عزوف رجال الدين في إيران عن ممارسة الرياضة.. وقيود أمام النساء

في ظل قلة الصالات الرياضية وعدم وجود فرق جامعية

TT

اكتسب رجال الدين مكانة مميزة بعد قيام الثورة الإسلامية في عام 1979، إذ لا يمكن تجاهل الدور الأساسي الذي تقوم به هذه الشريحة في الوقت الحاضر في قطاعات السياسة، والثقافة، والاقتصاد، والاجتماع.

وتعد الأوساط الدينية أن مهامها الرئيسة تتلخص في تزكية النفس، غير أنها ترى أنها تجاهلت المجال الرياضي، وعليها القيام بدور مهم فيه، ولهذا بدأ ازدياد اهتمام رجال الدين بالرياضة من منطلق أن الدين الإسلامي يؤكد على التربية البدنية والنفسية.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يمكن لرجال الدين القيام بدور بارز في الساحة الرياضية، وهل هناك رغبة في الانخراط في المشهد الرياضي بشكل محترف، أي إنشاء فرق رياضية محترفة خاصة بهم أم الاكتفاء بممارسة التمارين الرياضية البسيطة التي تؤدي إلى صحة أفضل؟

وفي محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات، تحدث المحافظ السابق لمحافظة قم الدينية حجة الإسلام موسى بور عن ضرورة رسم خارطة طريق رياضية تحمل صبغة دينية. وقال «ينبغي صياغة مشروع شامل للرياضة في البلاد يقوم على أساس التوجهات الدينية، والظروف الثقافية. ومن الضروري أن تقوم الحوزة الدينية بدعم الرياضة، والتربية البدنية، وعلى كبار المسؤولين في الحوزة الدينية تقديم الدعم والمساندة لنجاح هذا المشروع».

فما المسؤوليات التي يجب على منظمة التربية البدنية القيام بها في مجال رياضة رجال الدين، أو انخراطهم في المشهد الرياضي، وكيف تراعي هذه المنظمة الشؤون الثقافية وفقا لرؤية رجال الدين في إيران؟

انطلق أول وفد رياضي يضم طلبة الحوزة العلمية من كلا الجنسين في محافظة طهران في فترة وزارة كامران دانشجو في عهد أحمدي نجاد. وصرح دانشجو وقتها أن طلبة الحوزة الدينية يستطيعون المشاركة في المباريات المحلية، والدولية في إطار برامج الحوزة الدينية، والتزام المعايير التي تتمسك بها الحوزة، وذلك بهدف تقديم الثقافة الإسلامية الغنية إلى العالم.

ولكن لم تتحقق هذه الوعود فعليا؛ إذ تقتصر مشاركة رجال الدين في الفروع الرياضية على مخيمات المنتخبات الوطنية بهدف الترويج الديني، وإسداء نصائح أخلاقية، ولم يتمكن هؤلاء من الانخراط في هذه الفروع الرياضية وممارستها.

ويبقى السؤال حول مساهمة رجال الدين الإيرانيين في الأحداث الرياضة، وما درجة الاهتمام الذي يبدونه في هذا المجال؟ إذا ألقينا نظرة خاطفة إلى التاريخ، فلا نجد وجوها بارزة من رجال الدين مهتمة بممارسة الرياضة التي يرى معظمهم أنها أمر فرعي، فواجب رجال الدين التفرغ لترويج الدين، وصيانته، والرد على الأسئلة الشرعية التي يطرحها المواطنون.

ويقتصر إقبال رجال الدين على الرياضة على الحفاظ على الرشاقة البدنية. وقد انتشرت أخيرا صورة للرئيس الإيراني حسن روحاني وهو يمارس هواية تسلق الجبال في شمال طهران، كما أن هناك صورة لمرشد الجمهورية الإسلامية وهو يتسلق الجبال. ويقال إن رجال الدين يهتمون برياضة السباحة التي يمارسونها في نهاية الأسبوع داخل مسابح تتمتع بوسائل الحماية.

ويؤكد مدير الحوزة الدينية في مدينة قم حجة الإسلام حسيني بوشهري على أن الرياضة تقتصر على الرجال من الطلبة، لكن النساء في الحوزات الدينية يعانين من صعوبات أكبر.

وتلقب طالبات الحوزات الدينية في إيران بـ«نساء الجلسات» ولا يحق لهن استخدام ألقاب مثل «حجة الإسلام» و«آية الله» حتى لو بلغن مرحلة الاجتهاد، كما لا يمارسن الرياضة المحترفة بل يواجهن قيودا خاصة في ممارسة الرياضة العامة، فلا يمكن لهن وفي وجود الحجاب والزي الخاص بهن، أن يمارسن الرياضة في الحدائق والأمكنة العامة، بل ولا يستطعن ممارسة رياضة تسلق الجبال.

وحول رياضة النساء قالت «ف.م»، إحدى طالبات الحوزة الدينية في طهران لـ«الشرق الأوسط»: «هناك العديد من النساء اللاتي يحببن القيام بالدعاية الدينية منذ شبابهن ويحببن أيضا ممارسة الرياضة، لكنهن يواجهن قيودا كثيرة.. فعلى سبيل المثال، توجد في غرفتنا زميلات يحببن التمارين الرياضية وكمال الأجسام وكرة السلة، لكن وبسبب فقدان المكان الخاص لممارسة هذه الرياضات، لم يستطعن القيام بها. فإذا ذهبن إلى القاعات الخاصة بالرياضة سيواجهن سلوكا معاديا يقررن على أثره عدم القيام بممارسة أي رياضة».

ويمكن النظر إلى القضية من زاوية أخرى، وهي عدد الصالات والأماكن الرياضية التي تحظى بها مدينة قم، وهي مدينة تقع فيها أهم حوزة دينية يقوم فيها نحو 40 ألفا من الطلبة والأساتذة بالنشاط الدراسي.. فهل تتمتع الحوزات الدينية، على غرار معظم الجامعات، والدوائر الحكومية وغير الحكومية بالصالات الرياضية بهدف ممارسة طلبة الحوزات الدينية النشاط الرياضي؟

قبل فترة جرى افتتاح النادي الرياضي «انتظار1» في مدينة قم. وقال مساعد شؤون الطلبة في الحوزة الدينية بمحافظة قم خلال حفل افتتاح النادي: «للرياضة بعدان؛ البعد الجسمي، والبعد الثقافي. وتتولى الحوزة الدينية مسؤولية الحفاظ على الصحة الجسمية، والنفسية للطلبة. وهناك اهتمام بإنشاء النوادي الرياضية، ويقدم نادي (انتظار1) دورات تدريبية في رياضات الرماية، والجودو، والكاراتيه، والتايكواندو، والـ(ووشو)، والفنون القتالية».

وأضاف: «تدشين ناد واحد لممارسة الرياضة لا يجدي نفعا؛ إذ تحتاج القضية إلى اعتماد البرامج، والتخطيط الجاد. ويجب الأخذ في الاعتبار أن مشكلات مثل زيادة الوزن بين رجال الدين قد أدت إلى زيادة نسبة الإقبال على الصالات الرياضية لتفادي المشكلات الصحية، وضمان الرشاقة البدنية».

ويقول الطالب في حوزة قم الدينية محمد جعفر نكويي لـ«الشرق الأوسط»: «يعود انتشار مرض البدانة بين رجال الدين إلى افتقارهم لصالات لممارسة الرياضة.. فبينما تندرج مادة التربية البدنية ضمن المواد الدراسية لطلاب الجامعات التي تتمتع بصالات رياضية، لا تدخل هذه المادة ضمن قائمة المواد الدراسية لطلبة الحوزات الدينية، مما يمنح طلاب الجامعات الأفضلية في مجال ممارسة الرياضة».

ويعد نكويي أن «الفنون القتالية، والسباحة، والرماية هي الرياضات الأكثر شعبية بين طلبة الحوزات الدينية». وحول سبب إقبال طلبة الحوزات الدينية على ممارسة الرياضات الفردية، وعدم إنشاء فرق رياضية قال: «ليس الأمر هكذا؛ إذ لدينا فرق كرة السلة، وكرة القدم، ولكنها ليست بمستوى الفرق الجامعية الأخرى، لأن وقت الطلبة محدود، وهم يمضون معظم أوقاتهم في الدراسة، والترويج للأمور الدينية، ولا فرصة لديهم لممارسة الرياضة الجماعية».

من جانبه، يؤكد مدير دائرة الصحة البدنية للحوزات الدينية في إيران حجة الإسلام يزدي أن أنواع الرياضات التي يمارسها طلبة الحوزات الدينية تشمل الرياضات الجماعية، وأشار إلى أن «الطلبة يفتقرون لفرق رياضية محترفة، ولا يمارسون الرياضة بشكل محترف».

وقال بوشهري إن «الحوزة تؤكد على ممارسة الرياضة إلى جانب تحصيل العلم، ولكننا نفتقر إلى برامج لمشاركة الطلبة في البطولات العالمية».

* خدمة: الشرق الأوسط فارسي «شرق بارسي»