لبنان يتلون بزينة الميلاد ورأس السنة من شماله إلى جنوبه

إنارة مبتكرة أضاءت شوارع بيروت.. وشجرة عملاقة ارتفعت وسط أسواقها

زينة مجمع الـ«آ.ب.س» في الأشرفية
TT

لم يستطع اللبنانيون مقاومة رغبتهم في التسوق بعد أن غطت زينة الأعياد المناطق اللبنانية من شمالها إلى جنوبها. فبفضل هذه الأجواء تحرك أهالي بيروت في اللحظات الأخيرة قبيل وصول أعياد الميلاد ورأس السنة، فتوجهوا إلى الأسواق يتهافتون على شراء الهدايا وحاجات العيد.

فبدءا من شجرة العيد العملاقة التي زينت أسواق بيروت، مرورا بساحات ساسين والصالومي والحايك وسن الفيل والدكوانة المتلألئة بإضاءة خلابة ووصولا إلى شوارع فردان والحمرا والروشة وغيرها التي لبست الأحمر والأخضر معلنة وصول العيد، أطلت بيروت متألقة نافضة عنها غبار الأوضاع غير المستقرة فيها لتؤكد مرة جديدة أنها مدينة الحياة التي لا تموت أبدا.

هل هي عصا سحرية مرت فوق سماء بيروت وحولتها بين ليلة وضحاها إلى جوهرة متوهجة؟ أم أنها إرادة شعب لا يتعب فأراد أن يستفيق من كبوته على لوحات مشهدية تعبر عن مقاومته الأحزان؟

يرد رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس: «هي بالطبع نابعة من قلوب اللبنانيين أجمعين وبالتحديد من قبل تجار أسواق بيروت في مختلف المناطق الذين أبوا إلا أن يزينوا الشوارع والطرقات على نفقتهم الخاصة على الرغم من الركود الاقتصادي الذي يعيشونه». ووصف شماس ما قام به تجار بيروت بالمجهود الفردي الذي تحلى به أعضاء جمعية تجار كل منطقة من هذه المناطق لتبدو على المستوى المطلوب في هذه المناسبة.

أما رئيس جمعية تجار منطقة الأشرفية طوني عيد، فأكد أن الزينة هذا العام اتخذت طابعا مغايرا فاستوردت بمجملها من أسواق الصين وبلغت تكلفتها نحو الستين ألف دولار، مشيرا إلى أن إصرار التجار وأصحاب المؤسسات الكبرى في الأشرفية كان وراء هذه الخطوة التي أسهمت بشكل مباشر في تحريك عجلة البيع في المراكز والمحلات التجارية فيها.

وتتميز هذه الزينة التي تحتضنها بشكل لافت ساحة ساسين باللون الذهبي، وقد وزعت على جوانب الطرقات والأرصفة أشجار صغيرة الحجم مصنوعة من الحديد تحمل على أغصانها آلاف المصابيح فتشع أضواؤها عن مسافات بعيدة.

أما شجرة العيد العملاقة وسط أسواق بيروت التي ترتفع في هذه المناسبة من كل عام (يبلغ ارتفاعها 14 مترا) فتمتاز بكثافة أضوائها كما تبث صورا وأشكالا رائعة وهي مصنوعة من مواد صديقة للبيئة. اتسمت الشجرة هذا العام بزينة حمراء قدمتها شركة «باتشي» التي أرادت من خلال هذه اللفتة أن تعبر عن امتنانها لمدينة بيروت الساحرة ولأهلها، كما قال صاحبها نزار شقير. وأقيمت إلى جانبها القرية الميلادية التي تمتد على مساحة 1200 مترا وتتضمن شخصيات ميلادية متحركة ومنزلا لبابا نويل الذي يقف على بابها ليلتقط معه الأطفال صورا تذكارية بلفتة مقدمة من قبل شركة السوليدير.

شارع الحمرا من جهته تزين هذا العام بحلة لم يسبق أن شهدها منذ عشرين عاما كما ذكر رئيس جمعية تجارها زهير العيتاني لـ«الشرق الأوسط». فعلى طول الشارع الذي يخترقها ويبلغ طوله كيلومترا واحدا انتشرت زينة ميلادية مضاءة بأشكال فضية وقد كللت كل واحدة منها بمجسم حمامة بيضاء مما أضفى على الشارع أجواء العيد بامتياز. وأشار رئيس جمعية التجار فيها بأن تكلفتها بلغت نحو الـ45000 دولار، وأنها جاءت بمجهود فردي من قبل أصحاب المحلات التجارية في هذا الشارع البيروتي العريق لمواكبة المناسبة كما يجب.

وتعد زينة ساحات الصالومي والحايك وسن الفيل من أجمل لوحات العيد في هذا الوقت من كل سنة والتي تألفت من أشجار عملاقة مضاءة بإنارة على شكل نجوم وتحيط بها مجسمات الغزلان وعصا شخصية بابا نويل أو بأشجار صغيرة مضاءة أيضا ومصفوفة على جوانبها.

جميع المناطق ودون استثناء ارتدت حلة العيد في لبنان. فمدينة زحلة البقاعية زينت على مرحلتين: الأولى انطلاقا من بارك جوزيف طعمة سكاف الممتد على مساحة 17 ألف متر مربع بأضواء متلألئة، والثانية على مداخل المدينة من مستديرة الطريق الدولية إلى مستديرة المنارة. فانتشرت على جوانب الطرقات 460 شجرة مزينة بتسعة ألوان اختلفت بين الأخضر والأزرق والأحمر والبرتقالي والتنوري وغيرها.

وفي بلدة زغرتا ارتفعت شجرة عيد ضخمة وضعت الهدايا على جذعها في حين تلونت أغصانها بإضاءة أوتوماتيكية تتغير على مدار الساعة لتبعث البهجة والفرح في قلب مشاهدها.

ولعل المراكز التجارية الكبرى في بيروت كالـ«أ.ب.ث» و«لو مول» و«سيتي مول» وغيرها شكلت عنوانا رئيسا لأعياد الميلاد ورأس السنة بزينتها المبتكرة، فتنافست كل منها على استقطاب أكبر عدد من الزوار الذين راحوا يقصدونها مع أولادهم ليتفرجوا على بابا نويل في عربته الذهبية المحملة بالهدايا أو على القرى الميلادية الصغيرة التي يسكنها البط والإوز أو الدبب القطبية البيضاء المصنوعة من الزجاج أو القطن أو الخشب.

وفي طرابلس ارتفعت شجرة ميلاد ضخمة مضاءة، في شارع المعرض. ورغم أن الشجرة تعرضت لحريق مع بدء تزيينها، فإنها جددت وأعيدت إضاءتها، ونشر صورها الطرابلسيون على صفحات التواصل الاجتماعي، معلنين أن مدينتهم هي مكان العيش المشترك.

لبنان بأكمله استقبل العيد على طريقته ورغم استياء أهله من الأوضاع الأمنية غير المستقرة فيه، فإن أجواء العيد التي غمرته بامتياز بفضل الزينة والإنارة والأناشيد الموسيقية الصادحة من هنا وهناك أنستهم واقعهم ولو لأيام قليلة. وأكدت جوزيان شعنين العائدة من أيام قليلة من مدينة فلورنسا الإيطالية بعد أن أنهت دراستها الجامعية فيها، أنها انبهرت بزينة الأعياد في لبنان، والتي بدت زينة فلورنسا نقطة في بحرها.

أما كيفن صادر وهو طالب في إحدى جامعات كندا فأكد أنه ما إن وصل إلى بيروت حتى شعر بأجواء العيد الحقيقية على الطريقة اللبنانية الأنيقة والتي لطالما اشتاق إليها في غربته.