مهرجان «برلين» ينطلق اليوم ويحشد لـ23 فيلما متسابقا

أفلام تتصالح مع الشخصية العربية والمسلمة.. والصين تدخل تيار الفيلم البوليسي

TT

ما بين «زيرو مصطفى» و«ياسمينا خضرا»، سيشهد رواد مهرجان «برلين» في دورته الرابعة والستين، التي تنطلق اليوم وتستمر حتى 16 من هذا الشهر، محاولة السينما العالمية التصالح مع الشخصية العربية والمسلمة. هذا التصالح يرد في فيلمين من العروض الرسمية؛ أحدهما في المسابقة، والآخر خارجها. لكن إذا ما تابعنا المواضيع المثارة في هذه العروض عامـة، وجدنا أن المهرجان البرليني العريق ما زال يؤدي دوره كموصل رسالات سياسية واجتماعية وكعاكس لما تنقله السينما من ظروف الحياة والمجتمعات.

23 فيلما في المسابقة تتنوع وتتلون، لكنها تشكل في النهاية بانوراما شاسعة لما يعترض الحياة أو يتراءى لمخرجيها من مواضيع وأفكار. هذه إلى جانب الكم الكبير من الأفلام التي تهطل بلا توقف طوال الأيام العشرة التالية.

«زيرو مصطفى»، هي الشخصية الخيالية التي يؤديها توني ريفولوري (ممثل في السابعة عشرة من عمره، ظهر في فيلم طويل واحد من قبل وأربعة قصيرة) في فيلم «فندق بودابست الكبير» الذي يفتتح المهرجان لمخرجه الأميركي وس أندرسن الذي قدم على شاشة مهرجان «برلين» قبل عامين «مملكة سطوع القمر» (Moonrise Kingdom) والذي كان يؤم مهرجان «كان» بأفلامه السابقة («عائلة تننبوم الملكية» و«الحياة المائية لستيف زيزو» قبل أن يحول دفـته صوب «برلين»).

تبعا للحكاية هنا، فإن «زيرو مصطفى» صبي الفندق الذي ينطلق مع عامل المصعد غوستاف (ريف فينيس) في رحلة لإثبات براءة الثاني من تهمتي سرقة وقتل في أحداث تقع بين الحربين، من دون تحديد القصـة بسنة محددة. الكثير يحتمل استنتاجه من الثقة المتبادلة بين غوستاف وزيرو مصطفى. والد زيرو، واسمه أيضا مصطفى، يؤديه الممثل الماهر ف. موراي إبراهام.

لكن شيئا لا بد أن يـذكر بخصوص الملصق الرائع الذي صممه المخرج لفيلمه. وس أندرسن يحب اللون الوردي، والملصق يصور فندقا كبيرا من ستة طوابق؛ أربعة منها بلون وردي فاتح، واثنان آخران بلون وردي داكن. وراء الفندق جبال ثلجية عالية، وإلى جانبه الأيمن شلال ماء، وعلى اليسار غزال واقف على صخرة عالية. عنوان الفيلم بالأصفر غير الفاقع، كذلك أسماء بعض الممثلين، بينما توزعت الأسماء الأخرى باللونين الأحمر والوردي. والسماء التي تطل فوق كل شيء رمادية، مع لمسات لسحب في وقت متأخر من النهار.

الفيلم الآخر هو للمخرج رشيد بوشارب الذي صوره بالولايات المتحدة في العام الماضي، عن سيناريو كتبه محمد مولسهول المعروف بـ«ياسمينا خضرا»، الذي كان اسمه تردد عندما قام اللبناني زياد الدويري بتحويل روايته «الهجوم» إلى فيلم سينمائي، لم ينل نجاحا جماهيريا وأثار حفيظة الكاتب في الوقت نفسه، كون المخرج اشتغل، كما قال، على هواه.

هذه المرة يعد فيلم «رجلان في البلدة» بتعاون أفضل، كون المخرج والكاتب جزائريين. الممثل الأميركي فوستر ويتيكر يؤدي دور مجرم خرج من السجن بعدما اعتنق الإسلام فيه وعاد إلى حياة صعبة خارجه. تؤسس الحكاية لصداقة بينه وبين ضابط ارتبط به، (هارفي كايتل)، في الوقت الذي يحاول بعض رفاق السجن الضغط على ويتيكر لتنفيذ مهمـة لن ينجح فيها أحد غيره.

* رينيه ثالث مرة إذا كان السيناريو من «ياسمينا خضرا»، فإن الكتابة الأصلية هي للمخرج الراحل جوريه جيوفاني، الذي كان حكى قصـة شبيهة من دون الخط الإسلامي زود بها رشيد بوشارب وكاتبه الفيلم الجديد به. هناك، قام جان غابان، قبل ثلاث سنوات من وفاته عام 1976، ببطولة الفيلم إلى جانب بضعة وجوه مألوفة في الفيلم البوليسي الفرنسي (ولو أن إنتاجه كان مشتركا مع إيطاليا) من بينهم: فيكتور لانو، وجيرارد ديباردو، وألان ديلون الذي كان من بين منتجي الفيلم.

ومع أن «رجلان في البلدة» الجديد ينقل الأحداث إلى عالم اليوم، إلا أن أفلام «برلين» هذا العام تزور السبعينات في أكثر من تظاهرة، بينها المسابقة الرسمية. في هذا القسم، سنجد فيلما بريطانيا بعنوان «71»، يتحدث عن واحدة من الفترات الحرجة في الصراع بين البروتستانت والكاثوليكيين في آيرلندا الشمالية. الحكاية محددة بقصـة جندي بريطاني كان لاحقا لصـا من دون أن ينتبه إلى أنه تخطـى مناطقه الآمنة وأصبح في شوارع ذات غالبية كاثوليكية تغص بالعداء ضد الجنود البريطانيين. فجأة، بات الجندي يدافع عن حياته، باحثا عن النجاة.

المخرج جديد، اسمه يان ديمانج، وهذا هو فيلمه الأول، وهو معروض مقابل الفيلم الخمسين للمخرج ألان رينيه البالغ من العمر 91 سنة. رينيه يتناول في فيلمه مسرحية للمؤلـف البريطاني ألان آيكبورن ويمنحها خبرته السينمائية ذات المعالجة الرقيقة دوما. يدور حول ممثلة مسرحية اسمها كاثلين، يصلها نبأ مرض صديق لها اسمه جورج، فتلتقي صديقتيها تامارا ومونيكا، في محاولة لمعرفة كيفية التعبير عن إخلاصهن حيال جورج. هذا التفاني قد ينقلب إلى وجع عاطفي وخلافات، إذ تحاول كل واحدة من هؤلاء النساء أن تكون الوحيدة التي ستحضر تأبينه.

هذه ثالث مرة يقتبس فيها رينيه مسرحية من كتب آيكبورن. الأولى كانت «تدخين - لا تدخين» عام 1993، والثانية «مخاوف شخصية في أماكن عامـة» (2006). وهو يجدد تعاونه هنا مع الممثلة سابين أزيما، هذا التعاون يعود إلى عام 1983 عندما لعبت تحت إدارته في فيلم «الحياة هي سرير من الورود».

وفي إنتاج فرنسي مساهم (إلى جانب إسبانيا والولايات المتحدة)، تعود المخرجة كلوديا لوسا (مواليد بيرو) إلى المهرجان الذي كانت فازت فيه بالجائزة الأولى عام 2009 عن فيلمها «حليب الأسف» (كذلك بجائزة الاتحاد الدولي للنقاد). الفيلم الجديد رحلة تتخللها الكثير من مشاهد الاسترجاع (فلاش باك) حول ذلك الرجل (سليان مورفي) الذي يبحر صوب الماضي، متذكـرا آلاما نفسية واجتماعية حاقت به عندما ترك والدته وشقيقه العليل وأمّ حياة الغربة. في جانب من الفيلم، هو أيضا حكاية تلك الأم التي اكتشفت قدرتها على المداواة وانتحت جانبا بعيدا عن مسارات الحياة العادية، منصرفة لاستخدام موهبتها تلك لخدمة المرضى. جنيفر كونولي وميلاني لوران يشاركان في البطولة.

* شرق آسيا فيلم فرنسي آخر يطل (بإنتاج ألماني مشترك)، لكنه مأخوذ عن رواية مشهورة سبق أن نقلتها السينما إلى الشاشة مرات كثيرة. إنها رواية «الجميلة والوحش» كما ابتدعت أحداثها جين - ماري لو برنس د بيومون. يقوم المخرج كريستوف غانز بوضع الأحداث في مطلع القرن التاسع عشر. الملخص المنشور حول الفيلم لا يأتي بجديد حول الفتاة الجميلة التي تقع في حب ذلك الإنسان - الوحش، لكن غانز هو الجديد في هذا المضمار، خصوصا إذا ما وضعنا في عين الاعتبار أن أعماله القليلة الماضية شهدت اهتماما بسينما الجريمة والتشويق.

إذا ما تحركنا صوب السينما شرق الآسيوية، فإنه بالإمكان رصد فيلم ياباني وفيلمين صينيين في المسابقة.

هناك «فحم أسود، ثلج رقيق» لمخرج جديد نسبيا اسمه دياو يينان. هذا هو ثالث فيلم له، ويعترف فيه ضمنيا بحبـه نوع «الفيلم نوار» الأميركي الذي شاب أيضا عمليه السابقين «بذلة» (2003) و«قطار ليلي» (2007). الفيلم الجديد بوليسي ولغزي وتشويقي بالكامل، يدور حول تحري سابق كان ترك الوظيفة إثر اكتشاف جريمة قتل في منجم قديم وأخذ يعمل حارسا ليليا في أحد المصانع. ذات يوم، تقع جريمة مماثلة، ويجد نفسه مدفوعا للبحث في دوافعها والجناة فيها. كل خطوة تفتح أمامه مدارك جديدة، إلى أن يجد نفسه في دائرة الخطر.

الفيلم الصيني الثاني هو «أرض لا أحد» لنينغ هاو، وهو أيضا حكاية غير تقليدية بالنسبة لما تنتجه الصين من أفلام (حققت أفلامها في الأسبوع الماضي ما يوازي 41 مليون دولار). هنا حكاية محقق يقطع 500 كلم في شمال الصين لمواجهة صائد صقور اصطاد اثنين نادرين منها وينوي بيعهما - أمر غير قانوني. لكن الرحلة ذاتها محفوفة بالخطر، ومحاطة بشخصيات قد تتعرض لهذا المحقق فلا يصل إلى غايته.

الاشتراك الياباني يختلف تماما: دراما حول الحب والتفاني والحرمان ثم الموت. حين يكتشف بطل الفيلم مذكرات امرأة عجوز ماتت من دون وريث، يبدأ بالقراءة ليطـلع، لا على تاريخها وحدها، بل على جزء من تاريخ البلاد بعد الحرب العالمية الثانية.

وعلى نحو منفصل، وضمن أفلام المسابقة أيضا، هناك جديد من مخرج جزائري أيضا اسمه كريم عينوز، سبق أن حقق بضعة أفلام مثيرة للاهتمام، وينجز هنا فيلمه الألماني الأول بالكامل ولو أن بعض أحداثه تقع في البرتغال. ترك المهرجان عنوانه بلا ترجمة وهو «Praia do Futuro» («برييا هي عاصمة مقاطعة كاب فيردي في البرتغال)، لكن فحوى الفيلم واضح: غزل من مخرج عربي آخر لموضوع المثلية، ذلك الذي شاهدناه في فيلم عبد اللطيف قشيش «قصـة إديل»، ثم في فيلم عبد الله الطايع «جيش الخلاص»، وحاليا «أسرار عائلية» لهاني فوزي (المعروض حاليا في مصر)، وها هو فيلم كريم عينوز يتطرق إلى العلاقات ذاتها عندما يترك لبطله البرتغالي إنقاذ سائح ألماني من الموت غرقا، ثم ها هما مجذوبان بعضهما إلى بعض، والبرتغالي يسافر وراء الألماني لكي يعيش معه.