«2139» عرس الفنون في جدة يجذب الجمهور.. ويعيد رواد الفن للواجهة

عبر معرضي «المعلقات» للفن المعاصر و«الماضي كمقدمة» لأعمال الكبار

من «غذاء للفكر» (المعلقات) للفنانة مها الملوح
TT

موجة من الحماس والحيوية تلف مدينة جدة هذا الأسبوع، في افتتاح أسبوع الفن «2139» تدفق الزوار على المعرض، توقفوا كثيرا عند الأعمال الفنية المعروضة وتحلقوا حول الفنانين للحديث معهم حول أعمالهم. «2139» عنوان المعرض، وهو أيضا الإحداثية الجغرافية لمدينة جدة. نبدأ من البداية، وعبر القاعة الأولى نرى لوحة ضخمة تقدم للمعرض وتشيد بأسماء عائلات المدينة الذين دعموا المهرجان الفني. المعرض ثري جدا ومليء بالأعمال التي تستحق التوقف أمامها للتمعن فيها، وهو ما كان صعبا في بعض الأحيان نظرا للعدد الضخم من الزوار.

المدخل مع معرض «المعلقات» وهو الجزء الأول. عبره، نرى أعمال مجموعة متميزة من فناني السعودية؛ منهم: شادية عالم، وعبد العزيز عاشور، وأحمد ماطر، ومها الملوح، وصديق واصل، ومهدي الجريبي، ومساعد الحليس، ومنال الضويان. «المعلقات» يقدم لنا رؤية معاصرة للمعلقات العربية الشهيرة، وحسب تعبير رنيم فارسي، المنسقة المشاركة للمعرض: «فالفن يقوم اليوم بالدور الذي قام به الشعر قديما كوسيلة للتعبير والحوار مع الجماهير. المعلقات الحديثة هنا تستلهم معلقات العرب في الجاهلية، ولكنها تطرح أفكارا معاصرة تربط بين الماضي والحاضر». البداية مع أعمال الفنانة شادية عالم، التي استلهمت من معلقة امرئ القيس ومعلقة زهير ابن أبي سلمى، عمل تركيب وآخر للفيديو هما «كوكبة زهور الرمل» و«سحابة المعلومات». عن الفيديو تقول لـ«الشرق الأوسط»: «اتبعت هنا تركيب بنية القصيدة المعلقة، القصيدة عبارة عن حركات متعاقبة، يتحدث فيها الشاعر عن مفردات حياته، الفرس والجمل والمحبوبة، ألبست تلك المفردات ملابس من قماش كسوة الكعبة، التي كانت تصنع من حرير اليمن المطرز والمشغول بالقصب، الرابط هنا هو الاهتمام والإجلال اللذان أولاهما العرب لقماش الكسوة ولقصائد الشعر التي علقوها داخل الكعبة». تقول الفنانة في تقديمها للعمل في دليل المعرض: «حاولت تركيب تابلوهات متحركة تجسد ما تخيلته من قراءتي قصيدة امرئ القيس وما صوره في معلقته من وصف الحبيبة والناقة والفرس وبعض مظاهر البيئة والحياة البدائية».

تشير إلى الجانب الآخر من عملها الذي يحمل عنوان «زهور الرمل» فتقول: «بالنسبة لـ(زهور الرمل)، نعرف أن الحياة في زمن شعراء المعلقات كانت صعبة في صحراء جرداء، ولكن الشعر كان كالزهور يلطف حياة العرب في تلك الصحراء، ولهذا كونت 70 كوكبة من شرائح دائرية متداخلة تحمل أبياتا عن الحب من معلقة امري القيس وأبياتا عن الحرب والحكمة من معلقة زهير ابن ابي سلمى».

الفنان صديق واصل يقدم عددا من القطع على أشكال حروف عربية من الحديد متشابكة، تكون فيما بينها اسم المعرض «معلقة». يقول لنا: «الفكرة من العمل هي تأكيد قيمة الحروف العربية وترابطها وقيمة اللغة».

أما الفنان ناصر السالم، فيستلهم من الخط العربي أعماله الفنية الملهمة والمتفردة، ففي عمل «في فلك يسبحون»، وهو عرض فيديو لدوائر متوازية من الكلمات تدور حول محور ثماني الزوايا، كل دائرة هي آية من القرآن الكريم. يشرح الناصر عمله في دليل المعرض قائلا إنه استوحاه من الرقم سبعة وهو عدد المعلقات وعدد مرات الطواف حول الكعبة، «أول ما لفت نظري بشأن قصائد المعلقات التي تحيط بالكعبة المشرفة، هو أن عددها سبع قصائد، مما دفعني إلى استخلاص تشبيه مواز لها في أشواط الطواف حول الكعبة المشرفة».

السالم علق على أعماله لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «الفكرة هي أن نستوعب، ونحن نطوف بالكعبة، أن الكون له دوره مماثلة في الاتجاه نفسه وبنظام دقيق». يشير إلى المركز وهو الزخرفة الثمانية في الإسلام قائلا: «هي ترمز إلى المالانهائية وأيضا لعرض الرحمن، الدوائر تدور إلى ما لا نهاية».

العمل الآخر للسالم يحمل عنوان «إن كل شيء خلقناه بقدر»، لا نستطيع قراءة الآية، أمامنا رموز وحركات تشكيل، ويبدو أن إغفال المعنى مقصود، يقول شارحا الأشكال: «هي نقاط الوزن التي يعمل بها الخطاط، كل شيء بالنسبة لي محسوب، كل الأشياء في حياة الإنسان محسوبة وموزونة». ننظر إلى اللوحة نحاول فك رموزها، فنحن نعرف بحسب شرح الفنان أنها جملة «كل شيء خلقناه بقدر»، ولكننا لا نرى الأحرف المكونة، فقط علامات الوزن، فكأنما نرى تروس الساعة ومكوناتها الداخلية التي تساعدها على العمل، ولكننا لا نرى الساعة نفسها. يشير إلى أن ذلك مقصود؛ «الناظر لهذا العمل يعرف الجملة ولكنه لا يراها، تماما كالإيمان». في شرحه بدليل المعرض، يقول السالم: «في أحيان كثيرة، تحتاج أن تبتعد عن موقع الحدث وتتأمل الصورة بكاملها عن بعد، ذلك يجعلك تكتشف أمورا كثيرة وتجيب عن الكثير من الأسئلة العالقة، وتكمل الفراغات الموجودة، ويكشف لك الحقيقة بأبهى صورها».

الفنانة مها الملوح تعود إلى سلسلة «غذاء للفكر» التي عرضت من قبل وتقدم فصلا جديدا فيها، في عرضها الضخم الذي يحتل جدارا بأكمله «غذاء للفكر (معلقات)»، تكون من مجموعة من الأواني الضخمة «القدور» التي كانت تستخدم في الماضي، تنسج منها جدارية من المعدن. القدور معلقة على الحائط، يواجهنا ظهرها الذي يحمل علامات الزمن والاستخدام المتكرر، تحمل بقعا سوداء وندبا تخبراننا عن حياة مضت وقصص يحملها كل من تلك القدور. تشرح عملها في دليل المعرض: «إن قدور الألمنيوم العتيقة التي أتت من مختلف الأسواق القديمة ظلت تستخدم عبر السنين كأوعية للطهي في بيوت المناطق الحضرية وفي خيام البدو.. تقف كشاهد على تاريخ وفنون الطهي لدى العرب، كما تعكس بصورة أخرى تقاليد الكرم والأريحية العربية». وخلال الحديث معها تقول: «العمل هو تحية للمعلقات القديمة التي تمثل الثقافة اللغوية وأيضا. هي إشارة إلى جوعنا الحالي للثقافة البصرية التي نتواصل بها مع العالم». استخدام القدور القديمة يقودنا للحديث حول استخدام الفنانة لمفردات تعود للماضي، مثل صواني الخبز الخشبية أو أجزاء من أبواب البيوت المعدنية، تقول: «ليس الأمر حنينا إلى الماضي بقدر ما هو رفض لمسح ذلك الماضي وإلغائه، فأنا نشأت في جدة ثم انتقلت للحياة في الرياض، وكل شيء ارتبطت به في جدة اختفى؛ فعلى سبيل المثال المنزل الذي ولدت فيه حل مكانه مركز تجاري ضخم، البيوت التي بنيت في الخمسينات والستينات هدمت وترك أصحابها الأحياء وسكنوا في أحياء جديدة».

الفنان مهدي الجريبي يعرض عملا بعنوان «جميعهم كانوا هنا»، عمل بديع وموح، وهو مجموعة من الطاولات المدرسية البالية، تحمل آثار من جلسوا إليها، نقشوا حروف أسمائهم وعبثوا، بها ورسموا قلوبا تعكس مشاعر غضة أحسوا بها، يقول الجريبي عن عمله: «إنها ألواح تشكل ذاكرة جماعية موثقة لأشخاص (كانوا هنا جميعا). من الصعب عدم العودة للعمل وتأمله، يمثل مع عمل الملوح نقطة عودة بالنسبة لي، يثيران الكثير من الأفكار والتصورات».

أما الفنان عبد العزيز عاشور، فيبدي سعادته بالنشاط الفني الذي تشهده المدينة، ويقول: «الناس هنا يحتاجون إلى مثل هذه الفعاليات، فهناك تعطش شديد للفن»، يعرض عاشور عملا بعنوان «من دون عنوان 2013»، فيلجأ إلى التجريد إلى التعبير عن فكرة المعلقات.

* عائلة ضاد.. فن الغرافيتي يجد أرضه في جدة

* في ركن آخر، نجد جدارية ضخمة من عمل مجموعة من فناني الغرافيتي الشباب يطلقون على أنفسهم اسم «عائلة ضاد». الشخصيات المرسومة تعود إلى ذاكرة جماعية من شخصيات الكرتون والقصص الخيالية، فهناك علي بابا، وشخصية التاجر ذي الشارب الضخم، وشخصية أم خماس تجلس في هودج على ظهر جمل.

يشرح لنا أحد أفراد المجموعة: «الرسم عبارة عن شخصيات وملامح عربية، أم خماس والجمل والرجل (أبو شنب)، بالإضافة إلى الزخارف الإسلامية، استخدمناها لوضع الطابع العربي، خاصة أن الغرافيتي فن غربي، فأردنا وضع بصمة عربية عليه». يشير إلى أن المجموعة شاركت في فعاليات فنية خاصة بفن الغرافيتي في باريس، «لم نجد داعما وقررنا السفر بمفردنا، وبعدها دعينا إلى فعالية أخرى في ألمانيا». في البلد بوسط جدة، ستقوم المجموعة بتقديم مشروع لتوعية الشباب على استخدام الغرافيتي بصورة إيجابية».

* «الماضي كمقدمة»

* في المعرض الموازي لمعرض «المعلقات»، الذي يحمل اسم «الماضي كمقدمة»، نعود إلى أعمال الرواد، فنرى أعمال فنانين قدامى، لهم تاريخ طويل في الفن التشكيلي، أمثال صفية بن زقر، ومحمد السليم، وطه صبان، وعبد الله حماس، وعبد الله الشيخ، وعبد الله الشلتي، وعلي الزيزي.

الفنان عبد الله نواوي يشير إلى عمله المعروض بالقول: «هذا العمل رسمته منذ 36 سنة. بحث منظمو هذه الاحتفالية عن الأعمال القديمة جدا». يقول: «هذه الأيام تعد عرسا تشكيليا على مستوى المملكة، وكان من المفروض أن يحدث منذ زمن، خاصة أن لدينا متحفا مفتوحا معروفا. أتمنى أن يأتي الشباب إلى هذا المعرض ويتعرفوا على الأعمال التي سبقتهم، ليبدأوا منذ البداية ليعرفوا كيف ضحى ذلك الجيل وقدم أعماله». وأضاف: «أعد الحراك التشكيلي أخذ وضعه الطبيعي، والآن أصبحنا نحضر الفعاليات للمشاركة والمنافسة، وذلك بفضل منظمي هذه الفعالية». الفنان عرف بأعماله عن مكة المكرمة وفضاءات الحيوية والحياة في أجوائها.

في جانب آخر، نرى عملا للفنان ضياء عزيز ضياء «بورتريه شخصي» يجذب الكثيرين من زوار المعرض للتوقف أمامه ومحاولة قراءة الوجه المطل عليهم من اللوحة، هو وجه جاد ساهم النظرات، ولكنه يحمل في داخله الكثير مما لم يبح به بعد. يشير دليل المعرض إلى أن الفنان يميل إلى «رسم وإبراز الوجه البشري، لأنه يعده المفتاح إلى فهم الشخص».