محترف «إبريق الزيت».. مساحة حرة لتعبير الصغار وإبداعهم في لبنان

نال شهادة تقدير من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي

مجموعة من أطفال المحترف مع رسوماتهم
TT

لأن الحكاية هي العنصر الأساس الذي يساعد الطفل على تنمية قدراته العقلية والذهنية والخيالية ولأنها تشكل المنطلق في تربية الطفل وتثقيفه، لا، بل تسليته وجعله يقارب الأحداث، كان لا بد من ولادة محترف «إبريق الزيت» تأكيدا لهذا المفهوم وترسيخا له. هذا المحترف يعد مساحة حرة يمارس من خلالها الأطفال رسومهم وإبداعاتهم، يؤلفون قصصهم، يكتبونها ويحكونها، يرقصون ويقولون كل ما يجول في خاطرهم من حكايات.

ويقول ياسر مروة، مؤسس المحترف ومديره، في حديث لـ«الشرق الأوسط» التي التقته داخل المحترف: «بدأت الفكرة من خلال برنامج إذاعي، جرى بثه عبر إذاعة (صوت الشعب) بين عامي 1998 - 1999. وقد قمت بإعداده وإخراجه، وشارك في تقديمه مجموعة من الصغار والكبار على السواء، من بينهم فنانون من مجالات متنوعة، وسرعان ما تحول إلى مساحة بالنسبة إلى الأطفال يعبرون من خلالها عما يريدون رسما وشعرا وكتابة».

ورغم أن مروة كان قد بدأ عمله مع الأطفال، فإنه ما لبث أن توجه في نشاطاته إلى الناشئة، الشباب، الناشطين الاجتماعيين، علماء النفس والمعلمين، فبات مقصدا لكل راغب في المعرفة والتعلم.

يقيم محترف «إبريق الزيت» أو «عالم الأطفال الخلاق» - كما يحلو لمروة تسميته، مشاريع كثيرة في مختلف المناطق اللبنانية، لا سيما تلك التي تعاني الحرمان، تتضمن نشاطات فنية ترفيهية متنوعة، يتشارك الأطفال في إعداد معظمها بهدف واحد هو التعبير عن أنفسهم، من خلال تنفيذها وعرضها.

ويؤكد مروة أن «همنا الأول توعية الطفل وخلق مساحة آمنة له لمواجهة العنف السائد في المجتمع، وخصوصا ذاك الناتج من الحروب والفساد، إضافة إلى تعزيز قدراته وتنمية اهتماماته الفنية والثقافية والاجتماعية، من خلال حثه على تقبل الآخر واحترام الاختلاف السائد بين الناس».

يعتمد المحترف في نشاطاته وسائل كثيرة سمعية وبصرية، بالإضافة إلى الرسم والمسرح والرقص، إضافة إلى وسيلة جديدة لطالما عدت فعالة وناجحة جدا، وتتلخص بالاستماع الجماعي لما يلامس مخيلة الطفل، ويوفر له فرصة لإبداء رأيه ودفعه إلى طلب مزيد من المعرفة ومساعدته في الكشف عن تميزه في المجموعة التي يعمل معها.

ولم تغب عن بال مروة أهمية الأقراص المدمجة أو الـCD، فاعتمدها في محترفه وسيلة ناشطة وفعالة في إيصال المعلومة إلى الأطفال، نظرا لما تحويه من تأثير فوري على عقولهم، مما أثمر أنشطة فنية وثقافية وترفيهية مختلفة تضمنت منتديات للرسم والمسرح وصناعة الدمى، وشملت المدارس والجمعيات والمؤسسات في كل المناطق اللبنانية بما فيها المخيمات الفلسطينية والتجمعات العراقية والسورية. وحملت هذه النشاطات أسماء كثيرة، منها: «نرسم سوا»، «نحن الألوان»، «حقوق الطفل في رسوم»، «يوم البيئة العالمي»، «إبداعات الأطفال في قصص»، «حكاية ورسمة»، وغيرها.

كما صدر عن المحترف كتاب بعنوان «نور - إبداعات الأطفال في قصص»، ضم 46 قصة كتبها الأطفال بأقلامهم. وأصدر أيضا ثلاثة أشرطة سمعية (كاسيت وقرص مدمج)، تضمنت مجموعة من المواضيع التربوية والثقافية عن حقوق الطفل على شكل 11 حكاية شعبية، باللهجة العامية المحكية - اللبنانية.

واللافت أن لكل حكاية من هذه الحكايات قصة جميلة محبوكة بطريقة أكاديمية سلسة، وفي ذلك يوضح مروة: «هدفنا أن نلفت انتباه الطفل إلى معان وقضايا يعايشها يوميا، مثل الحرية والعدل وغيرها من الحقوق التي يتعرف إليها من خلال الحكايات البسيطة الممتعة».

أما طريقة تنسيق الحكاية وإخراجها، فتجعل المستمع يشعر معها بأنه أمام مسرح، يميز صوت كل شخص عن الآخر، ويمكنه رسم صورة لكل صوت بحسب أدائه وما يسرده، ناهيك بالموسيقى وهندسة الصوت التي هي أصلا مهنة مروة الأساسية، حتى صارت حكايات على شكل اسكتشات وليست سردية فقط.

وتكمن أهمية الحكاية في أنها مختارة بعناية من أرشيف أهم كتاب الحكايات الشعبية مثل الروسي ف. سوتييف، واللبناني يوسف الخال، والروائي رشيد الضعيف، والكاتبة فاطمة شرف الدين، إضافة إلى حكايتين نقلهما الحكواتي جهاد درويش من التراث الشعبي العالمي. وطبعا، هناك حكايتان للأخوات ديمة ورنا وسارة حمادة اللاتي كن من الأطفال المؤسسين لمحترف «إبريق الزيت» وشاركن في كل نشاطاته منذ 12 سنة.

وتجذب هذه الحكايات الأذن إليها من خلال المؤدين المتخصصين في هذا المجال، مثل المسرحي ربيع مروة والموسيقي أحمد قعبور والمطربة ريما خشيش والموسيقي بطرس روحانا والمخرج الإذاعي عمر ميقاتي والحكواتي الشهير جهاد درويش والممثلة جوليا قصار والمخرجة ميرنا شبارو.

وردا على سؤال حول الطفل عندما يسمع الحكايات، يجيب صاحب المشروع: «يمكن أن يستوحي منها لوحة يرسمها أو نصا يكتبه أو حتى مشهدا مسرحيا»، لافتا إلى أن هذا ما حصل مع إحدى الفتيات التي حرمتها ظروف أهلها المادية من الذهاب إلى المدرسة كبقية أقرانها وكانت تلح على والدتها بتسجيلها، فما كان من الأخيرة إلا أن وعدتها بذلك.

وفي اليوم التالي، استيقظت الفتاة باكرا للذهاب إلى المدرسة، لكن والدتها تجاهلت الموضوع ونسيته، فشعرت بخيبة كبيرة تغمر قلبها الصغير. وكان هذا موضوع قصة الطفلة التي كتبها مروة في محترف «إبريق الزيت».

في الختام، تجدر الإشارة إلى أن المحترف نال شهادة تقدير من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2000 عن برنامج «حكايات إبريق الزيت للأطفال»، كما نوهت به الجمعيات والمنتديات والمدارس التي زارها، مما وضعه أمام تحد كبير أثبت مع الأيام تفوقه وتميزه وقدرته على الإبداع، فغاص في بحر من النشاطات التي تركت بصمات في عالم الصغار والناشئة، منها مشروع حقوق الطفل في رسوم، ومشروع إبداعات الأطفال في قصص، ومشروع التعبير والمشاركة في قرى الأطفال SOS المستمر منذ عام 2008.