«معرض بيروت للكتاب» يحتفل مقاوما الانفجارات والصقيع

رشا الأمير صاحبة «دار الجديد»: نسعى من أجل معرض موحد ومتعدد اللغات يلائم المستقبل

بعد ثلاث سنوات من الثورات الدموية.. الكتب الغزيرة التي حاولت أن تواكب الثورات تحليلا وتأريخا هي التي تنال الحظوة
TT

«لا ثورة بلا كتاب»، شعار مكتوب بالخط العريض ترفعه «دار رياض الريس» على مدخل «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» في بيال. فمنذ اندلاع الثورات العربية والقراء مشغولون بها عن كل ما عداها. تنخفض المبيعات وتغلق الأسواق في وجه الناشرين، لتلتحق بالعراق الغائب منذ سنوات، كل من مصر وليبيا وسوريا، وحتى تونس أم الثورات كان معرضها هذه السنة «كابوسا» على الناشرين الذين يقولون إنه بالكاد غطى مصاريفه.

من غرائب الأمور أن «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» في دورته 57 الذي افتتح في الأول من الشهر الحالي، وكان الناشرون يتخوفون مما سيكون عليه بسبب رداءة الأوضاع الأمنية والتفجيرات التي سبقته، لا يشكو سوء الحال. بالعكس تقول رانيا المعلم، مديرة التحرير في «دار الساقي»: «لا يختلف الأمر كثيرا عن العام الماضي، صحيح أن الزوار يبدون أقل عددا، لكن ما فائدة حركة بلا بركة. هذه المرة المتجولون يشترون، وقد أصدرنا 40 كتابا جديدا مثل العالم الماضي، والتواقيع تسير على قدم وساق». «الطلبيات أيضا التي تشحن إلى دول مختلفة لم تتأثر إلا بنسب ما تزال مقبولة، وهذا يعني أن الكتاب لا يزال بخير».

رنا إدريس صاحبة «دار الآداب» تتحدث أيضا عن 40 إصدارا جديدا، وإقبال يستحق الاحتفاء، وقراء يسألون عن كتب إدوارد سعيد وإلياس خوري، وحنان الشيخ، وهدى بركات وسماح إدريس وشوقي بزيع ومحمد شمس الدين، والروايات التركية المترجمة الرائجة هذه الأيام. توجه رنا إدريس «تحية إلى القارئ اللبناني، الذي لا يخذل معرضه أبدا، ومهما كانت الظروف يأتي من كل المناطق غير عابئ بالوضع الاقتصادي العديم والظروف المناخية العاصفة». وتشدد إدريس على أن كل الظروف تعاضدت ضد الناشرين هذه المرة «من التفجيرات التي سبقت المعرض، إلى المخاوف من انزلاق دراماتيكي للوضع الأمني، إضافة إلى الثلوج التي اجتاحت البلاد والصقيع، ومع ذلك القارئ اللبناني موجود».

لا تريد الأديبة رشا الأمير، وصاحبة «دار الجديد» رغم احتفائها بالمعرض ووصفها إياه بـ«الجيد جدا هذه السنة» أن تركن إلى الوضع الحالي؛ ففيما يتغير العالم، وتتموضع الدول والمهن والصناعات، ومنها صناعة الكتب بتحولها من ورقي إلى إلكتروني، وتتبدل الخرائط، تطلق الناشرة صرخة لكل العاملين في مجال الكتب في لبنان مطالبة بضم «معرض الكتاب العربي» إلى «الفرانكفوني» الذي يقفل أبوابه عادة قبل أيام من انطلاق المعرض العربي. رشا الأمير بدأت اتصالات مع كل من يهمه الأمر، وخاصة الفرنسيين، الذين يرحبون بالفكرة، تشرح الأمير: «تزداد قناعتي بالمعرض الموحد، وبتعدد اللغات في مكان واحد. صار للفرنسيين مصلحة في الاندماج، وهم يعبرون عن ذلك. لا بد أنهم يدركون أن الفرانكفونية كمنظومة سياسية لم تنجح، وأن حوارهم مع اللغات الأخرى سيعود عليهم بالنفع».

تتحدث الأمير عن مستويين للكتاب يجب التفكير فيهما: «مستوى تجاري، وليس هذا ما يهمني في الوقت الحاضر، والثاني هو مستوى المصير. وأقصد مصير المنطقة التي تتحدث لغات عدة. الفرانكفونية أقلية وكذلك الإنجليزية في لبنان، ومثلها الأرمنية. العالم كله صار عبارة عن أقليات. ها هم الإيرانيون يشاركون هذه المرة، وعلينا أن نأتي بالأتراك، وكل من يهمه الأمر، لماذا لا نتصل بدور مغربية وجزائرية ونقنعها بالمجيء ونشرح لها الجدوى. بيروت لا تزال مكانا جميلا للقاء والاحتفال. نريد معرضا يشبهنا، ويشبه إمكانياتنا. لا يسعد الغرب ولا يخون لغتنا. نحن لا نريد معرضا فترينه مثل فرانكفورت. ليست هذه حاجتنا ولا مطلبنا. نريد أن نلتقي في معرض كتاب يعكس تعدديتنا، بذكاء وأريحية، وليس بروح استشراقية».

تفكر رشا الأمير بوضع الكتاب المؤزم عالميا، وترى أن علينا أن نفكر كيف نتعامل مع العولمة كأفراد وجماعات، ونستفيد من مسارها لما يخدم مصالحنا. الكتاب حامل، وهو رمز، والمعارض عبارة عن مختبرات رمزية. و«في هذه اللحظة الدموية والمخيفة يجب أن لا نخاف، بل أن نفكر ونتحرك». تضيف رشا الأمير: «نقول للجميع: أهلا وسهلا بكم عندنا معرض جميل، ولدينا ما نقوله للعالم بكل لغاته».

الأمير تسعى من خلال اتصالات تتجاوز الفرنسيين إلى أوروبيين آخرين وأميركيين وعرب لإقناعهم بالمشاركة مع تأكيدها أن النادي العربي، أي الجهة المنظمة للمعرض العربي، منفتحة على كل جديد.

تصر الأمير على أن «المعرض الموحد والتعددي سيحقق النقلة النوعية للكتاب وقرائه، تليق بالمرحلة الانتقالية التي نعيش». فالمعرض بصيغته الحالية، ومع الظروف الراهنة، يسعد الناشرين لأنه لا يتقهقر، لكن من الصعب القول بأنه يحقق قفزة إلى الأمام، كما يشرح نبيل مروة صاحب «دار الانتشار العربي»: «فالتواقيع والجانب الاجتماعي للكتاب لا يزال يلعب دورا في جلب الزوار. مع تسجيل أهمية كبرى للترويج الذي تستخدم له مواقع التواصل الاجتماعي، وبات لها دور كبير جدا خاصة في تسويق مؤلفات الكتاب الشباب».

تصعب معرفة مزاج القراء بعد ثلاث سنوات من الثورات الدموية، ولا يبدو أن الكتب الغزيرة التي حاولت أن تواكب الثورات تحليلا وتأريخا هي التي تنال الحظوة. على العكس الثورات لا تزال قائمة، وما يعني القارئ هو أخبارها الطازجة، هناك هروب إلى الروايات برأي رانية المعلم ورنا إدريس، بينما يرى نبيل مروة أن الكتب الفكرية لها سوقها أيضا، وداره المتخصصة بهذا النوع من المؤلفات باعت بشكل ممتاز في المعارض العربية.

يبقى أن الكتاب العربي بمعارضه ومكتباته ليس البضاعة الأكثر رواجا، وناشروه يقبلون بالموجود، لصعوبات كبيرة في الوقت الحالي، لكن البعض الآخر وهم لا يزالون قلة قليلة يعتقدون أن الخلاص هو بالخروج من المنطق الحالي برمته والذهاب لتبني مفاهيم جديدة بالتعامل مع الكتب.