جدل في فرنسا حول تقرير يدعو لإعادة النظر في شروط دمج الأجانب في المجتمع

يدعو إلى تعليم العربية في أرقى المدارس والاعتراف بالمكون العربي ـ الشرقي للهوية الفرنسية

مارين لوبن زعيمة اليمين المتطرف تعد التقرير بمثابة «إعلان حرب على الفرنسيين الذين يطالبون بوقف الهجرات المكثفة»
TT

\أثار تقرير طلبته رئاسة الحكومة الفرنسية حول انخراط المهاجرين الأجانب في المجتمع الفرنسي موجة من ردود الفعل الحادة التي تذكر بما عرفته فرنسا في السنوات الماضية بمناسبة النقاشات حول الهوية الوطنية أو منع الحجاب والشعائر الدينية في المدارس والأماكن العامة. واغتنمت المعارضة اليمينية وكذلك اليمين المتطرف هذه الفرصة الجديدة لشن هجوم عنيف على الحكومة اليسارية متهمة إياها بـ«تدمير النموذج الجمهوري» الفرنسي وضرب قيم العلمنة وتهديد أسس المجتمع.

واندلع الجدل مع نشر خلاصات تقرير رفعته لجنة من الخبراء كلفها رئيس الحكومة بتقديم توصيات له حول موضوع تحسين انخراط المهاجرين الأجانب، خصوصا من جاءوا من بلدان أفريقيا والمغرب العربي أو المستعمرات الفرنسية السابقة، الذين يعانون التمييز في المدرسة والوظيفة والسكن وغيرها من الخدمات العامة.

وكانت بعض أجنحة اليسار قد أخذت على الرئيس فرنسوا هولاند «تناسيه» لأحد وعوده الانتخابية القائل بتوفير حق الاقتراع في الانتخابات المحلية للمهاجرين الذين تتوافر لديهم بعض الشروط.

وكانت اللجنة رفعت تقريرها إلى جان مارك أيرولت في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن موجة الجدل اندلعت مع نشر صحيفة «لو فيغارو» اليمينية خلاصاته يوم أمس الذي تحول إلى ما يشبه «حرب داحس والغبراء» بين الحكومة ومنتقديها.

يدعو التقرير المكون من خمسة فصول إلى إعادة النظر في سياسة الانخراط وإنهاضها على دعامتين رئيسيتين، هما محاربة كل أنواع التمييز التي يعانيها المهاجرون من جهة، والتشديد على المساواة في الحقوق من جهة أخرى. بيد أن أهم ما جاء فيه دعوته لـ«الاعتراف» بما جاءت به موجات الهجرة المتعاقبة إلى فرنسا في «تشكيل» هوية الأمة.

كذلك يوصي التقرير بتخصيص يوم وطني للاحتفال بما جاءت به الهجرات وإقامة «متحف المستعمرات». وامتدادا لهذا التوجه، يحث التقرير على ضرورة إعادة كتابة تاريخ فرنسا وإدخال مواضيع مثل الهجرات والعبودية وتجارة الرقيق في المناهج المدرسية وتحسين تعليم لغات المهاجرين، وعلى رأسها اللغة العربية التي يدعو إلى إدخالها إلى أرقى المدارس الفرنسية. وجاء في التقرير ما حرفيته أنه «يتعين على فرنسا أن تعترف بالمكون العربي - الشرقي في هويتها كمثل اعترافها بالمكونات الأخرى، وأن تتخلى عن النظرة ما بعد الاستعمارية».

ولعل ما أثار اليمين هو دعوة التقرير إلى «حذف كل النصوص القانونية والتنظيمية التمييزية في المدرسة، مثل منع الحجاب»، أي العودة على قانوني منع الحجاب في المدارس والإدارات والنقاب في الأماكن العامة. وفي رأي أصحاب التقرير، فإن المقترحات المقدمة هدفها تحسين شروط «العيش المشترك» ومنع استهداف الأشخاص بسبب انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو لون بشرتهم.. وينتظر أن يلتئم اجتماع حكومي بداية العام المقبل للنظر في هذه التوصيات.

بيد أن اليمين، وحتى بعض اليسار، لم ينتظر هذا الموعد؛ إذ فتحت نار جهنم على الحكومة واليسار، وسارع رئيس حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، اليميني جان فرنسوا كوبيه، إلى توجيه رسالة مفتوحة لرئيس الجمهورية يدعوه فيها لوأد التقرير ومقترحاته؛ «لأنه يشكل قطيعة تامة مع رؤيتنا للانخراط في الجمهورية ولقيم فرنسا».

نبه كوبيه الذي اتهم اليسار بالقيام بمناورة سياسية لإنعاش اليمين المتطرف، إلى «المخاطر» التي تهدد أسس الجمهورية في حال جرى تطبيق هذه المقترحات وإن في حدها الأدنى؛ لأنها تنسف تقاليد فرنسا بصهر المهاجرين الجدد في بوتقة الأمة الفرنسية، وترجح بالتالي قيام تجمعات عرقية طوائفية على غرار النموذج الأنجلو - سكسوني.

ولم تتأخر مارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف في استهداف الحكومة واليسار، معتبرة التقرير بمثابة «إعلان حرب على الفرنسيين الذين يطالبون بوقف الهجرات المكثفة وإعادة التأكيد على قوانين وقيم الجمهورية».

وجاءت الانتقادات الأخرى كتنويعات على هذا الخط، فقال فرنوسا فيون، رئيس الحكومة اليميني السابق، إن التقرير يدعو لقيام أمة «من موزاييك الطوائف، وهو ليس إعادة لتأسيس فرنسا، بل تدمير لفرنسا ولقيمها ولمواطنيها»، مضيفا أن تنفيذ المقترحات يعني «وضع المعتقدات الدينية فوق قيم الجمهورية».

إزاء هذه الحملة، سعى رئيس الحكومة إلى تفكيك «القنبلة الموقوتة»، متهما رئيس الحزب اليمين الرئيسي بـ«الكذب» و«مجافاة الحقيقة»، مؤكدا أن ما هو مطروح هو بمثابة مقترحات وليس مقررات حكومية. واتهم أيرولت جان فرنسوا كوبيه بـ«انعدام حس المسؤولية»، نافيا أن تكون الحكومة بصدد السماح بعودة الشارات الدينية إلى المدارس، في تلميح إلى الحجاب.