«مدينة الديناصورات» في لبنان متحف ترفيهي تتحول فيه الأحلام إلى واقع

رحلة في عالم العلوم واقتحام لمرحلة ما قبل التاريخ

طفل أمام ديناصور داخل الحديقة
TT

تستقبلك أصواتها الحية التي تجعل الزوار يتخيلون أنها صادرة عن تلك المخلوقات الضخمة الموزعة في أرجاء مدينة الديناصورات فيهابون الموقف ويتخيلون أنفسهم كأنهم حقا وجها لوجه أمام أحدها.

في منطقة عجلتون الكسروانية، وعلى مساحة تقارب 10 آلاف متر مربع، تتربع غابة «DINO CITY»، هذه المدينة الترفيهية التثقيفية التي تشبع فضول كل متعطش للمعرفة وتبهر كل من يزورها، بعد أن جرى افتتاحها عام 2006 حاضنة في أفيائها متحفا للديناصورات في الهواء الطلق، وآخر لإنسان ما قبل التاريخ.

فمن خلال المتحف الأول يتعرف الزائر على سيرة كل ديناصور، بدءا من منشئه وصولا إلى حجمه وعمره وأدق تفاصيل حياته.. فيما ينتقل في المتحف الثاني إلى حديقة الإنسان الأول المزروعة منحوتات تجسد شكله القديم ولباسه وطريقة عيشه والمراحل التي قطعها للانتقال من العصر الحجري إلى الزمن الحضاري.

وتقول باسكال رزق، مديرة المشروع، في حديث لـ«الشرق الأوسط» التي التقتها داخل أرجاء متحف الديناصورات: «الأطفال يحبون هذه الحيوانات ويهتمون بكل تفاصيلها. للوهلة الأولى يخافون من كبر حجمها وعلوها الهائل، لكن سرعان ما يسيطرون على الوضع ويطرحون الأسئلة التي تشعرهم حتما بأنهم أقوى منها، خصوصا بعد أن يستوعبوا أنها حجر صامت».

قبل الولوج إلى المتحف العلمي الذي يضم خمس غرف تروي كل واحدة قصة اكتشاف الأرض والكون والكواكب والديناصورات وصولا إلى الإنسان، لا بد للزائر من أن يتوقف عند مكتب رزق الذي تدل محتوياته وأثاثه وهندسته على مرحلة ما قبل التاريخ.

ففي الغرفة الأولى نتعرف إلى الانفجار الكوني الذي حصل قبل 15 مليار سنة، وكواكب المنظومة الشمسية، ومن ثم نتابع حقائق علمية حول تكوّن الأرض وانخفاض درجة حرارتها في مرحلة لاحقة، وتحولها من جحيم ملتهب إلى كوكب أزرق فاتر بفضل المياه.

أما في الغرفة الثانية، فيتعرف الزائر إلى الأرض ومكانها في الكون، والنهار والليل، والفصول، وتحرك المحيطات والقارات..

وبالانتقال إلى الغرفة الثالثة، نكتشف أشكال الحياة وتطورها على الأرض منذ تكونها قبل نحو أربعة مليارات سنة ولغاية ظهور الإنسان قبل نحو مليون سنة.. ثم نصل إلى الغرفة الرابعة المخصصة للديناصورات، فهل كانت فعلا موجودة؟ كيف عاشت؟ وكيف انقرضت؟

وفي الغرفة الخامسة والأخيرة نتعرف على نشوء إنسان ما قبل التاريخ وتطوره وصولا إلى عصرنا الحالي.

للوهلة الأولى عندما يقترب أي من الزوار من مجسمات لديناصورات بأحجامها الطبيعية ويسمع أصواتها الحية، يخيل إليه أنها حقيقية فيرتاب من الوضع..

ويعود ذلك، وفق رزق، إلى فريق المهندسين والحدادين والنحاتين اللبنانيين والأجانب الذين أتقنوا عمل هذه المجسمات.

وما هي إلا خطوات قليلة حتى ينتقل بك الزمن إلى التاريخ الغابر، ومن ديناصور إلى آخر تعرفنا على زواحف لطالما شكلت نقطة تساؤل واستفسار عند محبي هذا النوع من المخلوقات.

البداية كانت مع «التيرانوصور ريكس» أي «ملك الزواحف الطاغية»، ومعه تعرفنا على الديناصور الأكبر بين تلك اللاحمة (آكلة اللحوم) وهو الأكثر وحشية ورعبا في العالم قبل 65 مليون سنة.

ثم تجذبك «المياسورا» أي «الأم الزاحفة الحنون»، فهي من الديناصورات المكتشفة حديثا (1978 - 1979) وتتميز باهتمامها بصغارها.

ولا يكتمل المشهد إلا مع «الترايسيراتويس» أي «ثلاثي القرن»، وهو حيوان فريد من نوعه ويعد من أكبر الديناصورات العاشبة وأشهرها. يقابله «الترايسيراتوس» رباعي القوائم، وهو من الديناصورات الفتاكة، وقد كان من أواخر سلالة الديناصورات التي عاشت على الأرض. وها هو «الديبلودوكس» أي «الثنائي الروافد»، يستقبلك بحجمه الكبير ليخبرك لوحده أنه كان يمضي وقته في الأكل، وإلى جانبه «البتيرانودون»، أي «جناحان من دون أسنان»، وهو من آخر الديناصورات الطائرة الكبيرة، ويمتاز بخفته المطلقة وعظامه الفارغة.

المحطة الأخيرة في رحلتنا السندبادية هذه كانت مع «الستيجو صور» وهو من الديناصورات العاشبة، وكان ثقيلا جدا وضعيفا أمام الحيوانات المفترسة، ويملك صفائح تساعده على تعديل حرارة جسمه.

وتشرح السيدة رزق أنه «جرى اختيار الديناصورات السبعة هذه لأنها الأكثر شهرة في عالم الأفلام والسينما، فأنواع الديناصورات تفوق الألف في العالم، أما هذه الأسماء فهي الأكثر شهرة بين الناس».

أما المتحف الثاني فقد خصص مساحة مهمة لتوصيف حياة الإنسان الأول وواقعه، ونتعرف مع كل مجسم فيه على الأدوات الأولية والثانوية المستعملة في حياته اليومية.

وردا على سؤال، تجيب رزق: «كل هذا كي يتسنى للزائر التعرف على التاريخ وقراءته بشكل مبسط. ففي هذه اللافتات المزروعة عند كل صورة مجسمة، شرح وافٍ (باللغات الثلاث) عن قوة الرجل الذي عليه الاصطياد لتأمين القوت، وضعف المرأة التي عليها أولا وأخيرا تربية الأولاد واحتضانهم» ولم ينس القيمون على المتحف الإشارة في صور أخرى إلى تقدم الإنسان مع السنين، حيث جرى الاعتراف بدور المرأة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

ولا تكتمل هذه الرحلة في عالم العلوم إلا في استراحة في تلك الحديقة الواسعة والمجهزة بألعاب الأولاد التي يدخلونها بشغف، ويودعونها بحسرة على أمل لقاء قريب يتجدد.

زوار المتحف طلاب مدارس، جامعيون، محبو ترفيه، طالبو علم وثقافة، يدفعهم فضولهم إلى التعرف على عالم يسمعون أو يقرأون عنه في القصص والأساطير.. لكن اليوم، بات الحلم حقيقة، فالديناصورات موجودة، والإنسان القديم عاد «بحله وترحاله».

وفي الختام، في هذه المدينة تتحول الأحلام واقعا والحقيقة معلومة ذكية مؤرشفة بعناية ودقة وانسجام لتحجز لها مكانا في عالم الإبداع، ولتؤكد مجددا أن الطاقات اللبنانية ولادة ولا حدود لها إن تسنت لها الفرصة المناسبة.