«21.39» في جدة.. تكرم الماضي وتقدم الفن المعاصر عبر جدول حافل

يقيمه المجلس الفني السعودي

«الزبون» للفنانة صفية بن زقر (دارة صفية بن زقر) (يمين) و عمل للفنان محمد السليم (الصورة من قسورة حافظ)
TT

يبدو أن مدينة جدة ستعيش عاما حافلا بالمفاجآت، فكانت البداية مع مهرجان جدة التاريخي الذي شغل الناس، وأعاد الحياة لذكريات الآباء والأجداد فلف المدينة كلها بموجة من الحنين للماضي والاحتفاء بأجمل لحظاته.

وبعد انتهاء المهرجان سيكون أمام أهالي عروس البحر الأحمر جدول حافل بالفعاليات الفنية والثقافية يبدأ مع انطلاق فعالية فن جدة «21.39» التي يقيمها المجلس الفني السعودي المؤسس حديثا في الفترة ما بين 4 - 8 فبراير (شباط) المقبل. المجلس أقيم بإشراف مجموعة من الشباب السعودي المهتم والعامل في مجال الفنون وترأسه الأميرة جواهر بنت ماجد آل سعود رئيسة مؤسسة المنصورية للثقافة والإبداع.

وستتميز مبادرة «21.39» التي تستوحي اسمها من الإحداثيات الجغرافية لمدينة جدة بالكثير من المعارض والندوات والجولات داخل المعارض إلى جانب برامج تثقيفية وتعليمية عامة.

وفي حديث مع «الشرق الأوسط» قال محمد حافظ نائب رئيس المجلس الفني السعودي والمؤسس المشارك لصالة أثر الفنية في جدة إن الحدث الذي سيقام بصفة سنوية سيضم مجموعة من المعارض وورش العمل والمحاضرات وهو جدول يمتد على مدى شهرين.

المعرضان اللذان سيقامان في الأسبوع الأول هما «الماضي كمقدمة» و«المعلقات» وهما رؤية حمزة صيرفي وتنسيق رنيم فارسي وآية علي رضا. يشير حافظ إلى أن «الماضي كمقدمة» سيركز على الفن السعودي الحديث «نحاول التركيز على بدايات الحركة الفنية السعودية عبر عرض أعمال لفنانين سعوديين رواد من فترة الخمسينات والستينات». ويضيف أن بعض تلك الأعمال لم تنل حظها من الشهرة والتقدير، ثم يضيف قائلا «كل ما نعيشه اليوم قام على أسس هؤلاء الفنانين الذين وضعوا الأساسات للحركة الفنية الحالية، أذكر منهم صفية بن زقر، عبد الحليم رضوي، عبد الله حماس عبد الله الشيخ، منيرة موصلي، محمد السليم».

من جانبها تعلق رنيم فارسي «نقدم تحية إلى الفنانة صفية بن زقر وإلى دورها الرائد في مسيرة الفن السعودي عبر عرض أحد أعمالها وأيضا عبر إعداد أرشيف حول أعمالها سنضعه في متحفها الخاص (دارة بن زقر) كما سنقوم بتنظيم جولات فنية في المتحف». وتضيف أن الهدف من تنظيم «الماضي كمقدمة» هو تقدير دور الفنانين الرواد في إثراء حركة الفن التشكيلي في المملكة، وتشير إلى أن المعرض أيضا يقدم رؤية للأساليب الفنية المختلفة التي تبناها هؤلاء الرواد كما يظهر التأثيرات الفنية العالمية على أعمالهم.

وتضع المبادرة تركيزا خاصا على التعليم والتوعية بالفكر الفني، وتعلق فارسي أن «21.39» لن يقتصر على المعارض فقط، «نريد أن نقدم برنامجا كاملا ننظم من خلاله جولات فنية للمدارس بهدف بث التوعية الفنية».

بالنسبة للمعرض الآخر وهو «المعلقات» فتشير فارسي إلى أنه يقدم تصورا حديثا لفكرة المعلقات في الجاهلية «المعلقات كانت أول فن جماهيري استخدم كوسيلة للتعبير والحوار مع الجماهير، ما نحاول أن نقوله اليوم هو أن الفن تبنى الدور الذي كان الشعر يقوم به قديما وأصبح هو وسيلة التعبير الجماهيرية». تشير إلى أن المعرض يقدم أعمالا لـ22 فنانا منهم رائدة عاشور وعبد العزيز عاشور وناصر السالم ومها الملوح وأحمد ماطر ومنال الضويان وصديق واصل ومساعد الحليس: «كل منهم يقدم رؤية وتفسيرا لفكرة المعلقات».

أما آية علي رضا المنسقة المشاركة للمعرضين فتشير إلى سبب اختيار المعلقات بقولها: «قد يبدو للبعض أنه من الغريب اختيار مثل هذه المواضيع التاريخية لمعرض فني معاصر لكن موضوع وعنوان المعلقات كان بالنسبة لنا جذابا جدا نظرا لما تمثله هذه القصائد من أبعاد ومعان غائرة في ثقافتنا العربية».

الأعمال المقدمة تراوحت بين التجريدي بصورة حادة والحرفي المحسوس بقوة، حسب تعبير آية علي رضا وتضرب المثل بعملين للفنان ناصر السالم والفنانة دانية الصالح: «السالم وقع تحت سيطرة الرقم 7 مما قاده إلى رحلة استكشافية، أما دانية الصالح في عملها الهندسي (أهواك) فتكشف فضول وتعجب الفنانة من طبيعة الشعراء غير المتحفظة في التصريح بحبهم الذي خلدته المعلقات».

«21.39» يتضمن الكثير من الفعاليات الثقافية السنوية التي ستنظم على مستوى المدينة وتشارك فيها صالات ومؤسسات فنية محلية مثل صالة أثر التي تقدم المعرض المنفرد الأول للفنان أحمد ماطر، وصالة أيام وصالة تسامي بهدف بث مد الجسور مع العالم الخارجي وإيجاد لغة موحدة مع المؤسسات الفنية العالمية.

وسينظم معرض تعليمي خاص بمبادرة «21.39» وسيتضمن جولات ميدانية مصحوبة بمرشدين لأهم المعارض الخاصة بمجموعة من الفنانين، وبرنامجا تدريبيا للشباب المتطوعين لمراقبة أعمال الفريق وتوجيههم، ودورات توجيهية للفنانين السعوديين الشباب.

كما ستعمل الجلسات النقاشية والحوارية المفتوحة على تعزيز موضوع مبادرة «21.39» حيث ستغطي هذه الجلسات محاور مختلفة كبنية مشهد الفن المعاصر، وتوجهات الفن السعودي في المنطقة، ودور الفنانين السعوديين كسفراء للثقافة والفن السعودي، والعمل على معالجة الأفكار النمطية المسبقة التي تروج لها وسائل الإعلام الدولية. وسيشارك في هذه الجلسات مجموعة من المتحدثين الإقليميين والدوليين إلى جانب فنانين سعوديين ورؤساء معارض ومتاحف ومجموعة من الخبراء في عالم الفن.

وستولي مبادرة «21.39» أهمية خاصة للمنطقة التاريخية لمدينة جدة التي تعرف بـ«البلد» من خلال فعالية «عروض البلد» وهي عبارة عن مشاريع خاصة تحمل صفة الاستمرارية وتهدف إلى بث روح جديدة في هذه المنطقة من خلال الفن وتسليط الضوء عليها كمركز للفن والإبداع. كما يهدف هذا العرض إلى التشجيع على المحافظة على جمالية البيئة المحيطة من خلال عدد من الأعمال الفنية التشكيلية، والفنون الأدائية وسلسلة من ورشات العمل الخاصة بالأطفال المحليين.

* المعلقات.. من الشعر إلى الفن «شجرة العائلة».. المجتمع من وجهة نظر نسائية

* تتحدث الفنانة منال الضويان مع «الشرق الأوسط» حول عملها المعنون «شجرة العائلة» الذي تشارك به في معرض «المعلقات» بحماس معهود منها وتقول «هذا المشروع يكمل مشاريعي السابقة من عدة نواح، الأولى هو صفة المشاركة فأنا أقدم أعمالا تعتمد على مشاركة النساء بشكل فعال يسمح لهم بالتعليق على عدد من الأمور الاجتماعية الخاصة بهم. الجانب الثاني هو أن (شجرة العائلة) يستكمل تناول مواضيع تناولتها من قبل وهي (النسيان والاختفاء) مثل اختفاء الأسماء، فقضية التعامل مع اسم المرأة في المجتمع التي قدمتها في مشروع (اسمي) أو فكرة الاختفاء حيث تختفي المرأة في الطرح الاجتماعي والإعلامي خلف غلالة سوداء وقد نجد في يوم أن ذات المرأة السعودية كما نعرفها ستختفي وستحل محلها صورة استحدثتها وسائل الإعلام».

عمل «شجرة العائلة» سيعتمد على عدة لقاءات تعقد في جدة والرياض والخبر مع مجموعة من النساء. من خلال اللقاءات تطلب الضويان من كل مشاركة رسم شجرة لعائلتها، المطلوب هنا هو الأسماء النسائية فقط، شجرة عائلية نسائية بحتة. يثير ذلك التحديد تساؤل «ألا تعتمد شجرة العائلة عادة على النساء والرجال؟»، تجيبني الضويان «هي شجرة العائلة من المنظور النسائي، فالرجال قدموا لنا رؤية لتاريخ المجتمع السعودي متأثرة بعوامل خارجية يعايشونها مثل السياسة والعلاقات الاجتماعية لكن النساء لهن تاريخ مختلف، فهن يعشن في البيوت، يمكننا رصد التاريخ الشعبي، العادات والتقاليد عن طريقهن. شجرة العائلة التي أقدمها ستضم أيضا التراث الشفهي وأغاني الأطفال والحكايات والقصص المتوارثة عن الأمهات والجدات، كل تلك العناصر ترسم لنا صورة لتقاليد وعادات المجتمع السعودي من وجهة نظر المرأة».

تطلب الضويان من كل مشاركة أن تقوم بكتابة قائمة بأسماء الأمهات والجدات وجدات الجدات «قد لا تصدقين أن هناك الكثيرات من الجيل الحالي لا يعرفن أسماء جداتهن، وبالمثل أسماء جدات الأمهات. هو تدريب أجبر به المشاركات على تذكر الأسماء، وفي الورشة سأطلب من كل من المشاركات تقديم قصة أو طرفة أو أغنية ما قبل النوم سمعتها من أمها أو من جدتها. أريد أن أجمع تلك المعلومات وأكون منها أرشيفا. المجسم للشجرة يبدأ بالجيل الحالي ومنه إلى الجدات وجدات الجدات حتى آخر اسم يمكن للمشاركة أن تتذكره، أو عند نقطة اختفاء المرأة من الذاكرة وهو أساس مشروعي».

المشروع يبدو مقدمة لمشاريع مشابهة تقيمها الضويان في بلدان الخليج العربي تبدأها من الدوحة.