذي يظهر على الجهاز. نتبين الأحرف المكونة للجملة ولكن الفنان يتلاعب ببراعة بفكرة تخطيط القلب وبالخطوط التي تصعد وتهبط مسجلة حياة الإنسان وهي أيضا التي تعبر عن عثراته وثباته على الخط المستقيم. «عادة يقوم الأطباء بعمل تخطيط للقلب لمعرفة إذا ما كان الإنسان مريضا أم لا، وهذا ما تعبر عنه الخطوط في عملي هذا، فالإنسان في حياته يخطئ وتتفاوت عثراته من صغيرة إلى كبيرة». المعروضات تتنوع في خاماتها وموادها فمن الإسمنت إلى الحبر إلى المعادن والبلاستيك التي حورتها الفنانة فلوري سالنوت إلى حلي.

أكثر المعروضات تحمل رسالة وموقف للفنان يعبر عن الواقع، وتأخذ السياسة نصيبها في أعمال سالنوت التي استمدت عملها من مشروع أقامته للنساء في معسكرات اللاجئين في إرب أفريقيا. وفي عمل لورين مارشال الذي يبدو من بعيد كبساط ملون يجذب العين بتفاصيله ولكن بالتدقيق فيه نكتشف أن الفنان قد رسم التفاصيل باستخدام البهارات، وعلق على عمله في حديث لوكالة رويترز أن البساط الذي يمكن أن «تبعثره بعض الرياح» يعبر عن هشاشة حياة البعض في فلسطين.

يشير مارتين روث مدير متحف فيكتوريا آند ألبرت إلى أن الرسالة السياسية جزأ مهم من الأعمال المقدمة ويقول: «لن تستطيع تجاهل تلك الرسالة، وإذا فعلت فأنت ترتكب خطأ كبيرا».

ويتم تقدير جائزة جميل للفن الإسلامي كل عامين، وهي جائزة تتميز بطابعها العالمي، حيث إنها مفتوحة لمشاركة جميع الفنانين في كل أنحاء العالم وليست مقصورة على الفنانين المسلمين أو الفنانين من العالم الإسلامي. وتتم المشاركة في الجائزة عن طريق الترشيح.