«ينبع النخل» حكاية التاريخ ومركز التجارة بين مكة والشام

احتوت على 99 عينا كانت تروي المدينة القديمة

مرفق صور لينبع النخل تظهر فيها الأبنية القديمة المطلة على الوادي
TT

تعد «ينبع النخل» التي يمتد عمرها إلى أكثر من ألفي عام، من أهم البوابات التاريخية الواقعة في الشق الغربي من السعودية، والمركز التجاري لقوافل الحجيج والتجارة بين الشام ومكة المكرمة، في حين تحمل المدينة القديمة في بطنها الكثير من الحكايات والوقائع التاريخية المسجلة في صدر الإسلام.

اشتق اسم «ينبع» من الينابيع المتوفرة في تلك الفترة والتي تزيد بحسب الروايات التاريخية إلى أكثر من 99 عينا، وجاءت النخل مرادفة لينبع وترتبط بها بعقد الحياء «الماء» فانتشر النخيل في كل قرى المدينة الممتدة لأطراف ساحل البحر الأحمر، فشكلت نقطة مفصلية في طرق التجارة للشام ومصر قبل 1400 عام، وينمو هذا الدور مع انتشار الإسلام وقدوم الحجيج عبر ينبع النخل.

وخلال جولتي في المدينة، استوقفني تصميم معماري لإحدى القرى الواقعة فوق الهضاب، والذي يأخذ الشكل الدائري لجميع المنازل المطلة على وادٍ، بحيث يكون مدخل القرية واحدا من الجهة الشمالية، ولا يمكن الدخول من جهات أخرى لارتفاع المنازل عن سطح الأرض، في حين تعد الطرقات والأزقة في القرية فريدة في شكلها المتعرج والذي يوصلك إلى الجهة الخلفية من القرية والتي تنتشر فيها المحلات التجارية القديمة.

وتشتهر المدينة بسوقي الجابرية والسويقة، وكان الأخير أحد المراكز التجارية المهمة في العهد القديم لكثرة منافذ البيع وسوق الاثنين الذي كان مسرحا لرواج البضائع القادمة من الشام والتبادل التجاري بالمفهوم الحديث، إذ يعمد بعض التجار على استبدال بضاعتهم بمنتجات النخل من التمر والدبس والسعف.

وشهدت ينبع النخل كارثة نوعية مع جفاف أغلب ينابيعها في مطلع القرن الماضي، والتي أرجعها مختصون إلى الحفر الجائر ووجود الآبار الارتوازية، والذي أسهم بشكل مباشر في وقف الزراعة ورحيل قاطني المدينة في سنوات ماضية، إلا أن مهتمين في التراث يؤكدون أن الكثير ممن غادر تلك القرى، جاء مع الطفرة الاقتصادية التي انطلقت في مطلع السبعينات من القرن الماضي.

وقال يوسف الوهيدي، أمين عام لجنة السياحة في ينبع، إن البلدية تهتم بكل الآثار في المحافظة، سواء في ينبع البحر أو ينبع النخل وتعمل وفق خططها الاستراتيجية إلى إعادة الآثار إلى شكلها الطبيعي من الاهتمام بما يخدم المواطن والوطن للتعريف بالكثير من الحقب التاريخية التي تسطرها المواقع الأثرية.

وأردف الوهيدي، أن اللجنة المشكلة من عدة جهات حكومية، شرعت في إعادة ترميم الأسواق القديمة في ينبع النخل، وتحديدا سوق الجابرية الذي نجح الفريق في إعادة وتأهيل حتى الآن 70 في المائة من منافذ البيع الموجودة في السوق، وبعد ذلك سينتقل العمل لسوق السويقة والذي نتوقع أن تنتهي أعمال الترميم والصيانة خلال فترة وجيزة من انطلاق أعمال الصيانة للمواقع.

وعن المرحلة القادمة بعد الانتهاء من عمليات الترميم، قال أمين عام اللجنة السياحية في ينبع، إن الخطوة القادمة هو فتح السوق أمام الأسر المنتجة لعرض بضاعتها وفق برامج مدعوة الهدف منها جذب المواطنين والسياح للأسواق، لافتا إلى أن المنازل القديمة في المدينة لها استراتيجية وآلية تعمل بها هيئة الآثار والسياحة طويلة المدى لإعادة هذه المنازل إلى موقعها الطبيعي من الخريطة السياحية.

ويبدو أن ينبع بشقيها البحر والنخل، يرفض الخروج من المشاهد العام، ويبقى وجهة في يومنا هذا للصناعيين ورؤوس الأموال والطامحين في التغيير من خلال مدينة ينبع الصناعية، وهو الذي كان في العصر السابق أي قبل 1450 عاما مركز التجارة والرابط بين مكة المكرمة والشام، وغزوات وسرايا رسول الله محمد في ينبع النخل ومنها غزوة «بواط وسرية العيص».

وبالعود إلى المدينة القديمة، التي تقع في الجزء الشرقي من محافظة ينبع، وعلى مساحة تزيد على ألفي كيلومتر في الوقت الراهن، أخذت الحياة فيها طابعا مغايرا على ما كانت تعيشه الكثير من المدن في تلك الحقبة، وهو ما ذهب إليه أحمد حسن من سكان المنطقة بقوله، إن المدينة كانت تعيش في حراك دائم ومستمر على مدار العام بسبب قدوم القوافل من مصر والشام والبقاء في ينبع النخل لترويج وشراء المنتجات التي كانت تقدمها المدينة القديمة.

وأضاف أحمد، أن ما يميز ينبع النخل هو كثرة القرى القريبة من بعضها البعض في تلك الفترة الزمنية، وتصميم مجرى للعيون لتمكين سكان القرى من الاستفادة من المياه وسقي أراضيهم الزراعية، فكانت تأخذ شكلا هندسيا يساعد على وصول المياه والذي يرتكز على الارتفاع التدرجي للمصب والانخفاض التدريجي للسقية.

وتهتم الهيئة العامة للسياحة والإثار، بالمواقع التراثية في كل المدن السعودية وفق برامج واستراتيجية طويلة المدى للحفاظ على المواقع الأثرية، في حين تحظى هذه المواقع بدعم من الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، الذي دعم في وقت سابق مشروعات التراث العمراني بحي الصقور في ينبع بنحو 20 مليون ريال، والتي ستوظف في ترميم المباني التي يتعاون ملاكها مع الهيئة.

وقال الأمير سلطان بن سلمان في حينه: «إن ينبع قد وضعت نفسها على الخريطة الوطنية والسياحية والثقافية»، لافتا إلى أن ينبع التاريخية وينبع البلد جاءها من جفاف الزمن، وهدمت مبانيها، وتحول بعض هذه المباني إلى أنقاض.

وهنا عاد أمين عام لجنة السياحة في ينبع، ليؤكد أن هناك اهتماما من الهيئة العامة للسياحة والآثار وستكون هناك دعوة للأمير سلطان بن سلمان في الفترة المقبلة للوقوف على أعمال الترميم في الأسواق ومشاهدة المباني الأثرية.