وفاة آخر عمالقة الأغنية العراقية في سوريا

مطالبة بنقل جثمان الفنان العراقي فؤاد سالم إلى وطنه

TT

بعيدا عن العراق وعن دجلة والبصرة أمضى فؤاد سالم فنان الشعب السنوات الثلاث الأخيرة من عمره يصارع مرضا لئيما فتك بأنسجة دماغه وأفقده القدرة على النطق والحركة، كان خلالها في دمشق المدينة التي اختارها مستقرا له بعد اغتراب قسري أكل نصف سنوات عمره الـ68، ثلاث سنوات عاشها بعيدا عن الضوء أو أي اهتمام يليق بالبلبل الذي أطرب العراقيين والعرب، وكان قدره أن يتقاسم مع السوريين وجعا عاما فتك بسوريا وبدمشق عاش في ظله يعاني من المرض والتهميش إلى أن تمكنت منه الأوجاع، ورحل بصمت في وقت متأخر من مساء يوم الجمعة في أحد مستشفيات دمشق ولم يكن إلى جانبه سوى زوجته وعائلته الصغيرة.

السوريون ولا سيما أبناء المناطق الشرقية الشغوفين بالغناء العراقي بكوا فؤاد سالم ونعوه على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، في حين لم تكترث السلطة بنبأ موته ولا نقابة الفنانين في سوريا، والصوت الرسمي الوحيد الذي نعى فنان الشعب في العراق صوت نقابة الفنانين العراقيين التي أعلنت النبأ وسعت إلى إعادة جثمانه إلى العراق.

ويعد الفنان فؤاد سالم، واسمه الحقيقي فالح حسن بريج، من مواليد محافظة البصرة قضاء التنومة عام 1945، من أوائل الفنانين الذين عادوا إلى العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وزار بغداد أولا ثم مدينته البصرة التي سبق أن غادرها قسريا مع اشتداد التضييق على الشيوعيين العراقيين وأصدقائهم، فتعرض للاعتقال تارة والاعتداء بالضرب المبرح تارة أخرى على أيدي جلاوزة النظام السابق، بعد أن فصلوه من معهد الفنون الجميلة. ومنع من الغناء في الأماكن العامة، ومن دخول الإذاعة والتلفزيون، وقال: «ذات مرة استطعت أن أغني في مكان ما لكنهم انتظروني في الخارج وأشبعوني ضربا بأعقاب المسدسات وجعلوا دمائي تسيل على الأرض، عندها أيقنت أنه لا مكان لي في العراق لأنهم سيقتلونني في المرة القادمة فغادرت العراق وقلبي على كفي»، كان ذلك عام 1977.

وفي عام 1982 قصد فؤاد سالم الكويت وتنقل بين دول الخليج إلى أن غادر إلى أميركا هربا من مضايقات النظام الذي لاحقه في دول الخليج، لكنه لم يستقر طويلا في أميركا فعاد إلى سوريا ومكث في دمشق إلى أن وافته المنية.

ويعد الفنان فؤاد سالم من رواد الأغنية العراقية، إذ بدأ الغناء عام 1963 وكان متأثرا بالمطرب العراقي الكبير ناظم الغزالي، وظهر لأول مرة على شاشة التلفزيون عام 1968، وقد تبناه في البداية عازف القانون العراقي المعروف سالم حسين الذي اختار له اسم (فؤاد سالم) الذي اشتهر به، ليكون أول ظهور فني بارز مع أول أوبريت غنائي عراقي «بيادر الخير» بداية السبعينات، ثم أتبعه بعد عام بأوبريت «المطرقة» ومجموعة كبيرة من الأغاني. تضمنت قصائد لشعراء كبار كقصيدة «يا دجلة الخير» الشهيرة للشاعر محمد مهدي الجواهري، وكذلك «غريب على الخليج» لبدر شاكر السياب. ومن أغانيه التي ذاع صيتها لدى الجمهور العراقي والعربي «بحر عينك» و«ردتك تمر ضيف» و«موبدينه نودع عيون الحبايب».

رحل فؤاد سالم بعد أن أغنى المكتبة الغنائية العراقية والعربية بأعمال فنية رسخت في الذاكرة والوجدان كفنان عاشر هموم بلاده وعانى من الاستبداد وذاق لوعة الاغتراب حتى استبد به الهم والموت.

ابنته الفنانة نغم فؤاد سالم، قالت لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي معها إن «وفاة ابي تعني (كسران ظهري)، وسأبقى العمر كله أبكيه، لأنه علمني الحياة والفن والحرص وحب الوطن والولاء له فقط».

وأضافت: «سيجري إحضار جثمان ابي العزيز فنان الشعب فؤاد سالم بعد أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) مباشرة إلى مدينة البصرة، ثم تشييعه إلى مثواه الأخير في مدافن آل بريج في النجف الأشرف».

وطالب فنانون عراقيون بأهمية أن تولي الجهات المختصة جلب جثمان فنان الشعب فؤاد سالم، والبدء بتشييعه من مطار البصرة إلى بغداد ثم النجف مرورا بمدن الجنوب والوسط، واستقبال جثمانه استقبالا مهيبا يليق بفنان الشعب، الذي أبى أن يذعن أو يرضخ للطغاة وأمثالهم.

الفنان نبيل الكناني قال: «برحيل فواد سالم انتهى الفن الحقيقي؛ هذا العملاق الذي لم يركع لصنم ولم يتملق طاغية كما فعل آخرون. وفضل الغربة والعوز على أن يهين الأغنية العراقية. لقد عاش عملاقا بين أقزام، وناضل كثيرا بوجه الاستبداد الصدامي، وكان صوته يصدح من دون خوف من بطش النظام السابق».