19 مخرجا عراقيا يشاركون بورشة فنية في بغداد

أثمرت عن ستة أفلام قصيرة مليئة بالتعاطف

من فيلم «أطفال الله»
TT

بكرسيه المتحرك، يقف صبي صغير مبتور القدمين في قلب فناء مدرسة موجها نظراته إلى فتاة تقف على الجانب الآخر من الفناء. يحاول ذلك الصبي أن يتحرك باتجاه الفتاة، لكن كرسيه المتحرك يتعثر في إحدى الحفر في الفناء. يسقط الصبي من على كرسيه، لكنه يستطيع العودة مرة أخرى للجلوس على الكرسي دافعا إياه للتحرك وهو يلوح بعلم صغير يحمل شعار فريق برشلونة الإسباني لكرة القدم. يلعب الصبي كرة القدم مع رفاقه، وفي اللحظة التي يهم فيها فريقه بخوض مباراة ضد فريق الفتيات، يقول الصبي إنه يراهن بملصقات كرة القدم الثمينة التي يمتلكها على أن فريق الفتيات هو الذي سيفوز بالمباراة، ثم يترك الفناء ليستند إلى الجدار، في محاولة منه لكسب ود فاتنته: الفتاة التي تلعب في مركز حارس المرمى في فريق الفتيات.

تلك هي فكرة فيلم «أطفال الله»، وهو فيلم قصير مدته عشر دقائق للمخرج العراقي الشاب أحمد ياسين. وقد فاز فيلم «أطفال الله» بجائزة خاصة في مهرجان المهر العربي السينمائي، كما نال جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما «فيبرسي» لأفضل الأفلام العربية القصيرة خلال مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته لعام 2013 بداية هذا الشهر.

وأحمد ياسين واحد من مجموعة تضم 19 مخرجا واعدا يشاركون في ورشة تنظمها شركة «الفيلم الإنساني» للإنتاج الفني، ومقرها بريطانيا، بمشاركة المركز العراقي للفيلم المستقل وإشراف المخرج محمد الدراجي، الذي حصل من خلال فيلمه «ابن بابل» على جائزة «مخرج الشرق الأوسط» لعام 2010 التي تقدمها مجلة «فارييتي». وقد استطاعت الورشة أن تجمع بين مجموعة من شباب الكتاب والمحررين والمخرجين ومجموعة من الأطفال الذين يعيشون في دار للأيتام في العاصمة بغداد. وقد أثمرت تلك الورشة عن ستة أفلام قصيرة رائعة ومليئة بمشاعر التعاطف، أربعة منها جرى عرضها لأول مرة في مهرجان دبي السينمائي الدولي، بينما عرض اثنان منها بالفعل في لندن وبرلين على التوالي.

وكانت الورشة قد ركزت على مراحل صنع الفيلم بداية من خلق فكرة الفيلم وحتى تحويلها إلى فيلم ناضج. ويعلق الدراجي، الذي وضع فكرة البرنامج، على تلك الورشة بقوله: «جرى وضع بعض الضوابط التي ينبغي على المخرجين أن يضعوها في الحسبان عند صناعة أفلامهم. وتتضمن تلك الضوابط: الحوار القليل، وعدم اللجوء إلى الارتجاع الفني (فلاش باك) أو الحركة البطيئة أو الحوار الداخلي (مونولوج)، وينبغي استخدام تقنية الكاميرا الثابتة، بالإضافة إلى أنه ينبغي أن تكون جميع قصص الأفلام عن الأطفال في الفئة العمرية من 1 - 15 عاما كما ينبغي ألا تتعدى مدة الفيلم 15 دقيقة، ويجب أن يكون جميع الممثلين في الفيلم من دار الأيتام الذي كنا نعمل معه». ولصقل موهبة المشاركين في برنامج الورشة إلى أقصى درجة، فقد أصر الدراجي على أن يجري التدريب على الكاميرا السينمائية 35 مللم. وتتطلب هذه الوسيلة الإعلامية باهظة التكاليف ظروفا خاصة للتصوير وقرارات صارمة عند تصوير كل مشهد على حدة.

ويضيف: «تدور غالبية أحداث الفيلم في محيط شارع الرشيد قرب جسر الجمهورية. لقد شهد ذلك اليوم انسحاب القوات الأميركية، وسيرى المشاهدون في الفيلم ما رأيته أنا بالضبط في ذلك اليوم»، حسبما يقول يحيى العلاق، مخرج فيلم «خزان الحرب» والذي يحكي قصة طفل أصم أجبر على السفر بعيدا من أجل الحصول على وقود لعائلته. ويبدو تصوير الأفلام في شوارع العراق عملا صعبا للغاية في ظل ظروف الاحتلال والعنف الذي تشهده بعض المناطق التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة والفصائل المسلحة الأخرى. غير أن روح المثابرة تظهر ثمرتها واضحة في الأفلام المنتجة، فالأفلام تتميز بدرجة عالية من جودة الإنتاج، كما أن الأطفال، الذين جرت الاستعانة بهم، أظهروا مهارات تمثيلية تنافس الممثلين المحترفين، بالإضافة إلى أن قصص الأفلام كانت مليئة بمشاعر التعاطف والعزم على مواجهة الصعاب، وتضمنت لقطات سريعة لمواقف تحكي مشكلات الأطفال الذين فقدوا والديهم، أو أولئك الذين فقدوا أطرافهم ومنازلهم، لكنهم يظهرون في المقابل قدرا كبيرا من القوة والروح المعنوية العالية.

ويعتبر ميدو علي، مخرج فيلم «أطفال الحرب» أصغر أعضاء المجموعة التي شاركت في برنامج الورشة. ويعرض الفيلم، الذي يعتبر الفيلم الوحيد الذي يتضمن رسوما متحركة، انطباعات طفل عن أجواء الحرب التي تحيط به. ويظهر الفيلم جنودا أميركيين نائمين في مطار، ومساجد يجري قصفها وفي الخلفية تدوي صفارات الإنذار وأصوات الانفجارات. ويبدو الجنود الأميركيون مذنبين من وجهة نظر ذلك الطفل.

وتتشابك مشاهد الرسوم المتحركة مع الطفل الصغير، الذي ينسج بعض الرسومات التي تزداد فيها مشاهد العنف بينما تتوالى الانفجارات لتصير أكثر دموية. بيد أن الحزن يظهر بجلاء عندما نرى صور الأسرة القديمة والطلقات الفارغة، ويصل بنا المشهد الأخير لنرى صورة بوابة إحدى دور الأيتام التي تعلوها لافتة مكتوب عليها «أطفال الحرب».

تعتبر مجموعة الأفلام، التي عرضت في مهرجان دبي السينمائي الدولي تحت مسمى «تراث العراق»، مرجعا لمستقبل العراق الذي يشكل فيه الأطفال الأساس والجوهر. وكان للفيلم الوثائقي «في أحضان أمي»، والذي جرى إنتاجه في عام 2011 عن حالة الأيتام في العراق، الفضل في تعريف الدراجي بدار الأيتام التي اختارها لتكون جزءا من تلك الورشة.

يقول الدراجي: «استطعنا التعرف على هشام الثهاب، مدير الدار، واكتشفنا كيف يمكن للمرء اكتساب القدرة على التعامل مع الأيتام. وهناك 32 طفلا يعيشون في دار الأيتام في الوقت الحالي». ويوفر الموقع الإلكتروني لشركة «الفيلم الإنساني» للإنتاج الفني، التي أنتجت فيلم الدراجي، المزيد من التوضيحات بشأن محنة الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم في السنوات العشر الأخيرة من الحرب والاحتلال من خلال المناشدة المستمرة لكل القوى الفاعلة للتخفيف من معاناة أولئك الأطفال. ويوضح الموقع أن هناك 800 ألف طفل يعيشون حاليا من دون أبائهم وأمهاتهم، ويواجه بعض منهم معاملة سيئة في دور الأيتام الحكومية في ظل عدم وجود قوانين لحماية الأطفال في هذا البلد.

ويشرح الدراجي الدافع وراء هذا التعاون والمشاركة بهذا النوع من الأفلام قائلا: «أحسست أن موضوع الطفولة أمر مهم وجدير بأن يغطيه المخرجون الشباب. ويمثل كثير من طلابي مستقبل صناعة الأفلام العراقية، كما أن الأطفال يشكلون مستقبل العراق بشكل عام». وأردف قائلا: «أردت أن تظهر تلك الأفلام الصراعات التي يجب على الأطفال أن يتغلبوا عليها في العراق، حيث يواجهون هناك كثيرا من الصعوبات في ظل الحرب وحالة العنف الرهيبة التي تشهدها البلاد، التي تؤدي إلى نتائج مدمرة وعواقب وخيمة على الأطفال، بما في ذلك الفقر والإعاقة والمرض والعيش من دون عائلة».

وبوصفه من المخرجين الصاعدين وصاحب أحد الأفلام الروائية الطويلة، أضاف العلاق قائلا: «يتمثل دورنا في متابعة الأخبار والقصص الإنسانية والمواقف التي تحدث في العراق، فنحن بمثابة الصوت المعبر عن العراق». وقد أدت مشاركة أطراف كثيرة في الورشة إلى كثير من النتائج الطيبة. ويشرح الدراجي هذا الأمر بقوله: «لقد شعر الأطفال المشاركون في ورشة العمل بالفخر من خلال إدراكهم أنهم جزء لا يتجزأ من عملية إحياء صناعة الأفلام العراقية وأن قصصهم وقصص الآلاف من أمثالهم تروى على نطاق عالمي ومن خلال وسيلة عالمية».