«فرقة كركلا» تقدم «كان يا ما كان» بنسخة بيروتية

رئيس الجمهورية منح الفرقة «وسام الأرز الوطني» برتبة ضابط

من عرض «كان يا ما كان» لفرقة كركلا
TT

عادت «فرقة كركلا» إلى المسرح بنسخة معدلة من العمل الاستعراضي «كان يا ما كان» الذي قدم لأيام محدودة، في «مهرجانات بيت الدين» عام 2012.

هذه المرة، دخل المؤسس عبد الحليم كركلا على خط العمل، مشاركا ولديه أليسار في تصميم الرقص وإيفان في الإخراج، ليضع لمساته على العرض الذي غاب عنه في نسخته الأولى بسبب انشغاله في الجزائر يومها.

مساء أول من أمس، أحيط «مسرح الإيفوار» الخاص بفرقة كركلا، بإجراءات أمنية مشددة، فحضور رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ليس بديهيا في مثل هذا الوضع الأمني المتردي. كل الاحتياطات اتخذت من التفتيش الدقيق بالآلات، إلى المراقبة واستخدام الكلاب البوليسية، وركن السيارات بعيدا عن المسرح. فهذا الجمع من الوزراء والنواب والشخصيات، إلى جانب الصحافة، احتاج جهدا لتأمين حمايته.

العرض بحد ذاته ليس المفاجأة، فقد سبق وشوهد من قبل جانب من الجمهور في المهرجانات. هذه المرة الإطلاق هو من بيروت، وبمناسبة الأعياد، تحت رعاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي منح الفرقة «وسام الأرز الوطني» من رتبة ضابط، تقديرا لعطاءاتها الفنية، ومساهمتها في إعلاء شأن الفن اللبناني. كما قال الشاعر طلال حيدر قبل بدء العرض.

«كان يا ما كان» الذي ينهل من أجواء «ألف ليلة وليلة» في قسميه الأول والثاني ويذهب إلى الفولكلور اللبناني ممزوجا ببعض البداوة في القسم الثالث، لم تتغير روحه في العرض الجديد، وإنما كان لا بد من تعديلات تتناسب وتغير مكان العرض، مع إضافة موسيقية وفولكلورية في مشهد الختام لعبد الحليم كركلا.

ففي بيت الدين كانت واجهة القصر وجنباته وشرفاته الشرقية، كلها في خدمة العرض، بينما كان لا بد من التعامل مع خشبة «مسرح الإيفوار» الصغيرة بطريقة أخرى لإبراز جمالية المشاهد.

في البدء نشاهد الملك شاهنشاه، الجالس على منصته وحوله حاشيته، والراقصين يتناوبون ويؤدون أمامه ما يسر العين ويدهش الناظر. عبد الحليم كركلا، مبدع كبير في رسم الأزياء واختيار الأقمشة، وجعلها خلابة وزاهية الألوان على المسرح. هذا الجزء الذي تشوبه إطالة نسبية، ويتخلله تتويج الأميرين الشقيقين معا (ولدي شاهنشاه)، ودخولهما في صراع دموي كاسر، بدت أحداثه متداخلة ومربكة، مع طغيان لجماليات مشهدية متتالية، على أنغام موسيقى ألف ليلة وليلة التي تحولت إلى لازمة ترافق الراقصين.

برع إيفان كركلا في استخدام شاشة خلفية بمشاهد ذات أبعاد، والخلط بينها وبين ما يدور على المسرح، فمرة نشاهد الجنود يطاردون الأمير، ومرة أخرى حبيبته، في أروقة قصر قديم (من الواضح أن التصوير تم في بيت الدين)، لتكتمل المطاردة على المسرح، ومرة أخرى تستخدم القناطر على المسرح لتلاقي قناطر أخرى على الشاشة. واستغلت زاوية خارج المسرح، لإضافة مساحات أخرى.

في القسم الثاني، المخصص للسوق، تستنفد أليسار كركلا تنويعات راقصيها الجسدية على أنغام موسيقى «بوليرو» الشهيرة. ومع غياب الفرقة الموسيقية التي عزفت مقطوعاتها حية في بيت الدين، يصبح التسجيل سيد الموقف.

السوق أيضا أصبحت أقل غنى وتنويعا مما سبق، لكن فرقة كركلا، تبقى قادرة على الإمتاع، فمن كنوز الشرق استخرجت معدات العرض، من الستائر المزخرفة إلى البسط، والأرائك والمساند، هذا عدا عن النبال والأقواس والسيوف والرماح، والعربات المتجولة، بياع العرقسوس، العصي والطرابيش، والصناديق الخشبية، الأحصنة، الصحراء والجمال. فالعرض لا يبخل بالمشاهد الخلابة. هو أقسام ثلاثة يكاد كل قسم منها، يكون منفصلا عن الآخر، لكن ما يجمعها هو روحها الشرقية.

القسم الأخير الذي تطل فيه هدى حداد وجوزيف عازار، ثنائي الغناء من الزمن الجميل، إضافة إلى برج فازليان والقدير رفعت طربيه، يخصص للغناء والدبكة والفولكلور اللبناني.

لعله الجزء الأغلى على قلب المتفرجين. فالفرقة التي تميزت بالدبكة، ابتعدت عن خطها الأول وتغربت في أحيان كثيرة. في مزج بين اللهجة البدوية واللبنانية، وملابس تصلح للحالتين معا، أدت الفرقة وصلات هزت المسرح، وتبقى الدقائق المخصصة لعمر كركلا، أستاذ الدبكة وعميدها، بهجة لا تقاوم، تقابل بتصفيق حار. فمع غياب الدبكة كرقصة أولى في الضمير اللبناني الوطني، تصبح إطلالاتها عزيزة ومنتظرة. وعلى أي حال فإن افتتاح «كان يا ما كان» في بيروت، فرصة جديدة، لمن فاته رؤيتها من قبل للتمتع ببهائها، ففرقة كركلا خرجت من محليتها، لتكتسب عالمية تستحقها.