اكتشاف مدينة أثرية يونانية خلال أعمال تشييد مترو للأنفاق

إنشاء سلسلة من المتاحف تحت الأرض من دون تعريض المشروع للخطر

أعمال الحفر التي كشفت عن المدينة الأثرية
TT

كشفت أعمال البناء المكثفة في مشروع مترو أنفاق جديد بمدينة سالونيك الساحلية بشمال اليونان، عن ثروة من الاكتشافات الأثرية، مما جعل البعض يصف المنطقة بأنها مدينة بومبي بيزنطية، في إشارة إلى المدينة الرومانية القديمة التي دمرها ثوران بركان «فيزوف» عام 79 بعد الميلاد.

والمشروع الذي بدأ العمل فيه في عام 2006، متأخر الآن أربع سنوات عن الموعد المقرر للانتهاء منه، حيث يعاني المواطنون المحبطون من الاختناق المروري بينما يترقبون افتتاح خط مترو الأنفاق الجديد الذي يمر عبر قلب المدينة.

وعلى أي حال، فإنه بدلا من المهندسين، يراقب سكان المدينة، ذات الأصول البيزنطية، علماء الآثار وهم يقضون سنوات في التنقل ببطء عبر مواقع الحفريات.

ويقول ديميتريس موزوريس، موظف استقبال في فندق «سيتي أوتيل»، إنه «بالنسبة للعديد من السكان أمثالي، الذين يعملون في وسط المدينة، سيكون مترو الأنفاق بمثابة المنقذ، لأنه سيساعد بصورة جذرية في الحد من اختناق حركة المرور حيث تحاول عشرات الآلاف من السيارات التحرك في مدينة ليس بها سوى ثلاثة طرق رئيسة».

ويضيف موزوريس: «لكنه أمر محبط حيث إن المشروع بأكمله استغرق وقتا طويلا للغاية. المدينة تبدو وكأنها تعرضت لقصف، الغبار والأنقاض في كل مكان. لكن في النهاية ستكون لدينا بومبي بيزنطية».

ولا تزال التوترات قائمة منذ فترة طويلة بين علماء الآثار في المدينة وشركة «مترو أتيكو»، وهي الشركة التي تشرف على بناء شبكة مترو الأنفاق. وفي أغسطس (آب) الماضي، تمكن الطرفان من التوصل إلى حل وسط من شأنه أن يسمح بنقل الأنقاض بصورة مؤقتة من أجل السماح باستمرار أعمال البناء من دون تأخير.

ووفقا للخطة، سيجري رفع الأنقاض من أجل السماح بمواصلة العمل قبل أن يجري إعادتها إلى مكانها الأصلي وذلك في إطار خطة تهدف إلى بناء سلسلة من المتاحف تحت سطح الأرض، من دون تعريض المشروع، الذي تبلغ تكلفته 3.5 مليار يورو (8.‏4 مليار دولار) ويشارك الاتحاد الأوروبي في تمويله، للخطر.

وفي حديث مع وكالة الأنباء الألمانية، قال جيورجوس كونستانتينيديس، مدير شركة «مترو أتيكو»، إنه «سيجري الحفاظ على نحو 80 في المائة من الأطلال القديمة، وعند الانتهاء من مترو الأنفاق بالكامل سيتمكن سكان مدينة سالونيك الحاليون من السير عبر نفس الطرق والمباني مثل سكان المدينة القدامى».

ويتابع كونستانتينيديس موضحا أنه «كان يجب علينا أن نجد عدة حلول مجدية تقنيا كي يجري التعايش بين الآثار ومترو الأنفاق معا عبر أحد الطرق الرئيسة بالمدينة - شارع فينيزيلوس».

ومنذ أن تأسست المدينة في عام 315 قبل الميلاد على يد الملك كاساندر المقدوني، أصبحت سالونيك مركزا تجاريا وعسكريا رئيسا في فترة الحكم الروماني وكانت تعد ثاني أهم المراكز الحضرية في الإمبراطورية البيزنطية بعد مدينة القسطنطينية.

وبسبب التأخيرات المتكررة، فقد أصبح من المقرر أن يجري الانتهاء من المشروع في عام 2017. ومن المتوقع أن ينقل خط مترو الأنفاق الرئيس، البالغ طوله 9.8 كيلومتر ويضم 13 محطة، 270 ألف راكب يوميا، بالإضافة إلى أنه سيساعد في خفض الازدحام المروري والحد من تلوث الهواء.

ويتابع كونستانتينيديس أن «إنشاء مترو أنفاق في مدينة مزدحمة وقديمة مثل سالونيك ليس سهلا، لذلك فقد كانت المشاكل التي تعرضنا لها عديدة». وأضاف كونستانتينيديس أنه «توجب علينا أن نحفر أسفل الآثار القديمة والمباني الهشة الموجودة بالفعل من أجل بناء مترو الأنفاق مع الأخذ بعين الاعتبار أنها تقع ضمن منطقة زلزالية نشطة».

ويقول علماء الآثار العاملون في المشروع إنهم كانوا يتوقعون العثور على آثار ذات أهمية تاريخية كبيرة.

ويقول ميخاليس ديفيريوس، عالم الآثار والأستاذ في جامعة أرسطو، إنه «من الطبيعي أن يسرع المقاولون في استكمال البناء. ليس بإمكانك أن توقف عملية التنمية، لكن في الوقت نفسه لا يمكن أن تتجاهل الثقافة. الاثنان يجب أن يتعايشا معا».

وأزاحت أعمال الحفر النقاب عن أكثر من 100 ألف قطعة أثرية بالإضافة إلى أنها كشفت عن أدلة مهمة توضح طبيعة الحياة الحضرية في المدينة مع اكتشاف القلب التجاري للمدينة القديمة الذي بناه القيصر غاليريوس في القرن الرابع قبل الميلاد ويتميز بالعديد من مفارق الطرق.

ويشتمل الموقع على طريق معبد بالرخام بحالة جيدة، مع بقايا ما كان يعرف بأنه سوق مفتوحة، ومجموعة متنوعة من النوافير وممرات مشاة محاطة بأعمدة وساحة بها محلات تجارية وورش ومبان عامة.

وقد تمكن علماء الآثار من العثور على مجوهرات وقطع نقدية ومزهريات وأوان من الخزف أثناء عمليات شق نفق عبر أربع محطات لمترو الأنفاق الجديد في المدينة.

وجرى الانتهاء من بناء محطات مترو الأنفاق الجديد في كل من بلاتيا ديموكراتياس وستافروبولي، في مواقع استخدمها المواطنون لأكثر من 600 سنة. وتمثل تلك المواقع مداخل المدينة القديمة، التي تعرف باسم «البوابة الذهبية»، وكانت تستخدم كمقابر بداية من العصر الروماني وحتى فترة الاحتلال التركي.

وكشفت الحفريات أيضا عن كنيسة قديمة في محطة سينتريفاني، التي تقع في الجزء الشرقي من المدينة.