بيتر أوتول: ثمانية ترشيحات ولا أوسكار!

تنبأ الأطباء بموته «قبل 38 سنة»

كما بدا في «البديل»
TT

«أداء بيتر أوتول المبهرج وعيناه المحدقتان (أمران) يحرفان من معرفة من هو لورنس الحقيقي».. هكذا كتب الناقد والمؤرخ البريطاني ديفيد تومسون قبل خمسة أعوام عندما وضع كتابه الثري «هل شاهدت؟» Have You Seen، مستعرضا بين ألف فيلم وضعها للمراجعة النقدية، فيلم «لورنس العرب» الذي اضطلع ببطولته بيتر أوتول الذي توفي يوم الأحد، أول من أمس، عن 81 عاما.

وهي حقيقة. أداء أوتول في «لورنس العرب»، الذي حمله إلى شهرة عربية وعالمية واسعة سنة 1962، يعتمد كثيرا على وسامة لافتة وعينين زرقاوتين متفحصتين وتجسيد قد لا يلتقي مطلقا مع شخصية لورنس الحقيقية، لكن تجسيد تلك الشخصية بسلوكياتها وتفاصيلها لم يكن الوارد في بال المخرج ديفيد لين، بل استخراج مغامرته في «الأرابيا»، حينما تم إرساله إلى الحجاز بهدف «توحيد العرب» ضد العدو العثماني، كما يرد في الفيلم.

* إخفاقات الجائزة الكبرى

* وفي حين أثار الفيلم لغطا عربيا كبيرا بين معجب ومؤيد في مواجهة معارضين ومتوجسين، قضم في حفلة الأوسكار التي أقيمت له في العام التالي (1963) سبعة أوسكارات من بين تسعة رشح لها. فإذا به يختطف أوسكار أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل تصوير (فردي يونغ) وأفضل تصميم ديكور (جون بوكس، جون ستول، داريو سيموني) وأفضل صوت (جون كوكس) وأفضل توليف (آن كوتس) وأفضل موسيقى (موريس جار). الأوسكاران اللذان لم يتحققا هما أوسكار أفضل سيناريو مقتبس، الذي وضعه بفخر روبرت بولت ومايكل ولسون، وأوسكار أفضل تمثيل الذي طمح إليه بيتر أوتول، لكن الجائزة ذهبت حينها إلى غريغوري بك عن فيلم «لقتل عصفور ساخر» To Kill a Mocking Bird. لم يكن غريغوري أفضل من بيتر كثيرا، لكنه جسد شخصية المحامي المدافع عن قضية عنصرية بتناسق واضح مع الشعور الطيب المنتقد للعنصرية في الجنوب الأميركي.

إذا كان عدم فوز بيتر أوتول بالأوسكار عن هذا الفيلم أمرا غريبا (ولو في حدود خروج النتائج بما لم يكن متوقعا) فإن عدم فوزه بأي أوسكار في حياته (باستثناء تلك اللفتة الإجمالية عن كل أعماله سنة 2003) هو أمر أكثر غرابة، علما بأن مجموع المرات التي رشح الممثل للأوسكار الأميركي تبلغ ثمانية. فما بدأ بـ«لورنس العرب» من إخفاق تبع سلسلة ترشيحات مخفقة أيضا لأدواره في «بكت» (1964) و«أسد الشتاء» (1968) و«وداعا، مستر تشيبس» (1969) و«الطبقة الحاكمة» (1972) و«البديل» (1980) و«سنتي المفضلة» (1982) و«فينوس» (2006).

لكن أوتول ربح الـ«غولدن غلوبس» أربع مرات أولها جائزة عن «أفضل وجه واعد» ثم عن «بكت» و«أسد الشتاء» و«وداعا مستر تشيبس».

* قبل لورانس وبعده

* ولد الممثل العالمي في الثاني من أغسطس (آب) سنة 1932 في آيرلندا (أب آيرلندي وأم أسكوتلندية) ولو أنه ترعرع في مدينة ليدز (التي حقق فيها الفرنسي أوغست دو لا برينس أول فيلم تم تصويره على شريط وذلك سنة 1888) وبداية عمل فتى مكتب في صحيفة «يوركشاير إيفننغ نيوز» ثم توجه إلى المسرح بعدما بلغ السابعة عشرة سنة. بعد ذلك هو في البحرية البريطانية عامل اتصالات، ثم عاد إلى الحياة المدنية بعد عامين لينخرط في دراسة الدراما لجانب ثلاثة آخرين أصبحوا نجوم السينما البريطانية أيضا وهم ريتشارد هاريس وآلان بايتس وألبرت فيني (الأخير هو وحيدهم الذي لا يزال على قيد الحياة).

مثل كثيرين، بدأ وقوفه أمام الكاميرات في أعمال تلفزيونية وذلك من عام 1956. بعد أربع سنوات وقف في دور روبين مكروغر في اقتباس عن رواية روبرت لويس ستيفنسون (أخرجها روبرت ستيفنسون - لكن لا قرابة) «مخطوف». البطولة عقدت لبيتر فينش، لكن أداء أوتول مهد له دورا رئيسا في ثاني أفلامه «اليوم الذي سرقوا فيه مصرف إنجلترا The Day They Robbed the Bank of England من إخراج جون غيلرمن. في عام 1960 أيضا استعان به الأميركي نيكولاس راي ووضعه أمام أنطوني كوين و(الإيطالي) كارلو جيوستيني في بطولة «أبرياء متوحشون». مباشرة بعد ذلك «وفي إثر ثلاث حلقات تلفزيونية بعنوان (مواعيد)» اختاره ديفيد لين ليضطلع ببطولة الفيلم الذي سيشكل العلامة الفارقة له ولعمر الشريف «عالميا».

«لورنس العرب» كان فيلما من النوع الذي يفرض على مشاهديه حب المخرج ديفيد لين للسينما. أو بالأحرى للنوع السينمائي الذي يفضله ذلك المخرج: ملحمي، كبير، تصوير يستخدم الألوان بلمعية موهوبة وبمقدرة على توفير العناصر الدرامية مضروبة بضعف ما يمكن لمخرج آخر توفيره حتى ولو استعان بالعناصر الإنتاجية الملائمة. وهو بقي الفيلم الوحيد بين هذا المخرج وممثله حتى عام 1984) عندما أخرج لين آخر أعماله «ممر إلى الهند». وكذلك وضع ديفيد لين الممثل المصري عمر الشريف في بطولة فيلم واحد فقط بعد «لورنس العرب» هو «دكتور جيفاكو» سنة 1965 وهي السنة ذاتها التي عمد فيها أوتول للعب بطولة «لورد جيم» (إخراج رتشارد بروكس عن رواية جوزف كونراد). قبله بعام واحد كان لعب الدور الثاني في «بكت» Becket الذي دار في حقبة الملك هنري الثاني ولو دار أساسا حول حياة توماس بكت، راعي الأبرشية الذي مات مقتولا سنة 1170 الممثل الراحل ريتشارد بيرتون.

* أفضل ما في أفلامه

* في عام 1968 عاد أوتول ليلعب بطولة الملك هنري الثاني ذاتها في «أسد الشتاء» في إخراج لأنطوني هيرفي عن مسرحية جيمس غولدمان. معه هذه المرة (الشاب) أنطوني هوبكنز والأميركية كاثرين هيبورن. ما بين الفيلمين شوهد في كوميديا لوودي ألن هي «ما الجديد يا لعوبة» What›s New Pussycat عام 1965 أيضا، وفي كوميديا أخرى هي «كيف تسرق مليونا؟» من إخراج الأميركي ويليام وايلر وبطولة أوتول لجانب أودري هيبورن (1966). واستعان به المخرج جون هيوستون عندما حقق «الأنجيل: البداية» (1966) ولاحقا ما التقى مجددا بعمر الشريف في فيلم «ليلة الجنرالات» (تقع أحداثه في وورسوف سنة 1942) الذي أخرجه أناتول ليتفاك.

بقي بيتر أوتول في إطار الأدوار التاريخية لبضع سنوات أخرى. هو في «كاثرين العظيمة» (غوردن فلمينغ - 1968) و«وداعا مستر تشيبس» (هربرت روس - 1968) وانتقل إلى أحداث مرصوفة في الحرب العالمية الثانية في «حرب مورفي» (بيتر ياتس - 1971) ووقف في رحى شخصية دون كيشوت في الفيلم الموسيقي «رجل لا مانشا» الذي أخرجه آرثر هيلر سنة 1972) مع صوفيا لورين في دور ألدونزا.

في كثير من هذه الأفلام (بما فيها هذا الفيلم) كان بيتر أوتول أفضل ما فيها. والسبعينات لم تكن بالضرورة مميزة بنوعية ما قام به أوتول من أعمال. بعض هذا السبب يعود إلى مستوى مخرجيها (أمثال هربرت روس وغوردن فلمينغ وآرثر هيلر)، وبعضه له علاقة بحياة أوتول الخاصة التي أدمن فيها على الشرب، لدرجة أنه لم يعد مطروحا أمام كثير من الإنتاجات في منتصف السبعينات. بل إنه في سنة 1975 اعتبر، طبيا، آيل إلى موت مبكر.

لكن أوتول استمر، واستمر بنجاح. الثمانينات عرفته في أدوار متعددة ومختلفة دراميا وكوميديا. هو المخرج الأرعن في «البديل» The Stunt Man (لريتشارد رش) وأفضل ما في فيلم «سنتي المفضلة» (1982) وفي دور مؤثر في فيلم برناردو برتولوتشي «الإمبراطور الأخير» (1987) وبعده في التغريب المشهود للمخرج أليخاندرو يودوروفسكي «لص قوس القزح» (1990). في ذلك الحين مثل للتلفزيون أعمالا أخرى ولم يمنعه السن من الانتقال دوما بين الشاشتين فظهر في نحو 40 عملا مصورا قبل أن يعلن اعتزاله في العام الماضي.

لكنه كان اعتزالا من النوع الضعيف: بيتر أوتول عاد عنه سريعا ليمثل فيلمين متتابعين موعدنا معهما في العام المقبل: «كاثرين الإسكندرانية» لمايلك ردوود و«ماري»، وكلاهما من النوع الذي ارتاح له أوتول طويلا وهو النوع التاريخي.