باكستان تستعين بشخصيات سياسية ودينية لدعم حملة للتطعيم ضد مرض شلل الأطفال

تسجيل 83 إصابة بالمرض العام الماضي فيها.. متقدمة على أفغانستان ونيجيريا

تطعيم أطفال باكستان ضد شلل الأطفال (واشنطن بوست)
TT

تشهد المناطق القبلية الواقعة شمال غربي باكستان، حيث يستهدف الجنود الباكستانيون والطائرات الأميركية دون طيار مقاتلي طالبان، حربا موازية ضد فيروس شلل الأطفال الذي لا يزال متوطنا في ثلاث مناطق من العالم.

وكشفت التقارير عن تسجيل 83 إصابة بمرض شلل الأطفال العام الماضي في باكستان، متقدمة على كل من أفغانستان ونيجيريا، حيث لا يزال المرض متوطنا هناك.

لكن الجهود الحثيثة التي تبذل لمواجهة المرض تعيقها موجة الهجمات التي يشنها مقاتلو طالبان، فقد شهدت الشهور الثلاثة الماضية مقتل وإصابة ما لا يقل عن 10 من العاملين في حملات التطعيم أو قوات الشرطة المرافقة لهم في المنطقة الشمالية الغربية القريبة من الحدود الباكستانية.

ويأمل المسؤولون في أن تتمكن شخصيات باكستانية نافذة، بينهم علماء دين بارزون يشاركون في حملة كبيرة للترويج للتطعيم ضد شلل الأطفال، في إقناع المسلحين وتبديد الشكوك بشأن البرنامج بين سكان هذه المنطقة.

ويقول إلياس دوري (طبيب يعمل في منظمة الصحة العالمية في إسلام آباد)، الذي يرأس الحملة القومية للتطعيم ضد شلل الأطفال: «كانت هذه حملة صعبة للغاية، لكن المشكلات تقتصر على عدد محدود للغاية من المناطق. ففي الأماكن التي يمكن للقاح الوصول إليها لا نجد مقاومة تذكر، لكن المشكلة الرئيسة هي أن أغلب الحالات تأتي من المناطق التي لا يمكن للمشاركين في الحملة الوصول إليها».

وقد حاول موظفو الصحة والمسؤولون لسنوات إقناع المسلمين المتشددين الموافقة على تطعيم الأطفال، لكن العنف ضد العاملين في حملة التطعيم ضد مرض شلل الأطفال بلغ ذروته في أعقاب الكشف عام 2011 أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية استغلت حملة تطعيم مستقلة وسيلة لجمع معلومات عن أسامة بن لادن قبل مقتلة في باكستان. واستمرت الهجمات بشكل متفرق منذ ذلك الحين.

لكن المتحدث باسم طالبان باكستان نفى قيام الجماعة بشن الهجمات الأخيرة، التي لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عنها، غير أن طالبان تصف حملة التطعيم بالمؤامرة الغربية ضد الإسلام، ففي المقاطعات التي تشكل خطورة على المشاركين في الحملة لا يتسنى تقديم اللقاح لمئات الآلاف من الأطفال، ونتيجة لذلك شهد عدد الإصابات ارتفاعا كبيرا عن عام 2012 الذي وصلت فيه الإصابة إلى 51 إصابة.

من بين الشخصيات التي جرت الاستعانة بها لإقناع المتشددين للسماح بعمل موظفي الحملة، سميع الحق، رجل الدين المتشدد الذي كانت مدرسته في شمال غربي باكستان مكانا لتدريب مقاتلي طالبان، الذي أصدر فتوى مؤخرا يؤكد فيها على أهمية التطعيم ضد مرض شلل الأطفال والأمراض الأخرى، وأنه لا يوجد في الإسلام ما يحظرها، وأن الشكوك التي تثار حولها لا أساس لها من الصحة».

وقال سميع الحق، الذي جرى تعيينه مؤخرا مبعوث سلام حكوميا لدى طالبان الباكستانية في مقابلة معه في مدرسته: «شعرت بأهمية توضيح مثل هذه الحقائق حتى لا يشعر الناس بالارتباك، فالإسلام يحض على ضرورة التداوي من الأمراض».

كان من الأسباب التي دفعت الباكستانيين إلى الحديث عن مرض شلل الأطفال التهديد المتزايد بفرض حجر صحي أجنبي وقيود على السفر، خصوصا بالنسبة للعمال الباكستانيين في الخارج الذين تساعد تحويلاتهم النقدية الاقتصاد الباكستاني المتردي.

وفي الثالث من يناير (كانون الثاني) أعلنت الحكومة الهندية منتصف فبراير (شباط) كموعد نهائي لزائريها الباكستانيين بضرورة الحصول على دليل على التطعيم ضد شلل الأطفال.

وفي غرفة التحصين في المستشفى القريب من مدرسة «سمي الحق»، وجد الكثير من النساء يحملن أطفالهن ينتظرن تطعيم الأطفال ضد مرض شلل الأطفال والأمراض الأخرى. وقالت النساء إنهن لا يعرفن معنى كلمة «شلل الأطفال»، لكنهن يستخدمن مصطلح «معوق» لوصف المرض. وعبرن عن رغبتهن في حماية أطفالهن.

وقال مؤمن خان، 53 عاما، مزارع أحضر زوجته وحفيده للتطعيم: «نعتقد أن هذا شيء مفيد للإنسانية».

ويروى جمال شاه، العامل في المستشفى، أن الحكومة عندما بدأت في تقديم اللقاحات للأطفال ضد المرض في الثمانينات، اعتقد الكثير من الأفراد أن التطعيم مؤامرة غربية لإصابة المسلمين بالعقم، لكن المقاومة بدأت تخبو تدريجيا في ظل انتشار التعليم العام. واليوم يخدم المستشفى الذي يعمل به شاه نحو 5000 طفل شهريا، وجرى تطعيم أكثر من 34 مليون طفل باكستاني.

لكن شاه ومسؤولي الصحة المحليين قالوا إن عملهم بدأ يواجه صعوبات جمة بعد قضية شاكيل أفريدي، الذي اعتقل عام 2011 بعدما أرسلته وكالة الاستخبارات الأميركية للحصول على معلومات عن أسامة بن لادن تحت غطاء حملة للتطعيم ضد مرض الفيروس الكبدي في مدينة شمال غربي باكستان، حيث قتل زعيم طالبان باكستان في وقت لاحق في غارة أميركية.

وقد أشاد المسؤولون الأميركيون بدور أفريدي، لكنه اعتبر خائنا في نظر الكثير من الباكستانيين، وقالت بعض المنظمات الطبية الخيرية الغربية إن حملة التطعيم الكاذبة قوضت من مصداقيتها. وقد أدين أفريدي بتهمة الخيانة العظمى وحكم عليه بالسجن 33 عاما، على الرغم من تصريح المسؤولين أن ذلك كان نتيجة لصلاته المزعومة بالمجموعات الباكستانية المسلحة.

وأضاف شاه: «كان لهذه الحادثة أثر كبير على تفكير الباكستانيين، فقد بدأوا بعد ذلك في تجنب فرق التطعيم ضد مرض شلل الأطفال، لكن مشاركة شخصيات معروفة في دعم الحملة كان لها تأثيرات إيجابية. فلم يتبقَّ سوى 10 عائلات في منطقتنا هي التي لا تزال ترفض تطعيم الأطفال».

* خدمة «واشنطن بوست»

* خاص بـ«الشرق الأوسط»