«مداخن التحلية» تخرج من الخدمة.. لتطوي معها صفحة أول ناطحة سحاب بجدة

غذت السكان بالمياه لـ35 سنة.. وكانت لزائريها وجهة لبوصلتهم

صورة للمداخن الأربع التقطت أخيرا قبل خروجها من الخدمة («الشرق الأوسط»)
TT

تتزين جدة (غرب السعودية) بالكثير من المعالم التاريخية التي تتميز بها عن بقية مدن البلاد، عبر رموز عرفت بها كمعالم عمرانية ونقوش على دور ساكنيها في المنطقة التاريخية بوسط البلد، إلا أن المعلم الأبرز الذي تتخذ منه مدينة جدة صورة ذهنية للتعريف بها في البطاقات البريدية والإهداءات بين زائريها يظل حكرا على مداخن تحلية المياه غرب جدة.

وأضحت تلك المداخن من المعالم التي يصف بها ساكنو مدينة جدة لزائريهم من خارجها طريقهم للاستدلال على عناوين وجهاتهم عبر شوارع جدة القديمة، في عملية توصيف تتخذ من ذلك المعلم المرتفع في سمائها بأكثر من 150 مترا، وجهة لبوصلة مسيرتهم.

إلا أن تلك المداخن التي ترتفع منها أبخرتها المتصاعدة من فوهاتها الأربع، باتت اليوم خارج خارطة السياحة بعد 35 سنة، قدمت للسكان والزائرين أول قطرات الحياة من المياه المحلاة، لتتنحى قصرا لمواقع التواصل والأقمار الصناعية أو ما يعرف بـ«GBS».

وشيدت المداخن على مساحة تزيد على خمسة آلاف متر مربع، بهدف إخراج العوادم الناتجة من إحراق الوقود المستخدم في صناعة المياه، إلى أعلى مرتفع، ضمن مواصفات المؤسسة العامة لتحلية المياه، واشتراطات الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، مع تطبيق قواعد أنظمة البيئة، من خلال أخذ عينات من الغازات لتحليلها للتأكد من جودة الاحتراق التي لا بد أن تكون في الحدود المسموحة، كما أن هذه المداخن في المرحلة الثالثة، تشكل النواة والبدايات لحكاية تاريخ المياه في المملكة والتجارب الأكثر نجاحا لتحلية مياه البحر.

ويأتي إعلان المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة عن إخراج محطة جدة المرحلة الثالثة لمدخنتين هذه الأيام يليها باقي المداخن، في أعقاب ما اعتلاها من وهن في ظل التقنية الحديثة «التناضح العكسي»، بعد أن ساهمت في تقديم الدفعات الأولى من المياه، وعزم المؤسسة على استبدال هذه التجربة بتجارب أخرى ملائمة للتطور الذي تشهده المملكة في شتى المجالات بما في ذلك تحلية المياه المالحة.

وقال المهندس محمد الثبيتي مدير عام تحلية المياه بالساحل الغربي: «إن العد التنازلي بدأ لإغلاق مدخنتين من مداخن المحطة تمهيدا لخروجها النهائي من منظومة عمل المؤسسة وإحلال محطة جدة للتناضح العكسي بديلة عنها في الإنتاج»، لافتا إلى أن إغلاق المحطة لن يؤثر على الكمية المنتجة من المياه المحلاة لمدينة جدة.

وأضاف مدير عام تحلية المياه بالساحل الغربي: «إن هذه المداخن تشكل حكاية مهمة في تاريخ تحلية المياه المحلاة في المملكة، التي تعد النواة الأولى في تدفق المياه بكميات كبيرة على المستوى المحلي، وخروجها يشكل اقتطاعا من قصة نجاح المؤسسة في هذا السياق»، مستدركا أن محطة جدة للتناضح العكسي الجديدة ستنتج أضعاف ما كانت تنتجه محطة جدة للمرحلة الثالثة، حيث تقدر كمية المياه المنتجة حاليا بـ«220 ألف متر مكعب»، على أن تستكمل طاقتها الإنتاجية خلال شهرين لضمان استمرار إنتاج المياه المحلاة دون انقطاع.

وأردف المهندس الثبيتي أن المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة بصدد إنشاء محطة جديدة بنظام التناضح العكسي المرحلة الرابعة في الربع الأول من عام 2015م، ويبلغ إنتاجها إلى 400 ألف متر مكعب من المياه المحلاة، فيما تضع المؤسسة معايير صارمة للمحافظة على البيئة في محطاتها مطبقة قواعد وأنظمة البيئة، وفق الضوابط المعمول بها عالميا في هذا المجال، وهي ضمن الأهداف الاستراتيجية لها، لافتا إلى حرص المؤسسة على تفعيل استراتيجية الاستدامة البيئية.

وعن برامج المراقبة للغازات المنبعثة من المحطات، قال العتيبي: «إن المؤسسة لديها برامج عن طريق أجهزة مراقبة جودة الاحتراق للتأكد من وجود الأكسجين الكافي لذلك، وبذلك تتلاشى انبعاثات الغازات من محطاتها»، مبينا أن الدكتور عبد الرحمن آل إبراهيم، محافظ المؤسسة لتحلية المياه المالحة، شدد في مناسبات سابقة على أن المؤسسة أول مستشعر بأهمية المحافظة على البيئة لاعتبارات عدة.

وبالعودة إلى محطة جدة، المرحلة الثالثة، التي ستخرج نهائيا بما تحتويه من مداخن، عن الخدمة في مطلع العام المقبل 2014، وكان إنتاجها حسب الطاقة التصميمية «256 ميغاواط» من المياه المحلاة، بواقع 88 ألف متر مكعب يوميا، اتجه عدد من الشباب المهتمين بالتصوير الفوتوغرافي إلى أقرب نقطة من المحطة لالتقاط آخر الصور مع تصاعد الأبخرة قبل إزالتها، وإرسالها عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت عبارة «آخر صورة» التقطت لمداخن جدة.

ويبدو بحسب أحمد حسين (مصور) أن هناك توجها لبعض الشباب لإطلاق معرض لأفضل الصور، تحكي واقع المداخن وارتباط سكان جدة بها، منذ انطلاقها وحتى خروجها من الخدمة، وأبرز المواقف التي مرت على المحطة الثالثة وتوقف المداخن في فترات متفرقة خلال السنوات الماضية.