مخرج «ذا هوبيت» لـ «الشرق الأوسط»: السينما الترفيهية ليست عارا على من يعشقها

بيتر جاكسون يعد نفسه محظوظا إذ حقق ما حلم به

أورلاندو بلوم في لقطة من الفيلم الجديد
TT

كلنا يعرف أن الحكاية لم تنته بعد. «ذا هوبيت: الرحلة غير المتوقـعة»، على ما حمله من مشاهد مغامرات وقتال، لم يكن سوى البداية. الجزء الأول من ثلاثة أجزاء هو لاعب دور الممهـد لما سيلي، وما تلا ذلك هو الفيلم الجديد الذي يلج البداية الحقيقية لمغامرة ثلاثة عشر قزما يقودهم العجوز الأبدي غاندولف (إيان مكيلان) بهدف استعادة المملكة التي سقطت تحت احتلال الأشرار. عند نهاية الفيلم، لا يفوت المشاهد إدراك أن المزيد من المغامرات، مع إجابات محددة حيال عدد من المواضيع والتساؤلات المطروحة، سيكون من نصيب الجزء الثالث والأخير من هذه السلسلة.

الجزء الثاني هذا، تحت عنوان «ذا هوبيت: خراب سموغ» لم يخب توقـعات أحد: الجمهور أحبه منذ افتتاحه قبل عشرة أيام، بحجم 404 ملايين دولار جناها من عروضه حول العالم، تطمح إلى أن تتضاعف قبل أن يفرد الفيلم جناحيه، ثانية، ويطير إلى ميادين أخرى (الأسطوانات المدمـجة بانتظاره لأرقام صاروخية أخرى). وحب الجمهور ونجاح الفيلم الذي تكلـف نحو 85 مليون دولار، هما ثلج فوق صدر صانعيه الساخن وحساباتهم التي تحصي كل احتمال وتلاحق كل فرصة ممكنة لدر دولار إضافي. طبعا، من الأمور التي تساعد الإنتاج على ذلك أن الفيلم الجديد منتم إلى سلسلة معروفة وأن مخرجه بيتر جاكسون هو ذاته الذي أنجز نجاح الفيلم السابق كما نجاح الثلاثية الشهيرة «أسياد الخاتم».

هل بيتر جاكسون، المولود في نيوزيلندا قبل 52 سنة، هو منفذ جيـد أكثر من مخرج فعلي؟ ربما. في المرات التي حاول فيها إثبات العكس، وجدناه يخسر الرهان، كما حدث حين تصدى لرواية أليس سيبولد «عظام محببة» فخلق منها عملا مشتت الغايات ثقيل الوطأة.

مع سلسلة «ذا هوبيت» يعود إلى ما اشتهر به: تحقيق أفلام من المغامرات والملاحم الأسطورية التي تستفيد من مناظر غير معهودة ومجاميع كبيرة بفضل اعتماد غير محدود على الكومبيوتر (غرافيكس). في فندق «بيفرلي ويلشر» بلوس أنجليس، جلس يتحدث عن رؤيته وفيلمه الجديد ويجيب عن أسئلتنا، ومن بين أهمـها عما إذا كانت أفلامه هذه تحقق له ما يبحث عنه كسينمائي أم لا.

* نحن أمام جزء ثان من «ذا هوبيت» إذن. هل كان تحقيقه أسهل أو أصعب من سابقه؟

- ليس هناك ما هو سهل في هذا المسلسل ولا في أي فيلم يتطلـب ما يتطلبه العمل على فيلم بهذا الحجم. طبعا، يصبح الأمر أسهل من حيث إنه لا يوجد فاصل زمني طويل يفصل تصوير الجزء الأول عن الثاني أو الثاني عن الثالث. لأنه لو كان علينا أن ننتظر لنرى نتيجة كل جزء على حدة لتطلـب الأمر معاودة كل شيء من جديد وهذا مكلف ماديا، كما من غير السهل تأمين نتيجته على الشاشة.

* هل العمل مع الممثلين أنفسهم رغم وجود بعض الشخصيات الجديدة، من بين الأمور التي تصبح تلقائية ومن ثم سهلة؟

- بالتأكيد. الكثير من الممثلين عملوا معي من أربع عشرة سنة عندما بدأنا تصوير «سيد الخواتم» وما زالوا بحكم الضرورة معي. ليس فقط الممثلون الرئيسون، بل أيضا عدد من الممثلين المساندين وعدد كبير من الطواقم التي تقف معي خلف الكاميرا. هذا كله جيـد ويؤمن تلقائية لا بد منها، وأنا سعيد بالعمل معهم جميعا على عمل ناجح كهذا.

* سريعا ما يدرك المشاهد وجود شخصيات جديدة ليست واردة في الرواية الأصلية. كيف اخترت هذه الشخصيات؟

- المسألة التي يواجهها المخرج للكثير من الأعمال الروائية المكتوبة، وليس فقط لأعمال (الكاتب) ج. ر. تولكين مؤلف «ذا هوبيت»، هي أن الكاتب يسرد الأحداث من موضعه كمؤلـف. من يقرأ رواياته يشعر كما لو أن المؤلـف جالس يقرأ عليه القصـة قبل النوم. هذا طبيعي، لكن في السينما على المرء أن يجد حلا لذلك، لأنه ليس الأمر الملائم أو الصحيح. عليه أن يجد بدائل تجعل السرد ممكنا بالحوار والصور. في الرواية ذكر تولكين بعض هذه الشخصيات، لكنه لم يقدمها. ليست موجودة بالفعل، لذلك استعنا بها وقدمناها في الفيلم لكي تساعدنا على تطوير الأحداث وسرد الحكاية على نحو صحيح. أردنا استخدام هذه الشخصيات الثلاث لكي نبلور الدراما ولخلق خطوط قصصية تساعدنا على تطوير العمل دراميا.

* لواحد من هذه الأدوار، استعنت بالممثلة إيفنجلين ليلي التي كانت أعلنت رغبتها في الاعتزال؟

- صحيح. إيفنجلين تؤدي دور عفريت، وتمثيل دور عفريت يتطلـب قدرة جسدية ورشاقة وجمال. وأعلم أنك لن توافقني، لكني لا أصلح لتمثيل هذا الدور (ضـحك). حالما تحدد المواصفات التي تبحث عنها، فإنك تقلـص عدد الممثلين المرشحين للدور.

* كيف جرى إقناعها بالعودة إلى التمثيل؟

- إيفنجلين ليلي كانت بالفعل أعلنت اعتزالها وأنها تود الانصراف للعناية بطفلها وزوجها. الذي حدث هو أن أحد منتجي الفيلم يعرف زوجها. كنت شخصيا التقيتها مرتين من قبل في مناسبات اجتماعية وفكرت فيها للدور الذي لعبته، وحين حاولت الكتابة إليها اكتشفت أنها ألغت عنوانها البريدي. اتصل بها المنتج زاين واينر عن طريق زوجها وأقنعها بالدور، وهي انتقلت إلى نيوزيلندا واستأجرت منزلا بديعا هناك. ما ساعدها على القبول هو أن دورها لا يتطلب منها العمل لفترة طويلة. وكانت متعاونة.

* هل واجهت اختيارات صعبة أخرى؟

- الكثير من الاختيارات وذات مستوى واحد. الصعوبة لا تصبح معيارا لأنها جميعا تتعلق بكيفية تقديم العمل.

* كيف تصل إلى قرار بخصوص وضع معين؟ لنقل إنك حائر بين اتجاهين؟

- ما أفعله هو أنني أتذكر، وبصورة تلقائية، أني أحقق فيلما للجمهور. عليك كمخرج أن تقرر منذ البداية لمن يتوجـه فيلمك، وهذا ليس أمرا رومانسيا، بل واقعا. في عالم السينما اسمه «بزنس لسبب» Business for a reason. إنه ليس «بزنس» المخرج وليس «بزنس» الكاتب، بل هناك استوديو (وورنر) يصرف عشرات ملايين الدولارات للحصول على فيلم يعيد تكلفته. المسألة ليست أن قراء الرواية لديهم ما يفضـلون مشاهدته في الفيلم، كأن يكون الاقتباس أمينا للغاية. المسألة مفتوحة على نحو واسع. إذا كنت ترى أن جزءا من العمل عليه أن يكون أمينا للنص كان به وإذا كنت ترى أن عليك أن تخرج عن النص فعليك الالتزام بما تراه ضروريا.

* لكن هذا هو المقصود من سؤالي؟ كيف تنجح في معرفة الاختيار الصحيح لنقل بين أن تبقي حدثا في الكتاب أو تلغيه؟

- انظر. نحن فيليبا بويانس وفران وولش وأنا (من بين منتجي وكاتبي العمل) نحب روايات تولكين. معجبون بها. لكن مسؤولياتنا كصانعي أفلام تعلو عن مسؤولياتنا كمعجبين. لذلك، ننظر دائما إلى المسائل المطروحة من دون تشتت أو حيرة: هل يفيد هذا التغيير العمل تجاريا أم لا. لا أقول إن الأمر بسهولة ما تقترحه الكلمات، لكنه المرجع الوحيد أمام أي معضلة تواجهنا في هذا الشأن.

* لا بد أن ذلك بات أمرا اعتياديا بالنسبة إليك، فأنت حققت الثلاثية الأولى، وهذه الثلاثية أيضا بمعنى أنك عشت لأكثر من خمس عشرة سنة في عالم من المغامرات الفانتازية. هل حرمك ذلك من فرص لأعمال أخرى أقل إجهادا أو أكثر اختلافا؟

- هذا سؤال جيد. هناك حسنات ومساوئ، وحياتك تتغير دوما تبعا لاختياراتك أو لما يقع معك. على مستوى شخصي، تجد نفسك وقد أصبحت معروفا أمام ملايين الناس. على مستوى مهني، قد تحن لأعمال مختلفة، لكن هذا إذا كانت هذه الأنواع الأخرى في صميم رغبتك. سأقول لك شيئا: حين كنت في السابعة أو الثامنة من عمري، حصلت على كاميرا «سوبر 8» من والدي. كنت دائما مبهورا بالخيال العلمي والمغامرات الفانتازية. كنت أحب كنغ كونغ وإبداعات راي هاريهاوزن (صانع الدمى المتحركة للكثير من الأفلام قبل استنباط البديل الغرافيكي). أردت أن أصبح صانع أفلام لهذا النوع من الخيال. أردت تحقيق أفلام هروبية. هناك، قررت أن هذا ما أريده لنفسي وما سأسعى لتحقيقه. وهذا ما حدث معي... كم من الناس تستطيع أن تقول إن ما حلمت به حققته؟ أنا محظوظ فعلا.

* ذكرت قبل قليل مسؤوليتك حيال الاستوديو. ما تفاصيل هذه المسؤولية؟

- ليس هناك كتاب قوانين. ليس هناك عقد ولا نص مكتوب على الورق. لا علم لي بأن هناك عقدا بيني وبين «وورنر». ما أعنيه هو أنني أصبحت بعد «سيد الخواتم» ذا سـلطة، وأنا أكره هذه الكلمة، وذلك بسبب نجاح تلك الثلاثية. هذا ما مدني بالقوة وبالقدرة على أن يكون عندي صوت نافذ في القرارات، ولو فشلت أفلامي لما تمتعت بهذا الصوت. أنت لا شك تعرف هوليوود. اصنع فيلما ناجحا وسيمدك هذا بسـلطة ونفوذ لا يتمتعان به إلا قليلون غيرك. لكن من الضروري عدم سوء استخدام هذا الموقع. عليك أن تحترم الآخرين. أنا أستمع لهم وهم يستمعون لي. لا أدري في الحقيقة من «الرئيس» (the boss) في هذه العلاقة.

* كل استوديو في هوليوود له وضعه الخاص حيال المخرجين والمنتجين. هل أنت مرتاح مع «وورنر»؟

- جدا. «وورنر» استوديو جيد. علي أن أقول إنه من بين كل الاستديوهات التي تعاملت معها، «وورنر» على القمـة. إنه ليس الاسم وليس الشعار، بل الناس الذين يعملون في ذلك الاستوديو. هؤلاء أناس جيدون وأنا سعيد بالعمل معهم.

* هل لديك وقت لمشاهدة الأفلام الجديدة؟

- أحاول أن أشاهد الأفلام الجديدة. يتوقـف هذا عادة على كم أنا مشغول. أحب الأفلام وأسعى إلى ألا يمنعني العمل في السينما عن التوقف عن حب الأفلام.

* ما آخر فيلم شاهدته؟

- شاهدت «جاذبية» الذي أحببته جدا. هذا الفيلم واحد من الأعمال التي جعلتني أدرك لماذا نحن نصنع الأفلام. لهذا السبب، السينما موجودة. ما أحبه في السينما هو أن الناس تخرج بأشياء مختلفة بعد كل فيلم. كل منا لديه سبب مختلف للذهاب إلى السينما.

* دائما أقول إن السبب الأكبر هو الفضول؟

- ربما. الناس تريد أن تعرف شيئا ما وتدرك أن هذا الفيلم أو ذاك يمنحها هذه المعرفة. لكن أيضا، نحن نريد أن نهرب. السينما الترفيهية ليست عارا على من يعشقها. أحب السينما الهروبية التي تنقلني إلى عالم بعيد وزمن آخر وواقع مختلف عن الذي نعيشه. تحولني إلى أبعاد جديدة وهذا ما وجدته في «جاذبية».

* هل تمر السينما بأزمة؟

- أعتقد أنك تستطيع أن تقول إن السينما تمر بأزمة. الإنترنت كان مفاجأة للاستوديوهات، لم تعرف كيف تتعامل معها. لقد تعثرت قليلا بسبب التكنولوجيا وتواجه تقلص عدد المشاهدين، وكذلك تعاني سوق الـDVD انحسارا ولو طفيفا. لا أعتقد أن صناعة السينما أعدت خططا لمواجهة التطورات التقنية الحاصلة وكيف ستتعامل مع الإنترنت والوسائط الجديدة التي يتيحها وتأثير ذلك على الجمهور.

* هل الاعتماد على العناوين التي أثبتت فاعليتها وعلى الأجزاء اللاحقة للفيلم الناجح أو إعادة صنع أفلام أثبتت نجاحها نتيجة لما تذكره أم مسببا؟

- أعتقد أنه نتيجة. القارب يهتز قليلا في الوقت الحالي، ولأنه يهتز نجد صناعة السينما مضطرة إلى تحقيق أفلام الأجزاء وأفلام يمكن استغلالها في أسواق تجارية مختلفة. هذا مرده إلى الخوف والرغبة في اعتماد أعمال مضمونة. لكن في وقت قريب، سيتوقـف اهتزاز القارب، وستتمكن هوليوود من إعادة بعض التوازن وتقدم على إنتاج أفلام غير مسبوقة. أفلام أصلية جديدة.

* تعتمد على تقنية مفادها التصوير بدرجة 48 كادر في الثانية عوض 24 كما السائد. لكن أحدا لا يتـبع خطواتك، ما السبب؟

- حين أقدمت على ذلك، وأريد أن أؤكد أن ذلك كان عن دراية وبعد دراسة تقنية واسعة، وجدنا أن النظام الجديد له أعداء وأصدقاء. الكثيرون هاجمونا عليه والكثيرون مدحونا عليه. لا أستطيع ادعاء أن هذا النظام أنجز ما أراده. الذين شاهدوا الفيلم بالأبعاد الثلاثة، لاحظوا بعض العيوب التي تستحق المعالجة. لكني لا أستطيع أن أقول لك إنني لن أعمد إلى هذه التجربة لاحقا.

* كان هذا سؤالي التالي: هل تقوم باستخدام هذا النظام في المستقبل؟

- أنا الآن غير قادر على التفكير في المستقبل. لا أدري.

* لكن، إذا ما كانت هناك شكاوى؟

- صحيح. لكن، لا أعتقد أن العيب كامن في استخدام نظام الـ48، بل في التصوير بالديجيتال. الكاميرا هي التي لم تستوعب تماما المطلوب. أعتقد أننا في هذا الجزء الثاني حسـنا نوعية الصورة لأننا واجهنا معضلة التصوير. النظام الجديد هو ما نعمل عليه وهو خال في رأيي ورأي من معي من الخطأ. أعتقد أنه الوسيلة الأفضل لمشاهدة الفيلم بنظام الأبعاد الثلاثة.

* أخيرا، أريد أن أسألك: متى سنشاهد نسختك من مغامرات (تن تن)؟

- هذا المشروع بانتظاري أنا. وأنا كنت مشغولا طوال هذه الفترة، أي منذ أن قام ستيفن سبيلبرغ بتحقيق الفيلم الأول. ليس عندي تصوير جديد لسلسلة «ذا هوبيت» في العام المقبل (2014). الفيلم جرى تصويره بالكامل، لكن لدي مراحل ما بعد التصوير التي ستشغلني لأمد طويل أيضا. بعد ذلك، سأعود إلى هذا المشروع وسأجد له الوقت الكافي، لأنه ليس بالإمكان الاشتغال عليه في الوقت الذي أشتغل فيه على فيلم بهذا الحجم. كل ما في الأمر أنه لم يكن لدي أي وقت. لكني أعد بأنني سأوليه اهتمامي مباشرة بعد الانتهاء من الجزء الثالث.