دورة سوتشي الأولمبية الشتوية تكلف روسيا 51 مليار دولار

3 كيلوغرامات من الذهب و700 من البرونز وطنان من الفضة لصناعة 1300 ميدالية

رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ يسلم الشعلة الأولمبية لأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون في سوتشي أمس (رويترز)
TT

قد يكون منتجع سوتشي من أكثر الأماكن دفئا في تاريخ دورات الألعاب الأولمبية الشتوية، لكن السلطات الروسية خططت لذلك أيضا ببرنامج «الثلج المضمون» حيث قامت بتخزين ألواح ثلجية كافية لمواجهة أي نقص في الجليد.

انعكاس أشعة الشمس الذهبية عبر قمم الجبال الثلجية الممتدة على الشواطئ الرملية لساحل البحر الأسود هو الفكرة أو الرمز الذي سعى منظمو الدورة (سوتشي 2014) إلى ظهوره على ميدالياتها.

وأنفقت روسيا على استعدادات إقامة الدورة ما يقرب من 51 مليار دولار، وهو ما أثار عاصفة من الانتقادات ضد الحكومة الروسية من قبل بعض أعضاء في الحركة الأولمبية. وأثارت قضايا حقوق الإنسان، والأضرار البيئية، والفساد المستشري، والظروف البائسة لعمال البناء الذين عملوا في تشييد الملاعب، والضوابط الأمنية المشددة، علامات استفهام على خلفية إقامة الأولمبياد في روسيا. واحتاجت شركة «أداماس» الروسية لصناعة المشغولات الذهبية إلى ثلاثة كيلوغرامات من الذهب وطنين من الفضة و700 كيلوغرام من البرونز لصناعة 1300 ميدالية وتقديمها إلى منظمي أولمبياد سوتشي لتوزيعها على الفائزين بالمراكز المختلفة في 98 سباقا ومسابقة تشهدها الدورة.

واحتاجت كل ميدالية إلى 18 ساعة من العمل حيث تتضمن صناعتها 25 خطوة، أبرزها وأهمها زخرفة المعدن وتغطيته بمادة البولي كربونيت. ويبلغ قطر الميدالية عشرة سنتيمترات، وسمكها عشرة مليمترات، وتزن كل منها ما بين 460 و535 غراما. وحفرت دوائر العلم الأولمبي على واجهة الميدالية وشعار أولمبياد سوتشي واسم المسابقة على الوجه الخلفي. وحفرت كلمتا «أولمبياد شتوي» باللغات الإنجليزية والفرنسية والروسية بطول حافة الميدالية. وتبلغ نسبة الذهب في الميدالية الذهبية 1.34 في المائة فقط بينما تكون باقي النسبة من حجم الميدالية مكونة من 92.5 في المائة من الفضة و6.16 في المائة من النحاس.

تنطلق الدورة وسط أجواء من الارتياح، والترقب في الوقت نفسه. فبعد أشهر طويلة من هيمنة الأحداث السياسية على جدول أعمال الدورة الأولمبية الشتوية، يتحول التركيز مجددا على الرياضات الجليدية والثلجية، وذلك عندما يعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انطلاق الدورة خلال مراسم الافتتاح التي تقام في ملعب «فيشت ستاديوم» اليوم الجمعة.

الدورة الشتوية تأتي كعمل موثق ودعاية يميزان رئاسة بوتين، فمنذ تولدت الفكرة لدى الرئيس الروسي في مقره الرئاسي الصيفي على ساحل البحر الأسود، وحتى بداية رحلة الشعلة التي قطعت مسافة 65 ألف كيلو تر، ومسافة أخرى في الفضاء، بدا واضحا أن بوتين يريد استغلال البطولة كعرض خاص له.

ويرى كثيرون أن «سوتشي 2014» هي «دورة بوتين»، وهو أمر لا يخلو من عنصر السخرية، وذلك في ظل دعوات بمقاطعة الأولمبياد، والمخاوف من وقوع أعمال إرهابية، وانتقادات بسبب ارتفاع تكاليف الإنشاءات، والعديد من القضايا الأخرى السلبية التي تصدرت أخبارها عناوين الصحف.

وقد أسفر هذا كله عن غياب واضح لبعض الزعماء عن حفل افتتاح البطولة الذي يقام بملعب «فيشت ستاديوم» الذي بلغت تكاليف إقامته نحو من 750 مليون دولار. ويتوقع حضور أكثر من 40 رئيس دولة وحكومة مراسم الافتتاح، لكن الرئيس الأميركي باراك قرر أوباما عدم الحضور. وأرسلت الولايات المتحدة بعثة ذات مستوى منخفض. وتزايدت حدة التوتر قبل إقامة البطولة بأسابيع، حيث وقعت هجمات إرهابية في مدينة فولغوغراد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، نفذها متشددون من منطقة القوقاز، هددوا بتنفيذ مزيد منها خلال الفعاليات الأولمبية.

ويأمل الألماني توماس باخ، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الجديد، في أن تعود الدورة إلى أحضان الرياضيين مرة أخرى، حيث قال «تقام دورة الألعاب الأولمبية من أجل الرياضيين، والأولمبياد الشتوي بات مستعدا لاستقبال أفضل رياضيي الألعاب الشتوية في العالم».

ويعتبر أولمبياد سوتشي أول دورة أولمبية تقام في عهد توماس باخ الذي خلف البلجيكي جاك روج في رئاسة اللجنة الأولمبية الدولية في سبتمبر (أيلول) الماضي، والذي أعلن دعمه لاستضافة روسيا للأولمبياد، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن الأولمبياد يحتاج لدراسة لتأثيره في المجتمع. وأوضح باخ، كما جاء في تقرير الوكالة الألمانية من سوتشي، أن إقامة أول أولمبياد شتوي في روسيا ستكون «علامة فارقة»، حيث يشارك عدد كبير من الدول، 87 دولة في المسابقات، وهو رقم قياسي جديد للأولمبياد الشتوي، وكذلك يتابعه أكثر من 200 دولة للدورة عبر شاشات التلفزة، وهو رقم قياسي آخر.

ويأمل الرئيس الروسي أن تمضي البطولة التي تستمر أسبوعين ونصف الأسبوع دون ما يعكر صفوها، قبل أن يتم إطفاء الشعلة في 23 فبراير (شباط) الحالي وتسليم علم الدورة إلى مدينة بيونغ تشانغ الكورية الجنوبية التي تستضيف الأولمبياد الشتوي عام 2018. وتبدو الظروف مثالية أمام الرياضيين للتألق حيث من المتوقع أن تكون حالة الطقس مستقرة نوعا ما، حيث تأمل سوتشي في عدم حدوث مشكلات متعلقة بالطقس والتي شابت أولمبياد فانكوفر عام 2010.

ولدى روسيا حاليا قوة أمنية قوامها أربعون ألف رجل أمن منتشرون داخل الحديقة الأولمبية في سوتشي، وحولها وأيضا في جبال كراسيانا بوليانا. ودعمت الولايات المتحدة وفدها الرياضي المشارك في البطولة بسفينتين للبحرية الأميركية في البحر الأسود على متنهما 600 بحار. وعبر بعض المشرعين الأميركيين عن قلقهم بشأن الأمن في المنتجع المطل على البحر الأسود، لكن الرئيس الأميركي باراك أوباما قال إنه يعتقد أن سوتشي آمنة. وقال مسؤولو أمن أميركيون إنهم ليست لديهم معلومات بخصوص تهديدات محددة للولايات المتحدة الآن.

ومن جانبها، أصدرت الولايات المتحدة تحذيرا إلى المطارات وبعض شركات الطيران التي تسير رحلات إلى روسيا بمناسبة دورة الألعاب الشتوية يطالبها بفحص أنابيب معجون الأسنان التي قد تحتوي على مكونات لصنع قنبلة على متن طائرة. ولم يذكر المسؤول الأميركي عما إذا كانت معلومة استخباراتية هي التي أدت إلى ذلك التحذير الذي لم يعلن عنه للعامة أم لا.

ورفضت وزارة الأمن الداخلي تأكيد تحذيرات، معينة وذكرت فقط في رسالة بريد إلكتروني لوكالة الأنباء الألمانية أنها «تتقاسم باستمرار معلومات ذات صلة» مع شركات الطيران، بما في ذلك التي تتعامل مع أحداث دولية على شاكلة دورة الألعاب الشتوية في مدينة سوتشي. وكانت شبكة «إيه بي سي» قد نقلت تلك التحذيرات عن مسؤول أميركي رفيع المستوى. وقال بيتر كينغ، عضو لجنة الأمن الداخلي بمجلس النواب، لشبكة «سي إن إن»، إن اللجنة أحيطت علما بالتهديد. وكانت شبكة «ايه بي سي نيوز» أول من أورد نبأ هذا التحذير. والقوات الروسية الآن في حالة تأهب لإحباط أي هجمات إرهابية محتملة أثناء دورة الألعاب.

* حرب «الزبادي» بين الولايات المتحدة وروسيا

* ترفض روسيا دخول زبادي يوناني لرياضيي الولايات المتحدة المشاركين في دورة الألعاب الشتوية الأولمبية في سوتشي، لكن سيناتور ولاية نيويورك تشوك شومر مستعد للحرب من أجل دفع السلطات الروسية للتراجع عن قرارها، كي تسمح بدخول منتج مصنع في ولايته. ويؤكد السيناتور أن زبادي «(تشوباني) لذيذ ومغذ وآمن، وعلينا أن نتخطى رفضهم ونجعله يصل إلى رياضيينا».

وقد تبدو هذه رسالة دعائية، لكن الحقيقة أن السيناتور توجه إلى السفير الروسي لدى الولايات المتحدة سيرغي كيسلياك، وكذلك إلى رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ، «من أجل السماح بدخول كمية معقولة من هذا الزبادي إلى سوتشي كي يتمكن الرياضيون الأولمبيون من تناول هذا الغذاء الغني بالبروتينات والمصنّع في نيويورك».

وبحسب ما أبرزته صحيفة «ذا هيل» لا تزال خمسة آلاف عبوة من هذا الغذاء الشعبي - الزبادي اليوناني يلقى رواجا كبيرا في الولايات المتحدة حاليا - محتجزة في مطار نيوارك الدولي بنيوجيرسي، بانتظار عدول السلطات الروسية عن رفضها، وفتح مطاراتها أمام منتج بات يتمتع بشهرة على المستويين الرياضي والسياسي.

* الهندسة المعمارية لمنشآت في أولمبياد سوتشي بين التميز والانتقاد

* ليس هناك شك في أن المهندسين المعماريين للمنشآت والمواقع الأولمبية في سوتشي استوحوا أفكارهم من «الطبيعة الأم» أثناء التخطيط لإنشاء المباني الضخمة، وسط مؤثرات تشمل منخفضات متجمدة وجبالا جليدية وقمم الجبال. وجرت إقامة 11 منشأة رياضية على البحر الأسود وجبال كراسنايا بوليانا، لكن الخبراء لم يتفقوا على أن كل هذه الهياكل كانت ناجحة، حيث وصفها البعض بأنها عملاقة، وأنها نمط منخفض من التصميمات التي تعتمد على محاكاة الرموز الشعبية أو الثقافية. الأكثر تميزا بين كل المنشآت هو استاد فيشت الأولمبي، خاصة ما يتعلق بالتحكم الآلي في الملعب والإضاءة «إل إي دي». ويشعر من قاموا على مهمة الإنشاء بالفخر بالمبنى الخفيف للغاية، كما أنه يتميز بالكفاءة الكبيرة في استخدام الطاقة، وجمع مياه الأمطار وفلترتها من أجل استخدام المراحيض.

ومن بين المشروعات الأولمبية التي تعرضت لانتقادات من قبل سكان سوتشي، ميناء يتسع لـ200 يخت، وموقف يضم نافورات راقصة يطلق عليه «موقع الشعلة». ودافع ديمتري شيرنيشينكو، رئيس اللجنة المنظمة لأولمبياد سوتشي، في تصريحات أوردتها الوكالة الألمانية للأنباء، عن نموذج البناء، قائلا إن «حقيقة عدم وجود منشآت رياضية بشكل سابق تعد ميزة مهمة، فقد سمح هذا لشركة (أوليمبستروي بالتخطيط) وبناء كل شيء وفقا للمعايير المرتفعة للجنة الأولمبية الدولية».

ولكن المعارضين يعتقدون أن تكلفة البناء مبالغ فيها، حيث وصلت إلى 63 مليون دولار، رغم أن الاستاد الذي يتسع لـ42 ألف مقعد سيجري استخدامه أيضا في كأس العالم لكرة القدم عام 2018. كذلك جذب ملعب «قبة بولشوي الجليدية» الأنظار بواجهته وقبته الزجاجية، ومن المفترض أن الطبقات الزجاجية الخاصة تهدف إلى حماية الداخل من درجات الحرارة التي عادة ما تكون منخفضة في المنطقة شبه الاستوائية. وأعرب معارضون عن استيائهم من ارتفاع تكلفة تبريد الملعب، وكان هذا من الأسباب التي دفعت المنظمين إلى التخطيط لتحويله إلى مضمار عقب انتهاء الأولمبياد الشتوي.