كورنيش نيل القاهرة يعيد رفع شعار «متعة التنزه»

يعكس شعورا بالطمأنينة بين المصريين

الزوار توافدوا لركوب المراكب النيلية («الشرق الأوسط»)
TT

يرفع كورنيش نيل القاهرة شعار «متعة التنزه» على الرغم من استمرار مظاهرات جماعة الإخوان بين حين وآخر، خاصة في أيام الجمع. ويبدو أن الغالبية العظمى من المصريين أخذوا يستعيدون حياتهم وسهراتهم على الكورنيش الذي تقطعه الكباري، ويمتد من شمال العاصمة إلى جنوبها.

وهنا يمكن أن ترى المشهد كلوحة فنية.. الشمس وقت المغيب والمراكب الشراعية المبحرة في صمت، والباعة المصطفون في انتظار الزبائن الذين ينتمي غالبيتهم إلى الطبقة الدنيا والمتوسطة.

ووقف أحد الباعة، ويُدعى محمد، أمام عربته التي يعرض عليها أنواعا مختلفة من الحلويات، وفي يديه قطعة قماش بيضاء يجفف بها زجاج العرض، معلنا عن سعر قطعة الحلوى الذي لا يتعدي جنيهين (أي أقل من نصف دولار). وقال وهو يرتب بضاعته، حيث يقف على رصيف الكورنيش خلف مقر المتحف المصري القريب من ميدان التحرير، إن الأحوال تحسنت كثيرا بعد ثورة 30 يونيو واتجاه الأوضاع نحو الاستقرار، مما شجّع المصريين على الخروج للتنزه، على الرغم من بعض المظاهرات الصغيرة هنا وهناك.

وأوضح: «الحمد لله الوضع تحسن كثيرا وانقلب 180 درجة.. فبعد أن كان المكان يخلو من الزائرين ويعاني من توقف حركة البيع والشراء، بدأ في التحسن التدريجي، ويمكنك أن ترى توافد محبي التنزه والسهر حتى بعد منتصف الليل على الكورنيش».

وتنتشر الأكمنة الأمنية والدوريات الشرطية في قلب القاهرة وضواحيها. وعلى جانب الكورنيش كانت هناك سيارة شرطة تراقب الوضع. وقال البائع محمد وهو يرشف من كوب شاي، إن تحسن الوضع بالشارع يرجع لسيطرة رجال الأمن، مضيفا أن عدد الزائرين المتوافدين علي المكان في تزايد مستمر. وأوضح: «أعتقد أنه مع عودة الأمن والقضاء على الإرهاب سيعود الوضع لأفضل مما كان عليه قبل الثورة».

وكانت المنطقة الحيوية لطريق كورنيش النيل قد تعرضت للإغلاق أكثر من مرة على مدار الأشهر الستة الأولى من العام الماضي، واستمرت نحو شهرين آخرين بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي. وكان سبب الإغلاق، كما يقول أحد المسؤولين الأمنيين بالمنطقة، عنف الجماعات المتطرفة التي كانت تفتعل الاشتباكات مع قوات الأمن بالمنقطة التي يقع فيها فندق (سميراميس) وميدان سيمون بوليفار وعدد من السفارات الغربية.

وبدأت الحركة تدب من جديد عبر المسارات والطرق الواصلة بين قلب القاهرة والكورنيش، وهي الطرق والمسارات نفسها التي ظلت لعدة أشهر مسرحا للمظاهرات، حيث حاول أنصار الرئيس السابق محمد مرسي أكثر من مرة السيطرة عليها والاعتصام فيها.

وعلى طول الكورنيش يوجد باعة للمأكولات والمشروبات الساخنة، التي يعد من أشهرها مشروب «حمص الشام». وكتب على إحدى عربات البيع بخط عريض، «وبشر الصابرين». وعلى بعد أقل من مترين كانت عربة أخرى تبيع «الذرة البيضاء المشوية». ويقول بائع الذرة حسين: «في السابق الأحوال لم تكن على ما يرام. كنت تشعر بأن الناس تخاف من الخروج، حتى أيام الرئيس السابق محمد مرسي، كان يوجد خوف من شيء ما. وكان مكسبي اليومي وقتها لا يتعدى الـ20 جنيها، لكن اليوم ترى الزبائن يتوافدون، وإيرادي اليومي يصل إلى 60 جنيها، وأحيانا إلى 100 جنيه».

وتقع على القرب من نيل القاهرة كثير من الفنادق الكبرى. وبين حين وآخر تصل مجموعة من رواد هذه الفنادق، وعادة من العرب والأجانب، للتمشية ومشاركة المصريين الاستمتاع بالجلسات البسيطة فوق الكباري المعلّقة على النهر. ومع اقتراب مغيب الشمس، يقف بائع الشاي، أيمن طاهر، وهو يذيب السكر بالملعقة في كوبين لاثنين من الزبائن الجدد. ويقول: «هناك زبائن آخرين يفضلون الخروج للكورنيش في الأوقات المتأخرة من الليل على الرغم من لسعة البرد، لكنهم يعوضون ذلك بـ(الشاي الساخن)». وفي المنطقة القريبة من النيل، بجوار «الكاتدرائية الإنجيلية» التي تعد من أهم الكنائس التاريخية في مصر، وصلت مجموعة جديدة من الأسر المصرية، لكنها كانت متوجهة مباشرة إلى مرسى المراكب والزوارق للقيام بجولة فوق النهر. ويقول أحمد علي، وهو مهندس شاب، بينما يستعد لركوب أحد المراكب الشراعية: «هذه أول مرة أركب فيها مركبا منذ ثورة 30 يونيو.. أشعر أن الأحوال تتحسن، ولم تعد أسرتي وأقاربي يخشون من الخروج إلى النيل».

وبمرور الوقت زاد عدد الزوار أمام مرسى المراكب لحجز جولة عائلية في النيل. ويتسع المركب الواحد في المتوسط لنحو 60 شخصا، وتستغرق رحلته 30 دقيقة يمر خلالها المركب بجميع المنشآت المحيطة بالكورنيش. وتشمل الرحلة الجانبين الترفيهي والثقافي معا.

ويقول سيد محمد الذي يؤجر واحدا من هذه المراكب: «منذ نحو أسبوعين أصبح في الإمكان القول إن الناس كسروا حاجز الخوف، على الرغم مما يسمعونه عن بعض مظاهرات (الإخوان) المحدودة، وبعض العمليات الإرهابية».

ويبلغ سعر تذكرة الجولة بالمراكب «العامة» في النيل خمسة جنيهات، لكن بعض المراكب مخصصة للرحلات العائلية الخاصة، وتُحجَز بالساعة، ويبلغ مقابل الساعة نحو 60 جنيها.

وفي الجانب الآخر عربات «الحنطور» السياحية، التي تجرها الخيول، للظهور على الكورنيش لإغراء الزبائن بالنزهات الليلة في هذه العربات على طول الكورنيش، حيث يكون زحام السيارات أقل من معدلاته في النهار. ويقول عباس حلمي وهو يمسك بلجام الحصان: «في الفترة الماضية لم نكن نجد ثمن طعام الحصان.. نحن نعتمد في المقام الأول على السياح العرب والأجانب من رواد الفنادق المجاورة، وكذلك على المصريين الذين يكون لديهم مناسبات سعيدة مثل حفلات الزفاف وأعياد الميلاد. ركوب الحنطور على الكورنيش مزاج».