آمال أبي خليل تغوص في عالم أعمال الذكور وتسجل انتصارا بارعا

غير آبهة بنظرة المجتمع الشرقي ومتحدية كل الصعوبات

آمال ووفاء مع ثلاثة من شبان الفريق بينهم سلمان وجمالة
TT

متسلحة بحبها العمل ومحافظة على نعومة ورقة مفقودين في مجال العمل الذكوري، لا تخجل صاحبة أول شركة لـ«فتح المصارف الصحية» في لبنان من عملها، فهو لا يتناقض مع أنوثتها، كيف لا وهي القادمة إليه بمكياج كامل وشعر مصفف، مصممة على اقتحام عمل لم تعهده النساء في لبنان من قبل. إنها آمال أبي خليل، التي قررت أن تغوص في عالم الأعمال الذكورية الخشنة، مثبتة براعتها.

«في العادة، الجنس اللطيف لا يغوص في الجغرافيا الخشنة، لكن آمال خرقت القاعدة، والغريب أنها سيدة وتنزل إلى أساسات المنزل وتحدد مكان العطل. وقد نجحت عندي في معالجة مشكلة على بعد 50 مترا تحت الأرض بدقة بعد أن عجز عن ذلك أكثر من 5 عمال من السنكرية الرجال»، يقول أحد زبائنها.

وتقول أبي خليل لـ«الشرق الأوسط» التي التقتها في شركتها بمحلة الأشرفية (في بيروت): «أنا سعيدة جدا في عملي وفخورة بذاتي إلى أبعد الحدود، متصالحة مع نفسي، وليس لدي مشكلة في أن أشارك فريق عملي المهمات الصعبة، وبرأيي على المرأة ألا تخجل من عملها مهما كان».

وتضيف: «لي محطات كثيرة مع الصدف التي غيرت مجرى حياتي، فغياب والدي في بداية مشواري لم يشكل عقبة كبيرة أمامي»، حيث تخطت مرحلة الطفولة بشكل طبيعي لتجد نفسها تحقق أول حلم في حياتها: «كان حلمي أن أكون مضيفة طيران، تقدمت بطلب إلى شركة (ميدل إيست) وقبلت عن طريق الصدفة، ولم يكن يرهقني التعب».

أما الصدفة الثانية التي دفعتها إلى ترك عملها، فتتمثل بلقاء زوجها طوني أبي خليل - الذي لا يزال يعمل قبطان طائرة - على درج إحدى الطائرات، ثم تزوجا ورزقت منه بفتاتين إحداهن تخرجت في جامعة «السوربون» بفرنسا منذ عدة سنوات.

وفي إحدى الجلسات العائلية، طرح طوني فكرة لا مثيل لها في لبنان وهي إنشاء شركة لـ«صيانة المجاري الصحية»، تكون ملجأه ومورد رزقه عندما يبلغ سن التقاعد، فأعجبت آمال بالفكرة كثيرا وبادرته بضرورة تنفيذها بأسرع وقت ممكن، على أن تتسلم مهامها شخصيا إلى حين موعد تقاعده، مما أثار ضحك طوني مشككا في قدرتها على مجابهة هذا العمل الصعب.

عندها عدت آمال السير في تنفيذ الفكرة تحديا لنفسها قبل أي شخص آخر، تحد يتمثل بمدى تقبل المجتمع اللبناني الشرقي فكرة قيادة المرأة مثل هذا النوع من الأعمال بين مجموعة من الرجال، وفي ذلك تشرح: «لقد شكلت طريقتي السلسة واللطيفة، التي لطالما كانت مقبولة وواضحة بكل بساطة وبكل عفوية، مفتاح نجاحي. والحمد لله، فإنني أتعامل مع فريق عملي بكل محبة وكأسرة واحدة». وتوضح أنه رغم أن يومياتها مع فريق العمل لا تخلو من التوتر والتعصيب ولدرجة كبيرة، لكن المياه تعود إلى مجاريها بعد مرور ساعة على أبعد تقدير.

«لا تكسير بعد اليوم! خدمة سريعة لفتح المصارف الصحية المنزلية ومجارير الأبنية بأحدث الطرق..». هذه بعض الشعارات التي تحملها سيارات شركة «دراين إيد»، التي أبصرت النور عام 2004 والمزودة بأحدث الآلات المستوردة من الخارج لفتح المصارف الصحية، حيث يقوم فريق العمل المؤلف من 10 شباب بأداء المهمات العادية والطارئة.

وردا على سؤالنا حول نظرة الناس لفريق عمل تديره امرأة، تجيب آمال: «نظرات الناس تلاحقنا أينما ذهبنا، حيث تبدأ بالتعجب، لكنها تنتهي بنظرة إعجاب، وخاصة عندما نزود الزبون بخريطة المصارف الصحية في حال كان يفتقر إليها».

وعمن يصفها بـ«أخت الرجال» تبتسم من تتقن اللغات الألمانية والإنكليزية والفرنسية، سائلة: «من قال إن هناك مهنا للسيدات وأخرى للرجال، المسألة تتعلق بالصبر والإرادة فقط، فالكثير من الرجال حاولوا المضاربة من خلال فتح مؤسسات مماثلة، لكنهم أغلقوها بعد وقت قليل لعجزهم عن تحمل فكرة العمل في الأماكن المعروفة لمثل هذا العمل وبالبيئة والظروف المتعلقة به».

واللافت أن آمال أصبحت على اتصال مباشر مع عشرات الفنادق والمطاعم والمؤسات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة داخل وخارج العاصمة، متمنية استمرار الطلب على خدمات الشركة مستقبلا.

وتشدد على أن أهم شيء لديها بعد عائلتها هو المحافظة على ثقة الناس بها، عادة زوجها هو السبب الأول لنجاحها، وهو اليوم يهتم بكل ما يتعلق بالصيانة وشراء الآلات وقطع الغيار من الولايات المتحدة، بينما تتولى هي الأمور الإدارية للشركة.

وانتقالا إلى الصعوبات التي تواجهها آمال وأختها التي راحت تساعدها منذ سنوات، فهي تتمثل بغياب خرائط المصارف الصحية لمعظم المؤسسات والمستشفيات والفنادق التي يقصدونها، حيث تجدان نفسيهما مضطرتين وباجتهاد شخصي إلى معرفة الأماكن التي تمر بها التمديدات. وأحيانا وأثناء قيام أحد العمال بتصليح «قسطل» معطل فوق سقف اصطناعي في أحد المكاتب يضغط بالته عليه أكثر من اللازم فيعطله كليا، وهنا تتلقى آمال ووفاء الشتائم ويعلو صراخ صاحب المكتب عليهن، فيضطررن عندها إلى تغطية تكاليف ما حصل، بينما الشاب يذهب للجلوس في سيارة الشركة حتى انتهاء المشكلة.

في الختام، لا شك في أن عمل أبي خليل صعب وغريب، إلا أنها أثبتت من خلاله أن الإرادة الصلبة تقتحم المجهول وتحقق فيه انتصارا، وهو ما يشكل دليلا على قدرة المرأة العربية على الغوص في عالم الذكور بنجاح، فيما لو رغبت في ذلك.